رحلت عن عالمنا اليوم الأحد، الكاتبة الكبيرة نوال السعداوي، إحدى الشخصيات الأكثر إثارةً للجدل؛ حيث يصعب على القارئ أن يقف منها موقفًا وسطًا، فإما أن يكون معها وإما أن يكون ضدها. وهي أشهر من نادى بتحرير المرأة من قيودها، ومَن جهَرَ بالعصيان لِمَا سمَّتْه «المجتمع الذكوري». في السطور التالية مجموعة من أبرز مؤلفات الكاتبة الراحلة التي أثارت جدلًا واسعًا: «المرأة والجنس» في هذا الكتاب تتناول السعداوي، أحد المواضيع المحرمة نسبيا في العالم العربي ألا وهي المرأة وعلاقتها بالجنس. يبدأ الكتاب بمقدمة للسعداوي، تتحدث فيها عن فتاة شابة زارتها صبيحة يوم ما داخل عيادتها رفقة رجل مكفهر الوجه، من أجل إجراء فحوصات للتأكد من عذريتها حسب ما أكده ذلك الرجل. وبعد إجراء الفحوصات اللازمة تأكدت الدكتورة أنها لا زالت عذراء رغم الليلة التي قضتها مع ذلك الرجل الذي تبين أنه زوجها، وأن سبب عدم ظهور بقع الدم هو غشاء بكارتها الذي كان سميكا، ولا يتمزق إلا عند أول ولادة. تأخذ السعداوي من هذه الحكاية محورًا للحديث عن جسد المرأة الذي ارتبط في الأذهان بالإثم والخطيئة والنجاسة وغير ذلك، مشيرة إلى أن الجهل لعب دورا أساسيا في كل هذا، وأن الجهل لا يعني غياب المعلومات، لكن بالترويج لمعلومات خاطئة وهذا أشد أنواع الجهل، لتنتقل بغد ذلك لتفسير معنى العذرية. وتؤكد أن الكثير من الناس يجهلون ذلك الشيء المسمى بغشاء البكارة، معتقدين أن أي فتاة يجب أن يتوفر في جسدها، وأن هذا الغشاء يفض دائما في أول لقاء جنسي بين الرجل والفتاة، كما يعتقدون أن النتيجة دائما بقع حمراء دموية، متناسين في ذلك كل المسببات الخارجية، ودعمت كل هذه الملاحظات بإحصائات سريعة وأمثلة واقعية شهدتها بنفسها. ♦ «المرأة والصراع النفسي» في الكتاب تتحدث عن الوضع النفسي للنساء في مجتمعاتنا العربية، وكيف أن هذه الأوضاع ما هي إلا انعكاس لما تجتازه المرأة من صعاب، بداية من طفولتها التي تتلقى فيها تعاليم صارمة حول عفتها وشرفها وطريقة جلوسها ومشيها، مرورا بعلاقتها الزوجية والتي غالبا لا يكون لها حق اختيار زوجها فيها، انتهاءً بتحولها من امرأة إلى كائن كادح يبذل كل مجهود في الحقل أو المصنع أو الشارع من أجل استقرار البيت، دون تقدير لهذا التفاني واعتباره واجبا مقدسا، والتقليل من أي إنجاز شخصي قد تحرزه في مسيرتها الشخصية. تتطرق لعدة مشاكل نفسية تتعرض لها المرأة، لكنها تخصص هذا الكتاب لمرض العصاب بالذات، والعصاب كما تعرفه السعداوي وفقا لمعاجم أطباء النفس في العالم هو عدم القدرة على التكيف مع البيئة المحيطة ومحاولة التخلص منها سواء بالغضب أو الجنس أو العادة السرية وأحيانا الانتحار. «عن المرأة والدين والأخلاق» في هذا الكتاب الذي تقول عنه مؤلفته «كان اهتمامي يتجه أكثر نحو إنقاذ أجساد البنات وعقولهِن، وهذا أمر طبيعي؛ لأني امرأة