تطور جديد بشأن حماية المسنين والقومي لحقوق الإنسان يعلق    خطيب الجمعة الأخيرة من شوال: يكفي الأمين شرفًا أن شهد له الرسول بكمال الإيمان    تراجع ملحوظ في أسعار السلع الغذائية بالأسواق اليوم    وزير التنمية المحلية: بدء تلقي طلبات التصالح على مخالفات البناء 7 مايو    المجتمعات العمرانية: تكثيف العمل للانتهاء من تطوير المنطقة الصناعية بالعاشر من رمضان    توريد 107 آلاف و849 طن قمح لصوامع وشون كفر الشيخ    نائب وزيرة التخطيط يفتتح أعمال الدورة الثالثة للجنة تمويل التنمية في الدول الأعضاء بالإسكوا    استلام 90 ألف طن قمح من المزارعين في المنيا    الشرطة الفرنسية تقتحم جامعة سيانس بو في باريس لتفريق داعمي فلسطين    تركيا: تعليق التجارة مع الاحتلال حتى وقف إطلاق نار دائم في غزة    نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين: 140 صحفيا فلسطينيا استشهدوا منذ 7 أكتوبر    كلوب يفتح النار قبل رحيله: بإمكان الناس البقاء على قيد الحياة بدون مباريات من وقت لآخر    علام يكشف الخطوة المقبلة في أزمة الشحات والشيبي.. موقف شرط فيتوريا الجزائي وهل يترشح للانتخابات مجددا؟    ضبط سيدة في بني سويف بتهمة النصب على مواطنين    تحرير 2582 محضراً في حملات تفتيشية ورقابية على الأنشطة التجارية بالشرقية    3.8 مليون جنيه إيرادات 4 أفلام بالسينما في يوم واحد    اليوم.. الإعلامي جابر القرموطي يقدم حلقة خاصة من معرض أبوظبي للكتاب على cbc    نقيب المهندسين: الاحتلال الإسرائيلي يستهدف طمس الهوية والذاكرة الفلسطينية في    أحمد السقا: التاريخ والدين مينفعش نهزر فيهم    التضامن تكرم إياد نصار عن مسلسل صلة رحم    «الإفتاء» تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم: إفساد في الأرض    هيئة الدواء تكشف طرق علاج قصور القلب، وهذه أهم أسبابه    المطران شامي يترأس خدمة الآلام الخلاصية ورتبة الصلب وقراءة الأناجيل الاثنى عشر بالإسكندرية    الوزراء: 2679 شكوى من التلاعب في وزن الخبز وتفعيل 3129 كارت تكافل وكرامة    وزير الرياضة يطلق شارة بدء ماراثون دهب بجنوب سيناء    برشلونة يستهدف التعاقد مع الجوهرة الإفريقية    صحف إيطاليا تبرز قتل ذئاب روما على يد ليفركوزن    زيادة جديدة ب عيار 21 الآن.. ارتفاع سعر الذهب اليوم الجمعة 3-5-2024 في مصر    أسعار الأسماك اليوم الجمعة 3-5-2024 في الدقهلية    "مضوني وسرقوا العربية".. تفاصيل اختطاف شاب في القاهرة    ضبط 101 مخالفة تموينية في حملة على المخابز ببني سويف    إصابة 6 أشخاص في مشاجرة بسوهاج    انقلاب سيارة ربع نقل بالمنيا وإصابة 6 أشخاص    البابا تواضروس يترأس صلاة الجمعة العظيمة    مصر أكتوبر: اتحاد القبائل العربية يعمل على تعزيز أمن واستقرار سيناء    خطوات التقديم على 3408 فرص عمل جديدة في 55 شركة    رئيس البرلمان العربي: الصحافة لعبت دورا مهما في كشف جرائم الاحتلال الإسرائيلي    الفلسطينيون في الضفة الغربية يتعرضون لحملة مداهمات شرسة وهجوم المستوطنين    مدير مكتبة الإسكندرية: العالم يعيش أزمة أخلاق والدليل أحداث غزة (صور)    