صندوق التنمية الحضرية يعرض تجربة تطوير العشوائيات خلال المنتدى العربي للإسكان    النائب محمد رزق: تسجيل ميناء السخنة في موسوعة جينيس يؤكد تحول مصر لمركز إقليمي للنقل واللوجستيات    البورصة المصرية تربح 12 مليار جنيه بختام تعاملات الاثنين 15 ديسمبر 2025    ويتكوف وكوشنر يطلعان وزراء خارجية أوروبا على المستجدات حول غزة    شيخ الأزهر ينعَى محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    ضبط شخص و3 سيدات يستقطبون الرجال لممارسة الأعمال المنافية للآداب في الإسكندرية    القليوبية الأزهرية تُكثف استعداداتها لامتحانات نصف العام 2026/2025    ضبط مالك كيان تعليمي يمنح دورات وشهادات غير معتمدة بمجال التمريض    الأمين العام للاتحاد البرلماني الدولي: القيادات الدينية تؤدي دورا محوريا في تعزيز التعاون العالمي    مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من البلازما وتحصل على اعتماد الوكالة الأوروبية للأدوية EMA    محمود ناجي يدير مباراة مصر ونيجيريا غدا    شيكابالا: "الزمالك عمره ما هيقع"    مدينتي تستضيف انطلاق مبادرة "احنا معاكم" لدعم مرضى الزهايمر (فيديو)    رئيسة القومي لذوي الإعاقة تشدد على الاستجابة الفورية لشكاوى المواطنين    تصدير 37 ألف طن بضائع عامة من ميناء دمياط    الإدارية العليا نظر 31 طعنا على 19 دائرة ملغاة في انتخابات النواب    الأرصاد تحذر هذه المحافظات من أمطار خلال ساعات وتتوقع وصولها إلى القاهرة    تموين الأقصر تضبط 2.5 طن سماد مخصص للجمعيات الزراعية في مخزن بمدينة إسنا    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    عادل إمام يغيب عن جنازة شقيقته أرملة مصطفى متولي    وزير الثقافة يشارك في جنازة الدكتور صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    بهذة الطريقة.. الأعلامية ريهام سعيد توجه رساله للفنان أحمد العوضي    "المشاط": اللجان المشتركة أداة فعالة للدبلوماسية الاقتصادية لتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي بين مصر وشركائها    أطعمة شتوية ضرورية لتعزيز المناعة والوقاية من أمراض البرد    تنظيم داعش يعلن مسئوليته عن هجوم استهدف دورية تابعة لقوات الأمن السورية في إدلب    محمود ناجي حكم ودية مصر ونيجيريا    مجمع إعلام دمياط يطلق حملة "حمايتهم واجبنا" لتوفير بيئة آمنة للأطفال    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    محافظ المنوفية: ضبط مخزنين بقويسنا والباجور لحيازتهم مواد غذائية مجهولة المصدر    جامعة القاهرة الأهلية تواصل تنفيذ برامجها التدريبية والعملية بمعامل الكيمياء والفيزياء ب"هندسة الشيخ زايد"    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    الرقابة المالية تنضم إلى فريق دولي تابع للمنظمة الدولية لمراقبي التأمين    ضبط سائق نقل اصطدم بسيارة وفر هاربًا    "الوزراء" يستعرض تفاصيل الخطة الحكومية لتطوير المنطقة المحيطة بالقلعة وأهم التحديات    ضبط محطة وقود غير مرخصة داخل مصنع بمدينة السادات    بالفيديو.. الأوقاف: كل نشاط للوزارة يهدف إلى مكافحة كل أشكال التطرف    وزير الخارجية: مصر تدعم الدور المضطلع به البرلمان العربى    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    "فورين أفيرز": واشنطن تعيش وهم الطائرات بدون طيار مما يفقدها تفوقها الضئيل على الصين    شيكابالا ينشر فيديو تكريمه من رابطة جماهير الزمالك في قطر    انطلاق اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة السلة في مصر    التحقيقات الأولية . ابن روب وميشيل راينر المشتبه به الرئيسى فى حادث مقتلهما بلوس أنجلوس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    غدًا انطلاق اختبارات اختيار كوادر مدرسة الإمام الطيب لحفظ القرآن الكريم وتجويده    مخالفة للقانون الدولي الإنساني ..