ارتفاع طفيف في أسعار الذهب محليا وعالميا ترقبا لقرار الفيدرالي الأمريكي    نجاح أعمال حفر البئر الاستكشافية شمال البسنت في الدلتا بإنتاج 10 ملايين قدم مكعب غاز يوميا    اليابان تصدر تحذيرا من تسونامي بعد زلزال تجاوزت شدته 7 درجات    عمرو موسى: موقف مصر الحازم أحبط خطة التهجير.. ولا تطبيع بدون تنازلات إسرائيلية    دون تقطيع شاهد بث مباشر لمباراة عمان وجزر القمر في كأس العرب 2025.. توقيت اللقاء والتفاصيل الكاملة    انتحار طالبة ألقت بنفسها من سكنها بالدقهلية    محافظ القليوبية يكرم أطقم إسعاف أعادت مشغولات ذهبية تتخطى مليون جنيه لأصحابها    وزيرا الثقافة المصري والفلسطيني يلتقيان في باكو ضمن فعاليات أسبوع الإبداع 2025    إمام الجامع الأزهر محكمًا.. بورسعيد الدولية تختبر 73 متسابقة في حفظ القرآن للإناث الكبار    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : فلنجتهد فى البحث عما يلزم لنهضتنا الإصلاحية 00!!?    خالد عبدالغفار يتابع تطورات إنشاء مصنع اللقاحات متعدد المراحل بالتعاون مع بنك الاستثمار الأوروبي    مؤتمر فليك: لا أريد إهدار طاقتي في الحديث عن ريال مدريد.. وفرانكفورت قادر على إلحاق الضرر بنا    منافس بيراميدز المحتمل - كروز أزول يصل الدوحة لمواجهة فلامنجو    انطلاق أعمال المؤتمر الدولي ال15 للتنمية المستدامة بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية    تداول 5801 شاحنة للبضائع والحاويات في ميناء دمياط    نادي قضاة المنيا يستعد لتشييع جثامين القضاة الأربعة ضحايا حادث الطريق الصحراوي    «القومي للمرأة» يعقد ندوة حول حماية المرأة من مخاطر الإنترنت    فرقة القاهرة للعرائس المصرية تكتسح جوائز مهرجان مصر الدولي لمسرح الطفل والعرائس    الكشف عن البوستر الرسمي لفيلم "القصص" قبل العرض الأول في مهرجان البحر الأحمر    الفيلم التونسى صوت هند رجب يترشح ل جائزة أفضل فيلم أجنبى ل الجولدن جلوب    بالصور.. مدير تعليم الجيزة يتفقد مدارس أطفيح والصف    الحكومة الإسرائيلية: نتنياهو يلتقي ترامب يوم 29 ديسمبر الجاري    إقبال الناخبين المصريين في الرياض على لجان التصويت بانتخابات الدوائر الملغاة    إغلاق مدارس فى بريطانيا لمنع انتشار سلالة متحولة من الإنفلونزا .. ما القصة؟    هانز فليك: مواجهة فرانكفورت صعبة.. وجارسيا الحارس رقم 1 لبرشلونة    قطار سريع يربط الدوحة ب3 مدن سعودية ويضيف 115 مليارا للناتج المحلى للبلدين    رئيس الوزراء يستعرض المخطط الهيكلي والرؤية التنموية لمنطقة "غرب رأس الحكمة"    رئيس جامعة كفر الشيخ: ندعم مهارات طلاب الجامعة الأهلية لمواكبة التطورات    تعليق ناري من محمد فراج على انتقادات دوره في فيلم الست    بعد تعثر صفقة دياباتي .. الأهلي يكثف مفاوضاته لضم الكولومبي بابلو الصباغ    لتعزيز التعاون بين القطاع القضائي والمؤسسات الأكاديمية، مساعد وزير العدل يزور حقوق عين شمس    البورصة تخسر 14 مليار جنيه في ختام تعاملات اليوم    أول تعليق من الزمالك على تصريحات وزير الإسكان بشأن أرض أكتوبر    حبس زوجين وشقيق الزوجة لقطع عضو شخص بالمنوفية    موجة تعيينات قضائية غير مسبوقة لدفعات 2024.. فتح باب التقديم في جميع الهيئات لتجديد الدماء وتمكين الشباب    عاجل- الاحتلال الإسرائيلى يواصل خروقاته لوقف إطلاق النار لليوم ال59 وقصف مكثف يطال غزة    محافظ جنوب سيناء وسفراء قبرص واليونان يهنئون مطران دير