الليلة.. تامر حسني يحيي حفلا غنائيا بالعين السخنة    قصور الثقافة: إقبال كبير على فيلم السرب في سينما الشعب.. ونشكر «المتحدة»    البنتاجون: نراقب الروس الموجودين في قاعدة يتواجد فيها الجيش الأمريكي في النيجر    «اللهم احفظنا من عذاب القبر وحلول الفقر وتقلُّب الدهر».. دعاء يوم الجمعة لطلب الرزق وفك الكرب    «أمانة العامل والصانع وإتقانهما».. تعرف على نص خطبة الجمعة اليوم    أيمن سلامة ل«الشاهد»: مرافعة مصر أمام العدل الدولية دحضت كافة الأكاذيب الإسرائيلية    لإنقاذ حياة المرضى والمصابين.. أمن بورسعيد ينظم حملة للتبرع بالدم    رئيس اتحاد الكرة: عامر حسين «معذور»    عبد المنصف: "نجاح خالد بيبو جزء منه بسبب مباراة ال6-1"    محظورات امتحانات نهاية العام لطلاب الأول والثاني الثانوي    السنوار يعارض منح إسرائيل الحق في منع المعتقلين الفلسطنيين من العيش بالضفة    هل مسموح للأطفال تناول الرنجة والفسيخ؟ استشاري تغذية علاجية تجيب    حكم لبس النقاب للمرأة المحرمة.. دار الإفتاء تجيب    كيفية إتمام الطواف لمن شك في عدد المرات.. اعرف التصرف الشرعي    تشكيل الهلال المتوقع أمام التعاون| ميتروفيتش يقود الهجوم    الناس لا تجتمع على أحد.. أول تعليق من حسام موافي بعد واقعة تقبيل يد محمد أبو العينين    «تحويشة عمري».. زوج عروس كفر الشيخ ضحية انقلاب سيارة الزفاف في ترعة ينعيها بكلمات مؤثرة (صورة)    رسالة جديدة من هاني الناظر إلى ابنه في المنام.. ما هي؟    أحكام بالسجن المشدد .. «الجنايات» تضع النهاية لتجار الأعضاء البشرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مستقبل المصالحة الأفغانية (1-3)
نشر في التحرير يوم 07 - 04 - 2019

دكتوراه في فلسفة العلوم السياسية وخبيرة في العلاقات الدولية
تعاني الحكومة الحالية منذ بداية تشكيلها عام 2014، من أزمة الشرعية؛ حيث إن الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ذلك العام لم تسفر رسميا عن نجاح أيٍّ من المرشحيْن، وتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني بوساطة من وزير الخارجية الأميركي، حينذاك، جون كيري، بموجب اتفاقية تم التوقيع عليها من قبل المرشحيْن الأكثر أصواتًا في السفارة الأمريكية بكابول، وحتى هذه الشرعية المنقوصة والمستفادة من الاتفاقية الموقعة بالوساطة الأمريكية تنتهي ولايتها حسب الدستور الأفغاني يوم 22 مايو 2018، ومن المتوقع أن يشهد هذا العام 2019 إجراء الانتخابات الرئاسية.
تعاني الحكومة الحالية منذ بداية تشكيلها عام 2014، من أزمة الشرعية؛ حيث إن الانتخابات الرئاسية التي أجريت في ذلك العام لم تسفر رسميا عن نجاح أيٍّ من المرشحيْن، وتم تشكيل حكومة الوفاق الوطني بوساطة من وزير الخارجية الأميركي، حينذاك، جون كيري، بموجب اتفاقية تم التوقيع عليها من قبل المرشحيْن الأكثر أصواتًا في السفارة الأمريكية بكابول، وحتى هذه الشرعية المنقوصة والمستفادة من الاتفاقية الموقعة بالوساطة الأمريكية تنتهي ولايتها حسب الدستور الأفغاني يوم 22 مايو 2018، ومن المتوقع أن يشهد هذا العام 2019 إجراء الانتخابات الرئاسية.