وطبيبة عشت بجسدي وعقلي مآسي النساء، خاصةً الفقيرات منهن»، تتناول نوال السعداوي بعض تأويلات الدين والأخلاق التي شكلت أبعادًا عدة لقضية المرأة في العالَم العربي؛ فانحدرت منهما محرمات ومحظورات توارثتها الأجيال، حتى استحالَت إلى قواعد مجتمعية ثابتة أدت إلى هضم حق المرأة، وهتك خصوصياتها الجسدية والعقلِة، وفرض أسس فكرية ودينية وأخلاقية وسياسية واقتصادية قسمت المجتمع إلى أسياد؛ وهم الرجال وكبار الملاك، وأشياء؛ وهم النساء والعبيد والحيوانات. هكذا أجملت نوال السعداوي معضِلة المرأة، مرجعة إياها إلى أصلٍ واحدٍ وهو الصراع بين النظام الأبوي الذي يقوم على تصنيف البشر على أساس الجنس والطبقة والعرق، وبين النظام الإنساني الذي يعلي من قيم المساواة والحرية والعدل. ♦ «مذكرات طبيبة» تمضي نوال سعداوي في سرد مذكراتها كطبيبة كانت بحاجة في لحظة من اللحظات إلى من يداويها، يداوي آمالها التي انبعثت مع لحظات انبثاق أنوثتها، وآلامها التي تفجرت مع تفجر هذه الأنوثة، المجتمع بتداعيات معتقداته، والأهل بسجن عاداتهم وأفكارهم، والنفس بهواجسها وتطلعاتها وعصيانها وتمردها، وبإذعانها أخيرا لشيء ما، تعلن مذكراتها. حين يعايش الإنسان آلامه، حين يدون المكلوم سني جراحه، حين تتخلل الحياةَ لحظات ندية تروي ظمأ الطفولة المهدرة، تجير تلك الفتاة الحالمة، المتمردة، الصلبة، من لكمات واقعها الأليم؛ تصبح «مذكرات طبيبة» حكيًا ذاتيًا، يتجاوز حدود الرواية، ليجسد تجربة إنسانية فريدة. سطرت الدكتورة «نوال السعداوي» ما قاسته وتقاسيه كل فتاة وامرأة تنشأ ولا تجد غير أفكار وعادات تقتل فيها كل حب للحياة ونفسها وذويها، تسوقها لكره وحقد نحو مجتمع لا تجد فيه رجاء، مجتمع تستحيل فيه الفتاةُ الحالمة الرقيقة البريئة إلى إنسانٍ خائف، عنيف، يتوجس خيفة من كل قريب وبعيد. ♦ «مذكراتي في سجن النساء» الكتاب يمثل تجربة إنسانية حية عاشتها الكاتبة نوال السعداوي، بعدما تعرضت للسجن في فترة حكم الرئيس أنور السادات، بسبب آراءها ونقدها لحكمه، وعلى الرغم من أن السجن مكان راكد، لكن نوال السعداوي داخل السجن لم تكن هكذا، فقد عرفت داخله اللون الحقيقي لكل الأشياء، واكتشفت أجمل الألوان وأجمل البشر، وأقبحهم أيضا، إلا أنها رأت أن شيئا واحدا يكتسح كل الألوان: الأمل بانكسار الأبواب والقضبان والأقفال والانطلاق في الجو كعصفور يغرد، الأمل هو الثورة وهو تغريد العصفور الحرّ، لكنها ما زالت لا تملك حريتها في هذا السجن، ولكنها كتبت مذكراتها عن هذا السجن، كتبت عن الصراعات التي صخبت في رأسها من خلال تلك التي هي في خارج السجن وفي داخله، وفي داخلها أيضا، تلك الصراعات المتلاطمة جعلتها تقول شيئا ربما حسبتها كلمات لا تعني شيئا، ولكنها رغم ذلك حلمت بالثورة من خلال هذه الكلمات المنطلقة كرصاص من مسدس، من داخلها، أطلقتها على أوراق الكتاب.