سانت كاترين بذكرى استشهاد القديسة كاترينا    الصحة: توفير ألبان الأطفال العلاجية بمراكز الأمراض الوراثية مجانا    وزير الثقافة: أسبوع باكو مساحة مهمة للحوار وتبادل الخبرات    وزارة العمل تحتفي باليوم العالمي لذوي الإعاقة بجمعية المكفوفين    قرار جديد من المحكمة بشأن المتهمين في واقعة السباح يوسف    أمطار شتوية مبكرة تضرب الفيوم اليوم وسط أجواء باردة ورياح نشطة.. صور    أخصائي تغذية: العسل الأسود أهم فائدة من عسل النحل    وزير الإعلام الكمبودى:مقتل وإصابة 14 مدنيا خلال الاشتباكات الحدودية مع تايلاند    أزمة سد النهضة.. السيسي فشل فى مواجهة إثيوبيا وضيع حقوق مصر التاريخية فى نهر النيل    كامل الوزير يوجه بإنشاء محطة شحن بضائع بقوص ضمن القطار السريع لخدمة المنطقة الصناعية    منذ لحظات .. محمد صلاح يصل مقر تدريبات ليفربول قبل قمة إنتر ميلان بدوري الأبطال.. فيديو    وزير الزراعة يكشف موعد افتتاح «حديقة الحيوان» النهائي    الرئيس السيسي يؤكد دعم مصر الكامل لسيادة واستقرار ليبيا    الإفتاء تؤكد جواز اقتناء التماثيل للزينة مالم يُقصد بها العبادة    النيابة تطلب تقرير الصفة التشريحية لجثة سيدة قتلها طليق ابنتها فى الزاوية الحمراء    وزارة التعليم: إجراء تحديث على رابط تسجيل استمارة الشهادة الإعدادية    ضمن مبادرة «صحّح مفاهيمك».. أوقاف الغربية تعقد ندوات علمية بالمدارس حول "نبذ التشاؤم والتحلّي بالتفاؤل"    منتخب مصر بالزي الأبيض أمام الأردن غدا    وزير الصحة يترأس اجتماعا لمتابعة مشروع «النيل» أول مركز محاكاة طبي للتميز في مصر    نيللي كريم تعلن انطلاق تصوير مسلسل "على قد الحب"    مواقيت الصلاه اليوم الإثنين 8 ديسمبر 2025 فى المنيا    متحدث "الأوقاف" يوضح شروط المسابقة العالمية للقرآن الكريم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فتاة من عمان
نشر في الشروق الجديد يوم 17 - 12 - 2009

عندما دَخَلت عليها الفتاة العمانية منى جعبوب مكتبها قبل نحو عام، لم تكن تعرف أى مشروع يختفى وراء ملامحها الصبوحة. داعبتها الشابة بسؤال عن السر فى أن كل من يدخل مكتبها متجهماً يخرج وعلامات البشر تكسو وجهه، فمدت لها يدها بقطعة من الحلوى التى تحتفظ بها فى أحد أدراجها، فهمهمت منى بصوت خفيض الآن عرفت السر.
لكن منى، ابنة محافظة ظفار إحدى محافظات سلطنة عمان، لم تكن مجرد ذكرى عبرت أفق خيال صاحبتنا، لكنها كانت مشروعا للمستقبل يستحق التأمل. اختارت الشابة العمانية أن تسجل مشروعها للماجستير بقسم تربية فى معهد البحوث والدراسات العربية عن «التجربة التربوية لثورة ظفار»، والاختيار دال بحد ذاته.
فالتجربة الثورية لجبهة تحرير ظفار، التى نشطت فى فترة الستينيات من أجل التغيير السياسى ومقاومة النفوذ الاستعمارى البريطانى، تعد واحدة من التجارب، التى يندر الحديث عنها بسبب حساسيتها، وذلك مع أن عددا يعتد به من كوادر النظام العمانى من خريجى مدارس الثورة.
عندما تقرأ رسالة منى يداخلك شعور عميق بأنها تعيش داخل موضوعها. ولعل تلك المعايشة هى التى تفسر كيف نجحت ابنة شيخ إحدى قبائل عمان فى انتزاع موافقة الأسرة على موضوعها، وأهم من ذلك نجاحها فى إقناع أسرتها بالسماح لها بالتنقل بين ربوع السلطنة وفى منطقة الخليج بحثا عن القيادات التاريخية لثورة ظفار داخل عمان وخارجها، حتى إذا ما أتمت رسالتها للماجستير سلمت الأهل وثيقة سفرها ربما حتى لا تفكر لاحقاً فى تكرار التجربة!