قرار عسكري إسرائيلي بهدم 25 مبنى في مخيم نور شمس شرق طولكرم    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم    "حقوق المرأة في التشريعات المصرية" ندوة توعوية بجامعة بنها    وزيرة التضامن: إطلاق جائزتي الدكتور أحمد خليفة و"باحث المستقبل" باسم الدكتورة حكمت أبو زيد    استشاري ينصح بتناول الشاي المغلي وليس الكشري أو الفتلة حفاظا على الصحة    ذكرى رحيل نبيل الحلفاوي.. رحلة فنان مثقف من خشبة المسرح إلى ذاكرة الدراما المصرية    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    الاثنين 15 سبتمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    «فرنس إنفو»: تشيلي تدخل حقبة جديدة بعد انتخاب «أنطونيو كاست» رئيسا البلاد    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



د. مصطفى الفقي يكتب: نقلة نوعية ورؤية عصرية
نشر في الشروق الجديد يوم 10 - 05 - 2021

«لن تنطلق النهضة العربية إلا بالفهم الصحيح للأديان السماوية والابتعاد عن أسباب الصدام ونبذ روح التعصب»
بعيدا من السياسة وأزماتها وكورونا ومعاناته، يعنّ لى اليوم أن أتطرق إلى موضوع له أهميته البالغة وأعنى به ذلك التوجه الحضارى الجديد الذى تمضى فيه المملكة العربية السعودية لتجديد الخطاب الدينى وتحديث رؤية المسلمين العميقة لكتاب الله وسنة رسوله صلّى الله عليه وسلم، فأنا ممَن يظنون أننا كبّلنا أنفسنا عبر القرون بما يؤدى إلى تعطيل حركة التقدم الإنسانى فى بلادنا ولا يربط ظلما وافتراءً بين ديننا الحنيف وروحه المتسامحة التى جعلت التفكير فريضة فيه، فهجرنا العقل وابتعدنا عن صحيح الدين وبدأنا نردد أحاديث مهجورة ليست لها صفة التواتر ولا تحمل من حيث الشكل والمضمون ما يؤكد سلامتها واستسلمنا لمفهوم (العنعنة) الفردية بحيث لا نجد فى النهاية المصدر الواضح عن رسول الإسلام ونبى الأمة، ولن أنسى السخرية التى واجهتها ذات يوم فى لقاء فكرى بالعاصمة البريطانية حول ما تردد عن إرضاع الكبير أو استكمال نكاح مَن فارقت الحياة أو الشطط فى تصوير قداسة فضلات الرسول العظيم، لقد عزلنا أنفسنا أيها السادة عن روح العصر وحضارته وابتعدنا تماما عن فلسفة الإسلام التى سبقت الدنيا بمئات السنين، وأنا أتذكر الآن ما قاله العاهل الأردنى الراحل الحسين بن طلال: إننا لا نحاول الرجوع إلى صحيح الإسلام ولكننا نتقدم نحوه، فهو يسبقنا فكريا وحضاريا وثقافيا وأخلاقيا، وما من ظاهرة حياتية أو قضية دولية إلا وقد حسمها الإسلام منذ خمسة عشر قرنا. ولنأخذ مسألة حقوق الإنسان بمفهومها الكونى لكى نكتشف أن الشريعة المحمدية قد حسمت الأمر بوضوح منذ بدايتها وقررت المساواة الكاملة بين البشر وفق منهج يقول: «لا فضل لحر قرشى على عبد حبشى إلا بالتقوى»، إنه الإسلام الذى أنصف المرأة وأعطاها حق التعليم والعمل وجعل منهن مقاتلات وشاعرات حتى ضربت بالدف ذات يوم امرأة أمام الرسول بعد انتصاره فى إحدى غزواته فرحا واحتفالا، إلى أن ظهر عمر بن الخطاب، ففرّت من المجلس ولم يؤنبها النبى بل وفى بوعده واستمع إليها. إن الإسلام هو دين رفق ومحبة وسلام، وكل ما شابه من عنف وما طرأ عليه من خروقات، إنما هى أحداث تتصل بتاريخ الدولة الإسلامية لا بجوهر الإسلام ذاته، وحين يتصدّى ولى عهد المملكة العربية السعودية بشجاعة ووضوح لمناقشة القضايا المتصلة بالتفرقة