لو لم تنسحب القوات الأجنبية بكل أنواعها الموجودة فى ليبيا قبل إجراء الانتخابات المقررة فى 24 سبتمبر المقبل، فلن يكون لهذه الانتخابات معنى. استمرار وجود هذه القوات سيؤثر على نتيجة وشكل الانتخابات، وبالتالى إعادة إنتاج وضع سياسى معين تحت تهديد السلاح والمقاتلين والمرتزقة الأجانب. قرأت كلمة السفير سامح شكرى وزير الخارجية فى مؤتمر «برلين 2» الذى انعقد يوم الأربعاء الماضى. وللموضوعية، فقد كانت كلمة مهمة وحاسمة توضح بجلاء، ليس فقط موقف مصر، ولكن موقف أى عربى يتمنى الخير لليبيا وشعبها ومستقبلها وعروبتها. شكرى كان واضحا فى ضرورة تضافر كل الجهود لكى يتم الاستحقاق الانتخابى فى موعده فى سبتمبر المقبل، وتذليل كل العقبات التى تعوق تنفيذه. أحد أهم هذه العقبات والتى لم يذكرها شكرى صراحة هو محاولات بعض القوى الأجنبية والمحلية منع وتعطيل انسحاب القوات الأجنبية. بصريح العبارة تركيا تحفظت فى المؤتمر على بند انسحاب القوات الاجنبية الذى اتفق عليه جميع الحاضرين، وهى بهذا التحفظ تحاول الاستمرار فى التواجد العسكرى هناك وتساعدها فى ذلك بعض القوى والميليشيات الليبية التى تؤمن أن خروج القوات والمرتزقة الأجانب يعنى نهاية وجود هذه التنظيمات المتطرفة التى تعتاش على استمرار الانقسام. لكن أظن أن مصر نجحت إلى حد كبير فى إقناع الأطراف الإقليمية والدولية ذات الصلة بضرورة خروج القوات الأجنبية على وجه السرعة، وضرورة أن تتم الانتخابات فى موعدها. الرسالة المصرية أن أى تأخير فى تنفيذ هذين البندين، أى خروج القوات الأجنبية وإجراء الانتخابات، سوف يكون له تداعيات سلبية، على كل ما تم تحقيقه من تقدم منذ انعقاد مؤتمر برلين، قبل نحو 18 شهرا وكذلك لقاء جنيف الذى تم فى أوائل هذا العام، ونص بوضوح على وقف إطلاق النار وانطلاق المسار السياسى، الذى قاد بدوره إلى وجود زخم سياسى، أدى إلى تشكيل الحكومة الانتقالية الحالية برئاسة عبدالحميد الدبيبة، مما جعلها تحظى بدعم عربى ودولى غير مسبوق منذ توليها مقاليد السلطة الانتقالية. مرة أخرى محاولات البعض خصوصا تركيا للالتفاف على مقررات برلين 1 و2، وتفاهمات جنيف ما تزال مستمرة لمنع خروج القوات الأجنبية. هؤلاء يعتقدون أنه يمكن خداع المجتمع الدولى والأمم المتحدة، حينما يفسرون خروج القوات الأجنبية، ببضع مئات من المرتزقة، لكنهم يعودون مرة أخرى بطريقة «الباب الدوار»، مع بقاء القوات الرسمية، كما هى، بحجة أنها جاءت باتفاق مع الحكومة الليبية السابقة بقيادة فايز السراج، أو الحالية التى ما تزال تؤيد بقاءها. ظنى الشخصى أن حكومة الدبيبة ينبغى أن تحسم أمرها، وتوجه رسالة واضحة للجميع بأنها مع مصلحة الشعب الليبى بأكمله، وليست مع فصيل واحد معروف بارتباطاته التنظيمية والأيديولوجية مع تركيا. من حق حكومة الدبيبة أن تحرص على وجود علاقات طبيعية وقوية مع تركيا، مثلما تحرص على وجود هذه العلاقات مع كل دول الجوار خصوصا مصر وتونس والجزائر والسودان. لكن الاعتقاد بأنها يمكن لها أن تحظى بكل التأييد الدولى وتستمر فى نفس السياسة التابعة لهيمنة نظام رجب طيب أردوغان، أمر مستحيل وسوف يعرض مصداقيتها الحالية للتآكل. مرة أخرى، على الأشقاء فى ليبيا إعلاء المصلحة الوطنية العليا لبلدهم على كل ما عداها من مصالح شخصية أو فئوية ضيقة، سواء كان ذلك فى طرابلس أو بنغازى أو أى مكان فى ليبيا. هم جربوا الانقسامات، والاستقواء بالأجنبى ورهن بلدهم لصراعات إقليمية ودولية مختلفة. وكانت النتيجة كارثية عليهم. على الميليشيات فى ليبيا أن تدرك أن القوى التى تشغلهم وتستخدمهم، قد تلقى بهم فى أقرب سلة قمامة، حينما ينتهى الهدف من تشغيلهم، وبالتالى أمامهم فرصة قد لا تتكرر قريبا للبدء فى بناء بلدهم على أسس صحيحة وسليمة. المجتمع الدولى قال كلمته بأكثر من طريقة بضرورة خروج كل القوات الأجنبية، سواء كانت نظامية أو مرتزقة، وسواء كانت هذه القوات دخلت بطلب من فايز السراج أو خليفة حفتر. وبالتالى فالأمر لا يحتاج إلى مراوغة والتفاف كما نراه الآن. استمرار هذه القوات بأى شكل من الأشكال يعنى استمرار النزاع والصراع والانقسام، وسيطرة هذه الميليشيات ومن يشغلها على مراكز صنع القرار، كما رأينا فى طرابلس أكثر من مرة فى السنوات الأخيرة. هناك فرصة تاريخية للأشقاء الليبيين للخروج من الحفرة التى وقعوا فيها منذ عام 2011، ولن يساعدهم أحد أكثر من ذلك، ما لم يساعدوا أنفسهم.