يضاف إلى ذلك أن حكومة الوفاق الوطني عاشت فترة طويلة في صراع حاد بين قطبيها؛ رئيس الدولة والرئيس التنفيذي، وتوقف بسببه استكمال التشكيلات الإدارية والأعمال اليومية، فضلا عن المشاريع التنموية والاقتصادية. إلى جانب ذلك، حدَّد الدستور الأفغاني مدة عمل البرلمان بأربع سنوات تنتهي في العام الخامس في الثاني
يضاف إلى ذلك أن حكومة الوفاق الوطني عاشت فترة طويلة في صراع حاد بين قطبيها؛ رئيس الدولة والرئيس التنفيذي، وتوقف بسببه استكمال التشكيلات الإدارية والأعمال اليومية، فضلا عن المشاريع التنموية والاقتصادية. إلى جانب ذلك، حدَّد الدستور الأفغاني مدة عمل البرلمان بأربع سنوات تنتهي في العام الخامس في الثاني والعشرين من يونيو. وكانت الانتخابات البرلمانية قد أُجريت عام أكتوبر 2018 أنقذت البرلمان من عدم شرعيته حيث انتهت مدة عمله عام 2015.
أولا: المصالحة والمفاوضات بين طالبان وأمريكا:
تُعَدُّ المصالحة من القضايا المهمة التي تواجهها أفغانستان في هذه الظروف السياسية غير المستقرة المرافقة للظروف الأمنية الصعبة. وبينما يتحدث الجميع عن إنهاء مأساة الشعب الأفغاني ووضع نقطة النهاية للحرب الدائرة على أراضيه، ما زالت الحرب مستمرة، والدماء ما زالت تراق.
أهداف طالبان من المفاوضات:
أعلنت حركة طالبان أهدافها من عملية التفاوض والتي تم بلورتها كما يلي:
1-إنهاء الاحتلال الأمريكي والوجود الأجنبي على الأراضي الأفغانية
2-الاعتراف الدولي بالحركة كمنظمة سياسية يمكن أن تشكل بديلا عن الحكومة الحالية في حال إقرار الدستور والتناوب على السلطة.
3-رفض القبول بالتفاوض مع الحكومة الأفغانية واستبدال الولايات المتحدة الأمريكية بها.
4-رفع أسماء قيادات الحركة من القوائم السوداء وتسهيل حركة أعضائها لتكثيف مساعي التوصل للسلام، لأن تحقيق ذلك يتطلب بيئة مفتوحة دون وجود ضغوط خارجية.
وقد دخلت حركة طالبان في مفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية:
وقد أعلنت الولايات المتحدة أهدافها في حال استمرار عمليات التفاوض على النحو التالي:
1-فك الارتباط بين حركتي طالبان والقاعدة.
2-وضع دستور للبلاد.
3-تعزيز حقوق المرأة والأقليات.
4-جعل الانسحاب الأمريكي من أفغانستان أكثر أمنًا بعد توقيع العديد من الاتفاقات الأمنية.
5-مراجعة سياسة التدخلات العسكرية المباشرة في العديد من المناطق ومن بينها أفغانستان، والتي تمثل أطول حرب خاضتها والتي امتدت لنحو 17 عامًا.
ولكن عندما تولى دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، حاول أن يعيد النظر في استراتيجيته تجاه أفغانستان لإنهاء الصراع، وبعد مداولات مطولة أعلن عنها، وكان أهم ما ورد فيها ما يلي حسب تصريحات الرئيس الأمريكي:
الإصرار على بقاء القوات الأمريكية في أفغانستان، وأن قرار الانسحاب من العراق عام 2011 كان خطأ، وكان سببًا في ضياع إنجازات أمريكا على أرض الواقع.
إن أمريكا لن تعلن عن استراتيجيتها القتالية في أفغانستان، ولن تفصح عن عدد قواتها هناك، وإن عدد قواتها سيتزايد وسيتناقص حسب الحاجة إليها على أرض الواقع من غير إعلان مسبق عنه.
وتنصلت واشنطن في استراتيجيتها هذه عن وعودها بالبناء وتعمير أفغانستان، واعتبرت ذلك مسؤولية الحكومة الأفغانية.
وحمَّلت الاستراتيجية الأمريكية الجديدة الحكومة الباكستانية مسؤولية إيواء المنظمات الإرهابية -حسب تعبيرها- وطلبت منها أن يتغير هذا الوضع فورًا، وإلا فإن لدى باكستان أشياء كثيرة لتخسرها.