بين الشريعة والفقه، وهو أمر نادى به مستنيرون كثر من علماء الأزهر الشريف بمَن فيهم الإمام الأكبر الحالى لأن الاعتقاد السائد بأن كل ما نُسب إلى محمد صلّى الله عليه وسلم، هو حقيقة مؤكدة نلتزمها بغض النظر عن صحة القول وسلامة المصدر، فأصبحنا أمام ركام كبير من الأحاديث المدسوسة والافتراءات التى يتحمّلها الإسلام ظلما وعدوانا، وخلط الكثير من رجال الدين وأدعياء المعرفة بين شرع الله فى كتابه الكريم وسنّة رسوله المؤكدة وبين اللغو الذى انتقل إلينا عبر العصور مدسوسا ومحرّفا وزائفا، بل وخضع بعد ذلك لعملية اختيار تحكّمى وانتقاء عبثى من أولئك الذين لا يفهمون فلسفة الإسلام أو جوهر دينه.
وحان الوقت لأن نصحو للمرة الأخيرة من غفوة القرون ومسيرة الظلام التى عشعشت فى العقول ووصمت الإسلام الحنيف بما ليس فيه وجعلته فى العقل الغربى على الأقل نقيضا للعلم الحديث والانفتاح الفكرى والتسامح الإنسانى، فرماه أعداؤه بالتخلّف والتعصّب والتزمّت على نحو استثمره كل الحاقدين عليه والكارهين له. ولعلى أطرح هنا بعض النقاط الجوهرية التى تتعلق بهذه النقلة النوعية التى بشّر بها ولى العهد السعودى لكى نبتعد عن الضلالات والخرافات والأحاديث الملفّقة والأكاذيب الموروثة، وأهم تلك النقاط ما يلى:
أولا: إن التفرقة بين الشريعة السمحاء والفقه المنقول هى تفرقة بالغة الأهمية، فالشريعة هى جوهر ما جاء فى الذكر الحكيم واكتمل بالسنّة الصحيحة المؤكدة عن رسوله الكريم. أما الفقه، فهو صناعة بشرية عادية تمثل اجتهاد الفقهاء وآرائهم، وحسنا فعل ولى العهد السعودى عندما قال إن لا عقوبة إلا بنصّ فى القرآن أو قياس على فعل مؤكد جرى سنّة عن محمد صلى الله عليه وسلم، وهو بذلك وضع النقاط فوق الحروف وجعلنا أمام طريق صحيح لا خلاف حوله ولا مزايدة عليه. وإذ تأتى تلك الأطروحات العصرية الصحيحة من أرض النبوة ومبعث الوحى ومنزل الرسالة، فإن ذلك يكون مدعاة للمصداقية أمام العالم الإسلامى فى قارات الدنيا، ولقد شهدت فى حياتى الدبلوماسية وعملى فى الخارج زخما ضخما من الخرافات التى يعيش بها الملايين، خصوصا من المسلمين غير العرب، إذ تبدو الشريعة أمامهم غير واضحة فى زحام التفسيرات المتداخلة والآراء المزدحمة، كذلك فإنهم يخلطون بين ما هو مؤكد فى هذه الشريعة التى تطرّقت إلى حياة الإنسان بدءًا من الميلاد حتى الموت، مرورا بالزواج والطلاق والمواريث وصولا إلى الدعوة المباشرة نحو إعمال العقل وإجراء المصالحة الرشيدة بين الحياتين الدنيا والآخرة، ولم يفطن كثير من الدعاة إلى فلسفة النص القرآنى أو الحديث النبوى المؤكد، والتقطوا القشور من دون الغوص فى فلسفة تلك النصوص وجوهر الفكر الذى حملته الدعوة الإلهية إلى عباد الله فى كل مكان. ولقد جاء الوقت لكى يدرك المسلمون بكل مذاهبهم وطوائفهم أن الشريعة والسنّة المؤكدة هى ثوابت لا مساس بها. أما اجتهادات الفقهاء فى مختلف العصور، فهى صناعة بشرية تحتمل القبول أو الرفض من خلال عملية تنقية تخضع للعقل المحايد والنظرة الموضوعية والمصلحة العليا لأتباع الدين الحنيف، مستلهمة روح الإسلام من دون الوقوف فى عجز أمام الأحاديث المغلوطة والسيرة المشوهة. لقد مرّت جنازة أمام نبى الإسلام، فانتفض واقفا احتراما لجلال الموت، فقال له بعض الصحابة من حوله: لمَ يا رسول الله والجنازة ليهودى؟! فردّ عليهم بالنطق السامى والإلهام الإلهى: أليست الجنازة لنفس بشرية! فليعكف علماؤنا على ترجمة هذه الواقعة لأمم الأرض وشعوب الدنيا حتى يدركوا أن الدين لله وحده، والذين يضيفون البهارات البشرية والأوهام التاريخية، إنما يخطئون فى حق الله ورسوله ودينه.
