قضي الأمر، أخيرا وبعد سنوات طويلة للغاية، ستنسحب القوات الأمريكية من أفغانستان بعد قرار الرئيس جون بايدن إتمام ذلك بحلول 11 سبتمبر المقبل، وهو تاريخ لن ينساه العالم، ولن تنساه الولاياتالمتحدة، حيث شهد في عام 2001 تعرضها لمجموعة من الهجمات الإرهابية، ومما لا شك فيه أن قوات الناتو ستحذو حذو القوات الأمريكية وتنسحب من أفغانستان. ويقول الدكتور مارك كاتز الاستاذ بكلية شار للسياسة والحكم التابعة لجامعة جورج ماسون الأمريكية في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إنه من الممكن بشكل ما أن تنجح حكومة كابول الضعيفة التي كانت تحظى بدعم تلك القوات، في البقاء في السلطة، وأن ينحسر نتيجة القتال الضاري، تهديد حركة طالبان الذي تواجهه. ولكن كاتز، الزميل غير المقيم في المجلس الأطلسي في واشنطن، يعود ليقول إنه للأسف يبدو أن هذه النتيجة السعيدة، بعيدة الاحتمال، وأن النتيجة الأكثر احتمالا هي أنه بعد عام أو عامين من مغادرة قوات أمريكا والناتو، ستطيح حركة طالبان بحكومة كابول الضعيفة. وفي استعراضه للتأثير المحتمل لعودة طالبان للحكم في أفغانستان، يرى كاتز أنه إذا ما قررت طالبان إنهاء ارتباطها بتنظيم القاعدة، لإدراك حكماء طالبان أن ذلك الارتباط كان السبب في تدخل الولاياتالمتحدة والإطاحة بحكم طالبان، حينئذ لن يكون الأمر سيئا كثيرا بالنسبة لأمريكا والغرب حتى لو عاملت طالبان المواطنين الأفغان وخاصة النساء بقسوة، إذا أن المهم بالنسبة لهما هو عدم اتباعها سياسة تلحق الضرر بهما. وفي حقيقة الأمر، فإنه إذا نأت طالبان بنفسها فعلا عن تنظيم القاعدة، من المحتمل أن تكون لدى الدول الغربية وغيرها رغبة في التعاون مع طالبان للعمل على عدم عودتها لنهجها السىء السابق وتشجيع العناصر المعتدلة في صفوفها. ويضيف كاتز أنه في حالة عدم إنهاء طالبان لارتباطها بتنظيم القاعدة رغم وعدها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بذلك، فإنه من الممكن ألا تكتفي حكومة طالبان العائدة بمواصلة ذلك الارتباط، ولكن يمكن أن توفر للقاعدة ملاذا آمنا في أفغانستان مرة أخرى كما فعلت قبل 11 سبتمبر، ومهما كان رد الفعل من جانب الولاياتالمتحدة تجاه ذلك، فإنه من غير المحتمل تماما – كما تتوقع أي حكومة لطالبان وغيرها- أن يكون لدى أي إدارة أمريكية سواء كان يترأسها الحزب الجمهوري أو الديمقراطي استعداد لإعادة التدخل في أفغانستان كما فعلت إدارة جورج بوش بعد 11 سبتمبر. وفيما يتعلق بما يمكن أن تفعله الولاياتالمتحدة بالنسبة لهذا الموقف بخلاف فرض العقوبات التي لا يبدو مطلقا أنها نجحت في تغيير تصرفات طالبان، يرى كاتز أنه من المحتمل ألا تكون الولاياتالمتحدة في حاجة لأن تفعل شيئا لعدة أسباب، من أهمها أن تحسين أمريكا لأمن مطاراتها سوف يجعل من الصعب للغاية أن يكرر تنظيم القاعدة ما فعله في 11 سبتمبر، بالإضافة إلى ذلك فإن تواجد القاعدة في أفغانستان أمر ليس ضروريا لها لشن أنواع أخرى من التفجيرات والهجمات التي يمكن تنظيمها من داخل الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الغربية بأي حال من الأحوال. وكذلك فإنه على الرغم من إدعاءات أسامة بن لادن بأن القاعدة سوف تركز هجماتها بعد 11 سبتمبر على "العدو البعيد"، وتركز القاعدة والجماعات التابعة لها منذ ذلك الحين هجماتها بدرجة أكبر على "الأعداء القريبين" (الحكومات في العالم الإسلامي، والحركات الجهادية المنافسة مثل داعش)، وعودة القاعدة إلى أفغانستان مع عدم وجود قوة عسكرية فيها، قد يجعلها أكثر انشغالا بقتال أعداء أكثر قربا خاصة داعش. بالإضافة إلى ذلك فإنه إذا ما كان لدى حكومة طالبان العائدة استعداد لاستضافة تنظيم القاعدة، فمن المحتمل ألا تكتفي بذلك وتستضيف جماعات جهادية أخرى تركز اهتمامها على دول أو مناطق مجاورة مثل وسط آسيا، أو شينجيانج أو إيران، أو حتى باكستان. وكانت حكومة طالبان، وفرت قبل 11 سبتمبر ملاذا آمنا ليس فقط للقاعدة، ولكن أيضا لحركة أوزبكستان الإسلامية التي كانت تشن هجماتها من أفغانستان على مناطق في وسط آسيا. ومع تواجد القوات الأمريكية في افغانستان اعتمدت دول مثل روسياوإيران، والصين على التزام الولاياتالمتحدة بتحمل العبء الرئيسي لقتال القوات الجهادية في أفغانستان التي كانت تهدد مصالحها، ولكن الوضع سوف يتغير بعد رحيل القوات الأمريكيةوالغربية. واختتم كاتز تقريره بالقول إنه من المؤكد أن عودة طالبان للسلطة لن تكون أمرا جيدا بالنسبة لأمريكا- خاصة إذا ما دعمت طالبان القاعدة مرة أخرى، ولكن من المحتمل أن تكون عودة طالبان أكثر سوءا بالنسبة لروسيا، والصين، وإيران وحتى باكستان، فالانسحاب الأمريكي المقبل سوف يعني أن روسيا والدول المجاورة مباشرة لأفغانستان هي التي سيتعين عليها مواجهة أي تهديد لها من جانب حكومة طالبان العائدة أو أنها سوف تكون هي الدول الرئيسية التي ستعاني إذا لم تفعل ذلك، وربما سترى بعض هذه الدول أو كلها أنه من مصلحتها التعاون مع واشنطن- بصورة علنية أو تكتيكية- ضد التهديد الجهادي السني المشترك.