بعد استخدام مؤثِّر للقوة العسكرية، يمكن أن يتم تشكيل نظام سياسي يشارك فيه عناصر من حركة طالبان، لكن لا يدري أحد هل سيحدث هذا الأمر حقيقة، ومتى سيحدث.
إعطاء الدور الأكبر للهند في محاولة إعادة الأمن والاستقرار إلى أفغانستان إلى جانب تقديم الدعم الاقتصادي لها.
أهداف أمريكا من وجودها في أفغانستان:
1-إن استخدام القوة العسكرية لإخضاع المعارضة المسلحة هو الاستراتيجية الرسمية للولايات المتحدة الأمريكية لكنها في نفس الوقت تنادي بالحوار والمصالحة مع حركة طالبان على لسان كبار مسؤوليها. ومن هنا، تُظهر التصريحات اضطرابًا في موقفها تجاه القضية الأفغانية، لكن الذي يبدو من تعاملها أنها تريد تطويل أمد بقائها في أفغانستان والمنطقة لمصالح استراتيجية في صراعها مع الصين، ومن هنا تريد أن تتلاعب بقضية المصالحة لتفقد مصداقيتها، وفي نفس الوقت، فإن واشنطن لو تركت شعار المصالحة وابتعدت عنه لتولاه غيرها، ولكانت هناك مساع حقيقية لتحقيق المصالحة، وهذا لا يتسق مع مصالحها الاستراتيجية.
2- يأتي الموقف الأمريكي من باكستان في تلك الاستراتيجية ردًّا على سياسات باكستان الاقتصادية والأمنية في العقد الأخير ومحاولة خروجها من الفلك الأمريكي، واقترابها من الصين، حيث إن سبع عشرة من المؤسسات الاستخباراتية الأمريكية قدَّمت تقريرًا للكونجرس الأمريكي يقول: إن باكستان ستخرج تمامًا من النفوذ الأمريكي عام 2019 وستدور في فَلَك الصين.
3- كما تغيرت التحالفات في المنطقة، فالهند التي كانت تقف دائمًا بجانب روسيا تقف اليوم مع واشنطن، وتريد الإدارة الأمريكية أن تعطيها دورًا أكبر في أفغانستان، وباكستان الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة تقف اليوم مع التحالف الصيني-الروسي.
محاولات الحكومة الأفغانية لاحتواء الأزمة:
بعدما أعلنت الإدارة الأمريكية استراتيجيتها المذكورة، زادت هجمات المجموعات المسلحة المعارِضة للحكومة على المراكز العسكرية والأهداف المدنية في المدن الكبيرة، خاصة في مدينة كابول، فقد تعرضت لهجمات دموية عديدة، فاضطرت الحكومة لاحتواء الأزمة، وذلك عن طريق الخطوات التالية:
1- الضغط على باكستان للتخلي عن مساعدة حركة طالبان، ويتم ذلك عن طريق إصدار البيانات الرسمية، وطرح قضية مساعدة حركة طالبان في اللقاءات الثنائية بين وفود البلدين، وطرح قضية وقوف باكستان وراء حوادث التفجير والتخريب في أفغانستان على كل المنابر العالمية والإقليمية، ومحاولة إدراجها في القوائم السوداء أو الصفراء لمساعدتها للمجموعات المسلحة في أفغانستان، وتستغل الحكومة الأفغانية في جلب التأييد الأمريكي للضغط عليها تعارض مصالحها مع مصالح باكستان، ووقوف باكستان مع الصين في الصراع الأمريكي-الصيني في المنطقة.
2- عزل حركة طالبان عن محيطها الديني: تحاول الحكومة أن تعزل حركة طالبان عن محيطها الديني وأن تحرمها من تأييد العلماء والعامة عن طريق عقد مؤتمرات ولقاءات مع العلماء، وقد أقيم مؤتمر علماء العالم الإسلامي حول الحرب والسلام في أفغانستان في 10-11 يوليو 2018م وتحت رعاية منظمة التعاون الإسلامي ودعم الحكومة السعودية. وحضره أكثر من 100 عالم ديني من 37 دولة إسلامية، يوم 28 فبراير 2018 صدر قرار بأن: الحكومة الأفغانية حكومة إسلامية، وشعبها مسلم، ولا يجوز الحرب ضد المسلمين بنص القرآن. "كما أكد الحوار الأفغاني بين طالبان والحكومة الأفغانية وطالب بإنهاء الحروب وسفك الدماء في البلد.
ومن جهة أخرى، صدر بيان لحركة طالبان بأن هذه المؤتمرات لعبة مخابرات ورجال أمريكا العسكريين، وأنه لم يشارك في المؤتمر من العلماء المشهورين في العالم الإسلامي والذين شاركوا هم موظفون حكوميون فقط.
3- عرض لحركة طالبان بالمصالحة: عرضت الحكومة الأفغانية على لسان رئيسها عرضًا للمصالحة على حركة طالبان أثناء مؤتمر كابول الثاني، يوم 28 فبراير 2018؛ حيث قُدِّم ذلك كخطة اتفقت عليها كل القوى الأفغانية ومؤسسات الدولة حسب تعبير الرئيس الأفغاني، وجاء العرض من دون شروط مسبقة، وكان ملخصه كما يلي:
-وضع الأطر السياسية للمصالحة؛ ووقف إطلاق النار، واعتبار حركة طالبان حزبًا سياسيًّا، وترتيبات لبناء الثقة المتبادلة، وفي النهاية ترتيبات لإجراء انتخابات عادلة وحرة ونزيهة تشارك فيها حركة طالبان كحزب سياسي معترف به.
-وضع الأطر القانونية للمصالحة، بالتعديل في الدستور الأفغاني عند المطالبة وفق الآلية المحددة في الدستور نفسه، وإطلاق سراح المعتقلين، ومتابعة الخطوات القانونية لرفع الحظر عن حركة طالبان وإخراج قياداتها من القوائم السوداء.
-الاعتراف بالحكومة الأفغانية، واحترام القانون، وتهيئة الظروف للإصلاح والتنمية المتوازنة، واتخاذ الترتيبات اللازمة لعودة المهاجرين.
-اتخاذ الترتيبات اللازمة لتأمين أمن المواطنين الأفغان عمومًا وأمن أفراد حركة طالبان المنضمين لمشروع المصالحة خصوصًا.
-استيعاب مقاتلي حركة طالبان في البرامج الاقتصادية والتنموية الوطنية.
لا شك في أن هذا العرض للمصالحة وبهذه الصراحة والجدية يُقدَّم لأول مرة من قبل الحكومة، وكانت مقترحات المصالحة السابقة مع حركة طالبان تُطرَح بشروط. وبهدف تشجيع مقاتلي حركة طالبان على الالتحاق بصفوف الحكومة، لكن الأمر في هذه المرة يختلف تمامًا عمَّا كان عليه قبل ذلك.
موقف حركة طالبان من محاولات الصلح
تَعتبر حركة طالبان كل تلك المحاولات التي تقوم بها الحكومة الأفغانية داخل أفغانستان وخارجها بما فيها الاقتراح الأخير للرئيس الأفغاني، والمقترحات التي يقترحها بعض السياسيين مثل حكمتيار، زعيم الحزب الإسلامي، وغيرهم محاولات للتغطية على الفشل الأمريكي في أفغانستان، وترفضها. وقد رفضت الحركة مؤتمرات العلماء التي عقدت في إندونيسيا والسعودية والتي تحرم الحرب في أفغانستان وذلك لأن الجهاد ضد الولايات المتحدة الأمريكية بدأ عام 2001 بعد إصدار فتوى بذلك من قِبل ألف وخمسمئة شخص من علماء أفغانستان.
كما رأت الحركة أن دعوة الحكومة للمصالحة هي محاولة منها لإضفاء الشرعية على إدارة كابول العميلة والدعاية المضلِّلة باسم الصلح.
وترى حركة طالبان -كما يظهر من بياناتها الرسمية- أن القضية الأساسية والسبب الحقيقي لاستمرار القتال هي احتلال أفغانستان من قبل القوات الأمريكية، فيكون موضوع التفاوض هو إنهاء هذا الاحتلال، وصاحبة القرار في ذلك هي أمريكا نفسها.
بينما تقول الحكومة الأفغانية: إن سبب بقاء القوات الأمريكية هو استمرار القتال، وإصرار حركة طالبان على الحرب وامتناعها عن المصالحة، فإذا توصلت الأطراف الأفغانية إلى حل مشكلاتها وإيقاف الحرب عن طريق الحوار سترحل أمريكا قطعًا، ولن يبقى مبرر لوجودها في أفغانستان.
إلى جانب ما سبق، تقول الحكومة: إن المشكلة لا تتلخص في انسحاب القوات الأمريكية، بل هناك قضايا عديدة عالقة بين الأطراف الأفغانية، وكل تلك القضايا يحتاج حلها للحوار والنقاش حولها بين الأطراف الأفغانية المختلفة بما فيها حركة طالبان.
ثانيا: القوى والفواعل المحركة لمستقبل المصالحة:
1-العلاقة بين طالبان والحكومة الأفغانية:
يوجد اختلاف في موقفي الحكومة الأفغانية وحركة طالبان في الوقت الحالي مما يؤثر على إمكانية تقدم المصالحة بينهما، حيث لا تريد الحركة التفاوض مع الحكومة الأفغانية، بينما الحكومة لا تقبل أي تفاوض ليس لها فيه الدور الأهم. ومن ثم لو بقيت الحكومة بعيدا، أو تم التوقيع على اتفاق سلام بين طالبان وأمريكا في غياب دور الحكومة الأفغانية؛ فإن النتيجة لن تكون لصالح مستقبل البلاد وستستمر الحرب بينهما.
تتحدث طالبان عن تعديل الدستور وإصلاحات أساسية في النظام بشكل عام؛ لكن الحكومة الأفغانية لا تريد أن يكون النظام في أفغانستان طالبانيا بعد المصالحة مع الحركة. هذه النقطة هي التي يحتاج حلها إلى مزيد من الوقت ومزيد من البحث؛ ولكن من الأفضل تشكيل اجتماع وطني عام يتفاوض مع الحركة حتى يسهل الخروج من هذا المأزق.
لا تقتصر الحرب في أفغانستان على الطرفين (أمريكا وطالبان) فقط؛ وإنما هناك طرف آخر هو الشعب الأفغاني. فلو شارك في هذه المفاوضات شخصيات مؤثرة بالنيابة عن الشعب، وعمل طالبان في هذه المفاوضات على إزالة القلق الذي يجده في نفسه كثير من الشعب؛ هذا ما يمكن أن يساعد على ظهور موقف أفغاني موحد. لذلك؛ فإن على طالبان السعي إلى جعل استقلال أفغانستان مطلبا شعبيا حتى يتيسر بذلك الضغط على أمريكا. وهو ما يعتبر عاملا مهما في مستقبل القضية لو نجح طالبان في تحقيقه سوف يكون له الغلبة.
في الوقت نفسه يخشى الشعب العودة مرة أخرى إلى تجربة ثبت فشلها من قبل؛ وهو النظام أو الحكومة التي تتشكل بواسطة حزب واحد. كما يخشى الكثير من الشعب عودة الوضع الاقتصادي السيئ الذي كان يحكم أفغانستان في ذلك الوقت، ويمكن إزالة هذا القلق إذا اطمأن الشعب على حصول ضمانات على أن أحدا من الأحزاب بما فيها طالبان لا تريد تكرار تلك التجربة، وأن أحدا لا يريد الوصول إلى السلطة أو الاحتفاظ بها بالقوة.
2- علاقة طالبان بالقاعدة:
إن توجه حركة طالبان للمفاوضات مع الإدارة الأمريكية أو الحكومة الأفغانية، سوف يلقي بتداعياته على مستقبل العلاقة بين الطرفين، خاصة أن حركة طالبان تقوم بتوفير الملاذات الآمنة لعناصر تنظيم القاعدة وكذلك معسكرات التدريب، ومن ثم فإن هذه المفاوضات ستشكل محورًا أساسيا في علاقة التنظيمين بل إنه قد يمتد إلى مواجهة مسلحة بين الجانبين. على الرغم من مبايعة القاعدة لزعيم تنظيم حركة طالبان بصورة دورية فإن هناك العديد من الخلافات بين الجماعتين، ولعل أبرز تلك الخلافات تتمحور في النقاط التالية:
1- التمايز الفكري والأيديولوجي: تختلف حركة طالبان مع القاعدة في كونها جماعة محلية تقتصر نشاطها على الداخل، دون أن ينسحب ذلك على باقي الدول، على العكس بشكل كامل مع تنظيم القاعدة؛ فالقاعدة تنظيم عالمي يهدف إلى إقامة خلافة إسلامية عالمية في العديد من الدول دون الارتباط بجغرافيا محددة.
2-الموقف من العمل السياسي: تتبنى حركة طالبان العمل السياسي كإحدى أدواتها في بسط نفوذها على الأراضي وتوسيع دائرة سلطاتها، على الجانب الآخر، ترفض القاعدة آليات العمل السياسي وتحرم التعامل مع الحكومات والأنظمة، بل وتقتصر على محارباتها.
3-الجنسية: من الأمور الخلافية بين التنظيمين؛ حيث تقتصر الجنسية بالنسبة لقيادات حركة طالبان على الجنسية البشتونية، في إشارة إلى البعد المحلي فيما يتعلق بتكوين القيادات، أما القاعدة فليست مثلها وأن قياداتها لا يرتبطون بمنطقة جغرافية معينة، بل إن القيادة مفتوحة أمام العديد من الأشخاص من الجنسيات المختلفة.
4-البعد العقدي: هناك اختلافات جذرية بين العقيدة الدينية لكلا التنظيمين فحركة طالبان تعتنق العقيدة الديوبندية، التي تعتمد على عقيدة أبي منصور الماتريدي في العقيدة، والفكر الحنفي في الفقه، على الجانب الآخر تعتمد القاعدة على الفكر السلفي الجهادي في معتقدها وفكرها الحركي.
5-التوسع: تقتصر حركة طالبان في نشاطها كحركة محلية على الحدود الجغرافية للدولة، بينما على العكس يقوم فكر القاعدة على توسيع رقعة الانتشار والتوسع الجغرافي في العديد من الدول.
3-وجود القوات الأجنبية (الأمريكية والناتو):
تعتبر حركة طالبان حضور القوات الأجنبية في أفغانستان هو العامل الوحيد في كفاحها المسلح في ثمانية عشر عاما الماضية، كما يعتبر خروج هذه القوات من أفغانستان بحثا محوريا في المفاوضات الجارية مع أمريكا والتي ليس القرار النهائي بشأنه واضحا، ويبدو أن كلا من الطرفين يحاول تحميل شروطه على الطرف الآخر.
ورغم تشديد ترامب في خطابه السنوي إلى الكونجرس على خروج القوات الأمريكية من أفغانستان، ومن جهة أخرى فإن مخالفة المجلس الثاني للكونجرس لخروج هذه القوات أو تصريحات المسؤولين الأمريكيين بأنهم يريدون "إخراج قواتهم العسكرية والتركيز على الأمور الاستخباراتية"؛ التناقض في تصريحات المسؤولين الأمريكيين بهذا الشأن يعقد الموضوع أكثر فأكثر.
وفي المفاوضات المباشرة الجارية بين طالبان وأمريكا؛ شددت حركة طالبان على اتفاق بشأن خروج القوات الأجنبية من أفغانستان قبل كل شيء. مع أن تفاصيل القضية ليست معروفة؛ ولكن طبقا للمراسلين فإن الموضوع المهم المطروح في مباحثات قطر هو تحديد موعد لخروج القوات الأمريكية من أفغانستان وهذا ما يستبعد أن يتفق الطرفان بشأنه. يقال إن أمريكا تريد خروجها من ثلاث إلى خمس سنوات؛ لكن حركة طالبان تريد خروج القوات الأجنبية من البلاد في مدة أقصاها سنة واحدة فقط.
بالإضافة إلى ذلك؛ فإن أمريكا لا تريد سحب قواتها من أفغانستان بشكل كامل، بل تريد إبقاء عدد من قواتها في أفغانستان لأمور استخباراتية؛ الأمر الذي يزيد من تعقيد قضية خروج القوات الأجنبية. تريد طالبان خروج كامل القوات الأجنبية، ويسعى الطرف الأمريكي إلى الاحتفاظ بعدد من قواته تحت أي مسمى؛ مثلما فعل في العراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.