هكذا اجتمعت مجموعة الدول السبع فى قمة ضمت قادتها فى كورنوال المطلة على الساحل الجنوبى الغربى لإنجلترا على مدار ثلاثة أيام. وجاءت القمة الأخيرة بعد فترة من تعثر هذه الاجتماعات فى السنوات الماضية وعجزها عن التوصل لنتائج تُذكر، حتى انتهت إحداها فى عام 2019 بدون بيان مشترك لفشلها فى الاتفاق حول موقف موحد من قضايا التجارة العالمية. وقد كانت نشأة المجموعة فى أوج الحرب الباردة لتتبنى سياسات مشتركة فى مواجهة الاتحاد السوفياتى والمعسكر الشرقى ولتتيح لمؤسسيها فرصا للتعاون والتنسيق فى مواجهة الركود المصاحب بتضخم خصوصا بعد ارتفاع أسعار البترول فى أعقاب ما اتخذته منظمة أوبك من إجراءات لحظر تصدير النفط إبان حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973. أسست المجموعة ست دول فى عام 1975 وهى الولاياتالمتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة واليابان وإيطاليا وألمانيا الغربية، ثم انضمت لهم كندا كدولة سابعة بعد عام، ثم شارك فى اجتماعاتها الاتحاد الأوروبى منذ عام 1981. وعند بداية هذه المجموعة، التى كانت توصف بالسبع الصناعية الكبرى، كان نصيبها من الاقتصاد العالمى يتجاوز 70 فى المائة، أما اليوم فنصيبها يقل عن 45 فى المائة منه بعد تصاعد نمو الصين والهند وغيرهما من دول الجنوب والأسواق الناشئة؛ ووفقا لمعادل القوى الشرائية فنصيب هذه الدول من الناتج العالمى لا يتجاوز 30 فى المائة. ورغم وصفها بالصناعية فنسبة إسهام قطاع الصناعة فى اقتصادات هذه الدول فى تراجع مستمر إذ لا يتجاوز على سبيل المثال 19 فى المائة فى حالة المملكة المتحدة الدولة المضيفة لقمة هذا العام. ما يجمع هذه الدول السبع حقا هو استنادها إلى مبادئ ديمقراطية مشتركة، أكثر مما تبقى لها من هيمنة اقتصادية تذكر، كما أشار لذلك اللورد جيم أونيل، وهو الاقتصادى البريطانى الذى صاغ مصطلح «البريكس»، الذى يضم الأحرف الأولى من البرازيل وروسيا والهند والصين، فى عام 2001 مستشرفا دورهم المتصاعد فى الاقتصاد العالمى وهو الذى ما زالت تتمتع به مع تفاوت فى الإسهام وبتميز واضح للصين التى تحتل اليوم المركز الثانى فى الاقتصاد العالمى والمركز الأول فى التجارة وجذب الاستثمارات. وبالتالى تبدلت أرضية المقارنة لهذه المجموعة كسبع دول صناعية رأسمالية كبرى مقابل المعسكر الشيوعى الشرقى، إلى التركيز على أنها مجموعة ديمقراطية تواجه دولا ذات نظم أوتوقراطية أو سلطوية وفقا لما هو صادر عن المجموعة. عُقدت القمة الأخيرة فى أجواء احتفائية بعودة الولاياتالمتحدة لصدارة المشهد كما وعد رئيسها جو بايدن، وانتهت بصدور تعهدات فى مجالات توفير اللقاحات وجهود التعافى من وباء «كورونا»، والتعامل مع أزمة تغيرات المناخ وتعافى كوكب الأرض من العلات البيئية، والتعاون فى تعافى الاقتصاد العالمى على النحو الآتى: أولا، التعافى الصحى: تعهدت المجموعة بتوفير مليار جرعة من اللقاح للدول النامية ورغم كبر الرقم فإنه لا يلبى الاحتياجات الفعلية والتى قدرتها منظمة الصحة العالمية بمقدار 11 مليار جرعة للسيطرة على الوباء. كما أن الفترة الزمنية التى سيستغرقها توفير اللقاح المقدرة بثمانية عشر شهرا أطول مما تستهدفه الدوائر الصحية بالوصول لرقم من يتم تلقيحهم فعليا إلى 40 فى المائة بنهاية هذا العام و60 فى المائة مع منتصف العام القادم. واستغراق فترة أطول يعنى مزيدا من المصابين والضحايا وإرهاقا للنظم الصحية واحتمالات أكبر لمزيد من تحورات الفيروس المقاوم للقاحات المتعارف عليها وتعطلا فى مجريات الحياة والنشاط الاقتصادى بما يهدد أيضا ما شهدته مجموعة الدول السبع من تحسن نسبى فى مؤشرات صحتها العامة واقتصادها. كما أن عدم النص صراحة على الإعفاء المؤقت من قيود حماية حقوق الملكية الفكرية لأغراض توفير اللقاح يعوق توفير اللقاحات بتصنيعها فى البلدان النامية. ونؤكد هنا ما ذكره مارك لوكوك، منسق الشئون الإنسانية والإغاثة بالأممالمتحدة، من أن قيام الدول المتقدمة بتقديم العون فى مكافحة الوباء يتضمن ضرورة لحماية لمصالحها وليس فقط من موجبات الإخاء والتعاون الإنسانى. ثانيا، تغيرات المناخ وتعافى الأرض: تشكل عودة الولاياتالمتحدة