تمتلئ رسالة منى بلقطات ذكية تضعنا فى جو الستينيات والسبعينيات، الذى شهد بداية التجربة التعليمية لثورة ظفار ثم توهجها قبل أن تتلقى الضربات فى الثمانينيات ثم تنحسر. خذ مثلاً تلك اللقطة التى تصور الثائر أبى كامل وهو يثبت قطعة من الخشب على ساق شجرة لتكون بمثابة سبورة يكتب عليها أبجديات اللغة من منظور الثورة، فلا يمثل لحرف (أ) بكلمة أرنب كما هى العادة بل كلمة إنسانية.
ويمثل لحرف (ب) لا بكلمة بطة كما هو شائع بل بكلمة بلادى، فالتلاميذ غير التلاميذ. كان تلاميذ الثورة تتراوح أعمارهم بين السابعة والسابعة عشرة ينزحون من ظفار إلى الحدود اليمنية فى رفقة الثوار الذين يحرسونهم بالكلاشنكوف خلال رحلة تمتد إلى عشرة أيام.
أو خذ تلك اللقطة، التى تصور كيف كانت خيام الطلاب هى مساكنهم وقاعات درسهم فى الوقت نفسه، يفترشون فيها الأغطية مساءً ويلملمونها حين الصباح. وعندما تقول منى «الطلاب» فهى تقصد البنين والبنات، لكل منهم زيه وإن كانت الأحذية بالنسبة لهم معاً ترفاً لا قَبِل لهم به.
هكذا كان الاختلاط أمراً طبيعياً والآن هناك من يلح على فصل الجنسين، وهذا يثبت أنه فى حضرة المشروع الوطنى تغيب المماحكات الأخلاقية. أكثر من ذلك، كثيرون لا يعرفون أن امرأة هى التى وضعت للمدارس الابتدائية للثورة نظامها الداخلى ومناهجها التعليمية، وهذه المرأة هى ليلى فخرو بحرينية الأصل وطالبة الجامعة الأمريكية ببيروت التى جذبتها تجربة الثورة فتركت مقاعد الدراسة وشدت الرحال إلى اليمن لتعلم أبناء ظفار.
أو خذ اللقطة التى تصور تلاميذ مدارس الثورة الذين لا يعرفون الإجازات الصيفية ولا تعطل دراستهم بأكثر مما تنتظم كما يحدث لتلاميذنا، وكيف كانت هناك صرامة بالغة فى تقييدهم بتحدث اللغة العربية حتى إذا زل لسان أحدهم وتحدث بلهجته الجبلية فقال مثلاً «غشوم دجر» بدلاً من «أريد فولاً» عوقب على زلته.
وتأمل كيف كان التلاميذ يحملون متاعهم وينتقلون من مكان لآخر كلما قصفت مدارسهم، عفواً خيامهم، قبل أن يستقر بهم المقام أخيراً فى منطقة بعيدة عن مرمى النيران فتحل المبانى محل الخيام ويصير لمبانيهم بئر ومولد كهربائى وقاعات للدرس وأخرى للسكن، وتصير المدرسة لأول مرة اسماً على مسمى.
لقد كانت متعة أن تقرأ عن تلك التجربة الفريدة ويسرى بعض من حماس ثوارها إليك ويتدفق إصرارهم فى شرايينك، فشكراً لمنى التى قدمت لنا صورة للمرأة الخليجية غير صورتها التقليدية كمجرد جسد مستور لا عقل مبتكر، وأثبتت لمن يحتاج إلى دليل أن مشاركة المرأة لها ساحات أخرى غير البرلمان والوزارة وأن عطاءها الوطنى المخلص ممكن بقليل من الجلبة والدعاية وحب الظهور.
وتحية لكل من آمن بمنى وبقدراتها البحثية من مدرسها السورى فى كلية تربية ظفار الذى اقترح عليها الموضوع، إلى د.أحمد يوسف أحمد مدير المعهد الذى ساند رغبتها فى تسجيل موضوعها، إلى مشرفها د.حامد عمار شيخ التربويين العرب الذى تحمس لها بعد أن تحفظ آخرون، إلى أخيها على الذى رافقها فى جولاتها داخل عمان وخارجها، وكان يستمزج رأى قيادات الثورة ومدى استعدادهم للحوار قبل أن يذهب مع منى للقائهم. فأكثرهم معتقل سابق، وبعضهم يشك فى نوايا محدثيه.
كانت منى بالفعل تحتاج إلى مثل هذا الدعم وكانت بحق جديرة بالحصول عليه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.