نتداول في كثير من الأحيان لوحات فنية تنال الإعجاب أو تلفت الإنتباه أو نرى فيها معنى يصل إلى قلوبنا ويدعوا عقلنا للتفكير، وتعد المساحات الشخصية على منصات التواصل الاجتماعي مكان مناسب لمشاركة هذه اللوحات منا من يعلم مبدعها ومنا يكتفي بالنظر لها أو الاجتفاظ بها على حسابه الشخصي أو على هاتفه. وفي سلسلة "أصل وفصل" نتعرف خلال شهر رمضان على بعض من اللوحات التشكيلية وصناعها. صورة 10 تظهر في اللوحة فتاة جميلة الملامح غارقة في أحد الأنهار وتحيطها الأزهار من كل الجوانب، وهي واحدة من اللوحات المقتبسة عن مسرحية "هاملت" للكاتب الإنجليزي ويليام شيكسبير، ورسمها الفنان البريطاني جون إيفيرت ميليه، بين عامي 1851 و1852، وتسمى "أوفيليا" وهي حبيبة هاملت. أصيبت أوفيليا بحالة نفسية سيئة بعد مقتل والدها على يد حبيبها، فأصبحت تحمل الزهور وتجوب بلا هدف تنشد أغاني حزينة، حتى غرقت في أحد الأيام داخل بحيرة محاطة بالزهور، بحسب تصوير شكسبير للمشهد في مسرحيته، ومن هذا المشهد استوحى ميليه لوحته. تنتمي اللوحة إلى مجموعة الأعمال المرتبطة ب"Pre-Raphaelites"، وهي جمعية فنية أسست في لندن، تقوم على مواضيع جادة، وكانوا معروفين برسم مواضيع من الحياة الحديثة والأدب. استوحوا أفكارهم من نظريات الناقد الفني الإنجليزي جون روسكين، التي حثت الفنانين على الذهاب إلى الطبيعة، فقد آمنوا بفن الموضوعات الجادة التي يتم التعامل معها بأقصى قدر من الواقعية، وكانت موضوعاتهم الرئيسية دينية في البداية، لكنهم استخدموا أيضًا موضوعات من الأدب والشعر، لا سيما تلك التي تتناول الحب والموت. بناء على ما ذكر أن هذه المدرسة تهتم بالتعبير الإنفعالي بالمشهد المرئي، حاول ميليه خلق مشهداً يشبه غرق أوفيليا في النص المسرحي، استدعى زوجته إليزابيذ سيدال، وكانت تنام في حمام من الماء ووضع حولها المصابيح المضيئة، أثناء عملية الرسم كانت إليزابيث ترتدي فستانًا مطرزًا بالفضة اشتراه ميليه لها خصيصاً لهذه اللوحة، وقام ميليه بعمل عدد من الرسومات التحضيرية قبل الشروع في العمل النهائي. استغرق ميليه 5 شهور في رسم الزهور والنباتات الموجودة في اللوحة، لذلك اختلفت أشكالها، بعضها يتفتح على ضفاف النهر وبعضها ذبل، ويفسر البعض اهتمام الرسام بالزهور لأنها ذكرت في المسرحية، وآخرون يرونها ذات قيمة رمزية، على سبيل المثال شجرة الصفصاف الذابلة المتكئة عليها أوفيليا تبدو ذابلة رمز للحب المهجور. كتب جون ابن الرسام ميليه أن زهور والده كانت واقعية للغاية لدرجة أن أستاذ علم النبات، الذي لم يكن قادرًا على اصطحاب فصل من الطلاب إلى أحد الحدائق، أخذهم لرؤية الزهور في اللوحة، لأنها كانت مفيدة مثل الطبيعة نفسها. وغداً حلقة جديدة...