بعد إعلان قرار وقف إطلاق النار، خرج الفلسطينيون العُزل في غزة يتجولون في أحيائهم لأخذ فكرة أوضح عما فعلته إسرائيل فيها، والأوضاع المأساوية التي باتت عليها، وكل منهم يبحث عن ذويه ويتفقد أهله وينفطر قلبه لمن غاب منهم. خسائر الأهل والأصدقاء والأحباب طالت معظم عائلات غزة، لكن هناك عائلة واحدة كان خسائرها مأساوية، تلك العائلة التي أُبيدت بالكامل، ولم يبق منها سوى زينب، الفتاة الفلسطينية البالغة من العمر 22 عاما، والتي خرجت بصعوبة من تحت أنقاض منزلها، الذي قصفته قوات الاحتلال ليقع فوقها وأهلها ولم ينجو من تحته سوى هي، لتستيقظ على وقع الصدمة المفجعة التي لم تكن تتهيأ لها. قصة زينب وعائلتها، التي فقدت 22 فردا، وأُبيدت في بضع دقائق، تناقلتها الصحف الدولية وتعاطف معها العالم، خاصة وأنهم لم يتم تحذيرهم من قبل قوات الجيش الإسرائيلي، الذي زعم أنه استهدف منازلهم بغرض استهداف أنفاق أسفلها تابعة لحركة حماس والمقاومة الفلسطينية. وقالت الإذاعة الوطنية العامة في أمريكا أنه "برغم وقوع خسائر مؤلمة لكلا الجانبين الإٍسرائيلي والفلسطيني، تراوحت بين 12 قتيلا في إسرائيل، وأكثر من 240 قتيلا في غزة، إلا أن نوعية الخسائر التي تكبدتها العائلات في غزة، خلال الأسبوعين الماضيين، كانت مدمرة للغاية، فقد فقدت 19 عائلة أقاربها، منهم عائلتين قُضى على نواتها كاملة". فبمجرد دخول شارع الوحدة في غزة، يمكن رؤية منازل العائلة الفلسطينية قد سويت بالأرض، ودفنت تحتها عائلة كاملة، أعمام وعمات وإخوة وأطفال، عاشوا جميعا في بنايتين سكنيتين، استهدفتهما قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال حربها على غزة، دون أن تنذرهم أو ترسل لهم أي تنبيهات كما يزعم قادتهم أمام العالم. كانت الساعة حوالي الواحدة صباحًا، من يوم الأحد الماضي، حينما بدأ القصف يدك شارع الوحدة الذي تقطن فيه العائلة، كانوا محتجزين جميعا داخل العمارتين السكنيتين، خائفين من القصف الذي يهز أرجاء مدينة غزة كل دقيقة. لأيام، ظلت زينب و16 فردا آخرين من عائلتها، المكونة من 23 شخصا، محبوسين في غرفة واحدة داخل إحدى البنايتين، يحاولون طمأنة بعضهم وهم يسمعون أصوات القنابل في كل مكان، ولا يتوقعون أو يشكون في أنها ستصل إليهم، فلم يحذرهم الكيان بقصف البنايتين كما فعل في بعض البنايات التي استهدفها في غزة، لتقع الكارثة. تقول زينب، الفتاة الوحيدة الباقية من عائلتها: "فجأة ضرب الصاروخ البناية من الأسفل، ورأينا أرضية الغرفة وقد فُتحت، وسرعان ما شعرت وكأننا نغرق، عندما سقطت الطوابق العليا فوقنا، وأخذت طابقنا إلى الأرض معها، كانت أمي تمسك بيدي اليمنى وأختي في يدي اليسرى، لكنهما توفيتا، كنت أسمعهم وهم يحتضرون تحت الأنقاض، ويلفظون أنفاسهم الأخيرة ولا أستطيع فعل أي شيء". واستكملت زينب: "لقد دفنت تحت الأنقاض ولم أستطع الحركة، ولكن حمدت ربي أن هاتفي المحمول معي، فكل ما كان بيدي، أن اتصلت بصديقتي، في الساعة 1:02 صباحا، لكي تنجدني وأهلي وتتصل بسيارة إسعاف، ولكن بعد ساعتين، نفدت بطارية هاتفي ولم يصل لي أحد، فكنت وحيدة فصليت ودعيت أن أظل على قيد الحياة وأن أستطيع إنقاذ عائلتي ولكني لم أكن أدرك حجم المأساة". ولكن، ظلت زينب تحت الأنقاض لأكثر من اثني عشر ساعة حتى وصل إليها فريق الإنقاذ وأخرجوها من تحت الركام، لتواجه الحقيقة المريرة بفقدانها أفراد عائلتها ال22 جميعا، وأنها باتت وحيدة تماما. في مشهد حزين وبكاء متقطع، ظلت زينب تتذكر أهلها في حديثها للإذاعة الأمريكية، فتقول: "كانت أمي واسمها أمل، هي أمل لكل شخص تعرفه، وأكثر شخص لطيف يمكن أن نلتقي به في الحياة، وأختي الوحيدة هنا، كانت مصدر السعادة للجميع، وكانت لا تزال صغيرة، طالبة في المدرسة، لديها أصدقاء. لديها آمال. لديها أحلام". ووفقا لحديث الفتاة الفلسطينية، فقد تعلمت أختها هنا، البالغة من العمر 16 عاما، اللغة الكورية عبر الإنترنت وتحلم بالسفر إلى كوريا، لكنها الآن ماتت، ومعها شقيقها الأكبر طاهر، البالغ من العمر 24 عاما، خريج هندسة مدنية، وشقيقها الصغير أحمد، البالغ 17 عاما، كلهم توفوا وقتلوا تحت الأنقاض. ورحل أيضا مع إخوتها أبناء عمومتها المحاسب محمد وأبنائه الأربعة وشقيقه عزت، محامٍ وزوجته وأطفالهما الثلاثة، رحلوا ضمن 22 فردا من العائلة، التي لم يتبق منها سوى زينب. وذكرت الإذاعة الأمريكية أن القوات الإسرائيلية لم تتصل بعائلة زينب لتحذيرهم من القصف والضربة مثلما فعل الجيش مع العديد من المدنيين الآخرين، لكي يسمحوا لهم بالفرار قبل قصف منازلهم، في وقت قالت فيه إسرائيل إنها كانت تستهدف منشأة تحت الأرض تابعة لحماس وانهارت أساسات المنازل فوقها. وتابعت الإذاعة الوطنية الأمريكية: "رغم التضرر والحصار الشديد، سكان غزة ليس لديهم خيار سوى الاستمرار في حياتهم، لكن لا توجد إجابات على الأسئلة الحقيقية هنا، هل ستستمر حماس في حكم غزة؟ هل ستستمر إسرائيل في فرض حصار على غزة؟".