تواصل الشروق نشر حلقات سلسلة أصوات من نور، وفي هذه الحلقة نستعرض ملامح من حياة الشيخ محمود علي البنا الملقب بالصوت المعجزة. حفظ الشيخ البنا القرآن وهو ابن الحادية عشر عاماً، وكان حريصاً في طفولته على حفظ القرآن وتجويده، فكان دأبه منذ بدأ الحفظ، السهر ليلاً على المصباح المنار بالوقود "لمبة جاز" ليكتب اللوح المراد منه حفظه. وحينما كان والده يستيقظ ليلاً ويشاهده ساهراً على حفظ القرآن، يقول له "يابني نام شوية"، لكن الشيخ كان يرفض ذلك ويواصل الكتابة، حتى أتم حفظ كتاب الله مبكراً، وفقا لتصريحات الشيخ محمود علي البنا في حوارً إذاعي سابق، تحدث فيه عن مسيرته مع القرآن الكريم. ومما رواه الشيخ البنا، أنه في عام 1947 أتيحت له التلاوة في حفل افتتاح جمعية الشبان المسلمين بمناسبة العام الهجري الجديد بدار الأوبرا، لكن رئيس الأوبرا رفض ذلك معللًا بأن البنا لم يكن قارئاً معتمداً بالإذاعة، إلا أن مدير الإذاعة محمد قاسم تدخل وقرأ القرآن بالاحتفالية، ليتم بعد ذلك اعتماده بالإذاعة المصرية، ويصبح أصغر قارئ معتمد بالإذاعة في عصره. زار الشيخ البنا العديد من دول العالم، وقرأ القرآن في الحرمين الشريفين والحرم القدسي والمسجد الأموى ومعظم الدول العربية، وزار العديد من دول أوروبا ومن ضمنها ألمانيا عام 1978. كان الشيخ البنا من المناضلين من أجل إنشاء نقابة القراء، واختير نائباً للنقيب عند إنشاء النقابة عام 1984. يقول البنا في حواره الإذاعي، أنه انتدب لتلاوة القرآن في عزاء والد الرئيس جمال عبد الناصر: "اتصلوا بي وقالو لي رئاسة الجمهورية طلبتك بالاسم انت والشيخ عبد الباسط عبد الصمد"، فذهب الشيخ البنا وقرأ القرآن وفق البرنامج المخصص له، أعجب الرئيس عبد الناصر بتلاوة البنا، فطلب منه أن يقرأ أمامه القرآن مرتلاً لا مجوداً. ويضيف البنا: "قرأت إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا، خَالِدِينَ فِيهَا لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا، قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا". فأعجب الرئيس عبد الناصر بالتلاوة وأصدر أمراً فورياً بتسجيل مصحف مرتل بصوت الشيخ البنا في الإذاعة. في حياته تأثر البنا بعدد من القراء، كان أبرزهم – حسبما يقول - الشيخ محمد رفعت والشيخ شفيق أبو شهبة والشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، فتأثر بهم جميعاً بعد أن تفتحت أذنه على تلاوتهم وحسن أدائهم وصوتهم. وبعد رحلة كبيرة مع القرآن الكريم، تُوفي الشيخ محمود علي البنا في 20 يوليو 1985، ودفن في ضريحه الملحق بمسجده بقريته شبرا باص، تاركاً وراءه إرثاً كبيراً من تلاوة القرآن الكريم، وصوتاً وآدائاً يصعب تقليده.