ثانيا: إن الفروق بين المذاهب الإسلامية والفرق الدينية يجب أن تبتعد عن المساس بجوهر الشريعة وأن تتوقف عن استثمار الأحاديث التى لا سند لها وأن ندرك جميعا أن الإسلام دين العقل والحكمة والتسامح وشريعته أبعد ما تكون عن التعصب والتطرف والغلو، ولندرك جميعا أن جوهر الدعوة المحمدية لا يقبل المتاجرة به أو المزايدة عليه، ويكفى الإسلام أعداءه أنه برزت فى عصرنا ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، تجسيدا لحالة العداء المكتوم تجاه الدين الذى توجهت عبارات كتابه المقدس القرآن الكريم إلى الناس جميع من دون المسلمين وحدهم، فقد جاء فى الذكر الحكيم: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ».
ثالثا: أدعو علماء الدين فى كل المذاهب الإسلامية الصحيحة إلى التوقف عن الزجّ بالتفسيرات الفقهية أو اعتبارها مصدرا صحيحا فى الدين، فهى اجتهادات بشرية وتحليلات تحتمل الخطأ والصواب ولا يجب تلقّفها بكل شوائبها لتصبح عالقة فى أذهان العامة ومصدرا للتضليل والتجهيل على حساب الشريعة الغراء والسنّة المؤكدة. كما أن اجتزاء النصوص وانتزاعها من سياقها التاريخى هو أمر يؤدى إلى تشويه صورة الإسلام، خصوصا فى أعين غير المسلمين، فالإسلام دين الفطرة والبساطة وهو الدين الذى يغوص فى النفس البشرية ونوازعها المختلفة حتى إن آية الميراث فى القرآن الكريم أوجزت فى سطور قليلة ما عجز العلماء المعاصرون عن تحديده بهذه الكيفية وتلك الروعة، ولنتذكر ما قاله أمير الشعراء أحمد شوقى ملخصا مبادئ الإسلام: «الدين يسر والخلافة بيعة، والأمر شورى والحقوق قضاء».
إننى أحيى المبادرة السعودية وأدعو إلى دعمها من كل المراكز الدينية وحسنا فعل الأزهر الشريف قبل هذه المبادرة وبعدها من تأكيد جوهرها واحترام الرؤية الإسلامية الصحيحة التى تضعنا على أول الطريق، ولعلى أعطى الرئيس المصرى الحالى ما يستحقه من تقدير وهو الذى نادى منذ بداية حكمه بضرورة تجديد الخطاب الدينى على نحو لا يختلف عما طرحه ولى العهد السعودى وبدأ الأزهر الشريف ينادى به، فالنهضة العربية لن تنطلق إلا بالفهم الصحيح للأديان السماوية والابتعاد عن أسباب الصدام ونبذ روح التعصب وفهم منطق العيش المشترك واحترام الآخر، لأن الدنيا لنا ولهم ولغيرنا جميعا.. ولكل مَن خلق الله خليفة له فى الأرض منذ النشأة الأولى!
نقلا عن اندبندنت عربية.
مصطفى الفقى كاتب وباحث


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.