لاتفاقية باريس لتغيرات المناخ الموقعة فى عام 2015 سندا مهما لجهود المجتمع الدولى فى هذا الشأن. وكان من المتوقع أن تقدم القمة المزيد من المساندة الممهدة لإنجاح قمة الأممالمتحدة للمناخ فى غلاسكو هذا العام، ولكنها لم تأت بجديد بشأن التعهدات المالية المعلقة منذ قمة كوبنهاغن لعام 2010 لتوفير 100 مليار دولار توجه للدول النامية لتمويل مشروعات إعادة الهيكلة المطلوبة للتصدى لتغيرات المناخ، خصوصا فى مجالات الطاقة والبنية الأساسية والمياه والزراعة والتوافق البيئى لقطاعات الصناعة والنقل. كما أن الاجتزاء المستمر للاستدامة فى قضايا المناخ مع تجاهل قضايا التنوع البيئى والتلوث وعدم تحقيقها فى إطار عملى لتحقيق التنمية المستدامة يهدد إمكانية تحقيق أهداف تغيرات المناخ إذا لم يصحبها قضاء على الفقر وسيطرة على عدم العدالة فى توزيع الدخول وزيادة البطالة. وقد حذر تحليل نشرته صحيفة الفاينانشيال تايمز فى مطلع هذا الشهر من أن عدم مراعاة تسعير الكربون لقواعد إدارة التحول العادل فى الاتحاد الأوروبى، سيؤثر سلبا على الفقراء فى دوله وهو ما يؤكد على ما طالبنا به من ضرورة فض الاشتباك غير المبرر بين أهداف التنمية المستدامة من ناحية وأهداف تغيرات المناخ فى إطار منضبط من السياسات العامة وتمويلها. ثالثا، استمرار مساندة التعافى الاقتصادى: تشير توقعات البنك الدولى وصندوق البنك الدولى إلى أن نمو الاقتصاد العالمى سيتراوح بين 5.6 فى المائة إلى 6 فى المائة فى هذا العام معوضا ما خسره العام الماضى بعد ركود وانخفاض النمو إلى سالب 3.3 فى المائة. ولكن هذا النمو سيكون متباينا معوجا مصاحبا بمزيد من تفاوت الدخول والثروات وقلة فى توليده لفرص العمل بعد زيادة البطالة من جراء الجائحة. وقد أحسنت هذه القمة فيما يلى: 1 تأكيدها على ما بدر من وزراء مالية المجموعة بمساندة إصدار ما يعادل 650 مليار دولار من وحدات حقوق السحب الخاصة تضاف للسيولة الدولية واحتياطيات البنوك المركزية بنسبة 95 فى المائة من حصة كل دولة من الدول الأعضاء بصندوق النقد الدولى. 2 تأييدها لتدعيم موارد صندوق مساندة الدول الأقل دخلا بصندوق النقد الدولى. 3 إعطاؤها إشارة خضراء لإنشاء صندوق جديد يخصص لجهود التعافى ومرونة الاقتصادات واستدامتها فى الدول متوسطة الدخل. 4 تدعيمها لجهود التعاون الضريبى بين الدول ووضع حد أدنى للضرائب بمقدار 15 فى المائة على الشركات الكبرى دولية النشاط وربطها بمصدر تحقيق الأرباح وليس بمركزها فى الدولة الأم. وهى بداية مطلوبة لتفعيل التنسيق المانع لمزيد من تسرب الأموال من الدول النامية إلى الملاذات الضريبية الآمنة سواء بطرق مشروعة أم من خلال الاحتيالات للتهرب الضريبى، هذا بالإضافة إلى تدفقات الأموال غير المشروعة من الدول الأفقر للأغنى. وقد كان من المأمول أن تسفر هذه القمة عن مساندة فعالة للنظام التجارى الدولى، لكنها اكتفت بذكر عبارات فضفاضة عن تجارة أكثر عدالة وإحالة الأمر لمشاورات مجموعة العشرين، واجتماع وزراء التجارة القادم فى نوفمبر (تشرين الثانى) فى إطار منظمة التجارة العالمية. كما لم تعلن القمة أى مبادرة لاحتواء تفاقم المديونيات الدولية أو الإعفاء منها أو التصدى لاحتمالات زيادة مشكلات التعثر وعدم السداد مع زيادة تكاليف الاقتراض، كما لم تشر إلى تطوير مطلوب فى آليات إعادة هيكلة الديون المتعثرة وتسويتها. وقد قوبلت نتائج القمة بمزيج من القبول لبعضها لإيجابيته، والإحباط لتواضع ما انتهت إليه فى بعضها الآخر، فضلا عن التخوف مما ستؤدى إليه توصيات صدرت عنها بشأن الاستقرار الدولى خصوصا فيما يتعلق بسبل معالجتها للصعود الصينى بما يعنيه من تصاعد للتوجهات الحمائية. وقد اشتركت هذه القمة مع قمم سابقة من قبل، لأن قراراتها جاءت فى شكل تعبيرات إنشائية وتوصيات دون مساندة عملية أو مالية إلا قليلا، بما يتطلبه ذلك من متابعة لآليات التنفيذ. بما يؤكد أن عبء تصحيح مسارات التعافى المشار إليها يعتمد فى نهاية الأمر على قدرة كل دولة فى تعبئة إمكانياتها الوطنية وتفعيل مشاركاتها التنموية سواء مع مجموعة الدول السبع أم غيرها. نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط