زوجة: فقدت توءمين بعد ضغوط أسرتى للإنجاب فى فترة دراستى.. وأخرى: زوجى طالبنى بإنجاب طفل وتخلى عن مسئولياته فور حملى زوجة تطالب بالتريث قبل اتخاذ القرار: لا أحد يتحمل مشاكل ما بعد الولادة غير الأم.. وأخرى: الأطفال بتدوّب المشاكل ضغوط مستمرة تواجهها السيدات مع بداية حياتهن الأسرية، فما إن يبدأن رحلة الزواج حتى تتزايد المطالب الأسرية لإنجاب أول طفل فى السنة الأولى اتباعا للتقاليد المجتمعية التى تعزز من فكرة الإنجاب المبكر بذريعة استقرار الحياة الزوجية، فى الوقت ذاته تؤمن أخريات أن الأمر يأتى كرغبة إنسانية ملحة، للشعور بالأمومة وتحمل المسئولية مبكرا وإنهاء رتابة الحياة الزوجية. فى كل المناسبات والتجمعات الاجتماعية، تُسأل السيدة عن الحَمل، ولماذا لا تسعى إليه، هل يوجد مانع، وهل زارت الطبيب، وتنهال الأسئلة على رأسها من جهة، ومع كثرة الأسئلة يرضخ بعضهن للأمر الواقع. فى نقاش ل«الشروق» داخل 4 مجموعات نسائية مغلقة على مواقع التواصل الاجتماعى، كل مجموعة تضم أكثر من 100 ألف سيدة، قالت إحداهن: «أجّلت الحمل سنتين لاستكمال دراستى فى الكلية، ومع ضغط أسرتى اضطررت للانصياع لرغباتهم، وجاء الحمل فى توءم إلا أنهما ماتا بعد ذلك، ومنذ ذلك الحين أرفض تدخل أى شخص فى حياتى الخاصة». الكثير من الأمثال المصرية يمثل واقع حياة المرأة فى هذا السياق، مثل «اربطيه بالعيال»، و«يغلبك بالمال اغلبيه بالعيال»، وغيرها، ومن هنا تبدأ تدخلات الأسرة فى حياة الزوجين والضغط عليهما للإنجاب حتى وإن كان ذلك مخالفا لرغبتهما، ونتائجه لا تقتصر على أسرة فقط بل تؤثر بالسلب على الصحة النفسية للأم. تضيف والدة التوءم، كاشفة عن مشاعرها السلبية التى تمر بها منذ وفاة طفليها، وقد كانت فى السنة النهائية من الجامعة: «بعد وفاتهما رفضت تماما الإنجاب لأننى أصبحت مدمرة نفسيا، كما أتمنى تأمين مستقبل الطفل القادم، لكن الضغط مستمر بشكل كبير من كل الأطراف، إلا أن تجربتى علمتنى لا أسمع لكلام أى شخص لأن حياتى ملكى». وقالت أخرى: «كنت أريد تأجيل الانجاب بشدة، لكن جميع أفراد الأسرة رفضوا الفكرة، وضغط زوجى وأهله لكى أتراجع عن تفكيرى، وبالفعل استجبت لهم، وحملت وحاليا أتمنى أن أنفصل عنه لأنه غير متحمل للمسئولية ولا ينفق على الأولاد، وأهله لا يتدخلون لإصلاحه أو توجيهه لرعاية أسرته». «لا أحد يتحمل مشاكل ما بعد الولادة غير الأم»، هذا ما قالته إحداهن وهى تمر بآثار اكتئاب ما بعد الولادة، وقصت أنها تعرضت لضغوط من والدة زوجها، منذ الأيام الأولى للزواج، وظلت تطالبها بالحمل بصورة متكررة حتى الشهر الرابع، تجاوبت مع رغبتها وحملت فى طفلتها، ولكنها وجهت نصيحة لكل فتاة ألا تنساق وراء التدخلات فى حياتها. وأوضحت: «لو أن الأم غير مستعدة بشكل كاف لتحمل مسئولية طفل، يجب أن تصبر، لأن عدم الاستعداد يؤثر بصورة سلبية على الرضيع نتيجة لشعور الأم بضغوط نفسية وأنها تظلم روحا بسبب عدم قدرتها على رعايته بشكل جيد، وهذا الشعور صعب جدا، وهو ما أعيشه الآن». وحكت أخرى أنها كانت تعانى من حماتها وتدخلها المبالغ فيه فى حياتها: «ظللت شهرين فقط بعد الزواج دون أن يحدث حمل كنت أحاول التأجيل لفترة، لكن حماتى كل يوم تسألنى عن إشارات الحمل باستمرار دون ملل، وبلغ بها الحال أن تسألنى عن مواعيد الدورة الشهرية، وتحسبها، وتسألنى أمام الناس دون حرج وتشتكى للآخرين أنى لا أريد الحمل». «مش أى راجل يستاهل نخلف منه»، هكذا قالت بعض السيدات وأيدنها أخريات، وانقسمت الآراء المؤيدة لتأجيل الحمل فى السنة الأولى من الزواج، حيث رأى بعضهن أن من الضرورى تأجيل الحمل لاكتشاف كل طرف الآخر، ومعرفة طباع كل منهما وطريقة معاملته للآخر، وهل توجد عيوب يمكن تحملها أم أن الحياة سوف تصبح مستحيلة، وشددت أخريات على ضرورة التمتع بالسنة الأولى من الزواج وقضاء وقت دون مشاكل أو اكتئاب أو اضطرابات نفسية التى تصاحب الحمل. لم تؤيد النساء/ الفتيات جميعهن فكرة تأجيل الحمل لأى سبب، بل رأى عدد كبير ممن علقن أو تفاعلن مع السؤال المطروح بالرفض الشديد، واختلفت الأسباب التى ارتكزن عليها فى رفضهن فكرة التأجيل. وقالت هالة عادل: «توجد فترة خطوبة لدراسة الشخصية، وفيها فرصة أن يعرف كل طرف الآخر جيدا، لكن الزواج ليس لعبة للتجربة، بل ميثاق غليظ، وأكبر من اختبار سنة أو اثنين قبل الحمل، وإذا نظرنا للموضوع من زاوية أخرى لو طلب رجل منى تأجيل الإنجاب سوف أتركه لأنى لن أشعر بالأمان معه، وإذا فكرت فى الأمر سأكون بنيت حاجزا فى علاقتنا فى المستقبل». وأيدت هاجر حسين الرأى نفسه، وقالت: «فترة الخطوبة كافية أن يعرف كل طرف الآخر، من خلال الخلافات والمشاكل، وقياس الطباع ومدى تحمل التعايش معها». «الأطفال بتدوِّب المشاكل»، رأى آخر تجمعت حوله النساء، أن الإنجاب يعمل على التقارب بين الأزواج ويخفف من حدة المشاكل، ويربط الطرفين ببعضهما ويصعب فكرة الطلاق بينهما، وأن الأطفال هم الحل لتغيير شخصية الزوج خاصة بعد أن يصبح أبا ويتحمل المسئولية، كما رفضت سيدات الفكرة بناء على معتقداتهن أن وسائل منع الحمل تسبب العقم، وقد تكون مضرة إذا استخدمت فى بداية الزواج. وقالت أسماء حسيب: «الشىء الوحيد الذى تخرج به المرأة المطلقة من الزواج هو الأبناء، فكيف تستغنى عنه، تشعر أنها لم تخسر بل بالعكس أصبحت لديها أسرة صغيرة ترعاها وتكبر معها وتكون لها أحفاد فى المستقبل، فى حالة إن استطاعت تحمل مسئولية الأبناء بعد فشل الحياة الزوجية». وتؤيد أخريات فكرة الإنجاب المبكر رغبة فى قتل ملل ورتابة الحياة الزوجية، حيث تقول نيرة أشرف: «الحياة مملة جدا بعد الزواج، ومع مرور الوقت تحدث حالة من الزهق والروتين، والفراغ خاصة إذا لم تكن الزوجة تعمل، وتزداد المشاكل لذلك يجب الإنجاب سريعا لكسر هذه الحالة». وبالنسبة للفتيات اللاتى ما يزلن فى مرحلة الخطوبة وغير المتزوجات، قالت غفران كمال: «الموضوع شخصى بالتأكيد ولكن هذه الفكرة تعميمها أكثر بين الناس، لأن الإنجاب يجب أن يحدث عندما يكون الطرفان مستعدين نفسيا ومعنويا وماديا، ولكن الزواج أصبح صفقة ولذلك يواجه الفشل، لذا يجب طرح الأمر والتمسك به خاصة من الأم، لأنها هى من تتحمل العبء كاملا عند الانفصال». تشير أمل فهمى، مدير مركز تدوين لدراسات النوع الاجتماعى، إلى أكثر من عامل لمحاربة فكرة تأجيل الإنجاب فى مصر، خاصة فى السنة الأولى من الزواج، أولها الشائعات حول موانع الحمل وتسببها فى العقم، ما يدفع السيدات للابتعاد عن استخدامها قبل الحمل الأول خوفا من الأضرار الجسدية. وأضافت أن ثانى هذه العوامل هو الحملات الرسمية لتنظيم الأسرة، التى تغفل أكثر من نقطة فى الدعاية، وأبرزها محاربة الشائعات، والتوعية بضرورة الانتظار بعد زواج الفتيات الصغيرات، لأن جهازهن التناسلى غير مستعد للحمل، وفقا لحديثها. ووفقا للمسح السكانى الصحى لعام 2014، كان 16% من حالات الإنجاب غير مرغوب فيها من السيدات أثناء الحمل، وهذه النسبة أعلى بقليل عن نسبة السيدات اللاتى أقررن بطفل غير مرغوب فى المسح السكانى الصحى لعام 2008. وقال أستاذ الصحة النفسية والعلاقات الأسرية وليد هندى، إن الزوجة المصرية تقع تحت ضغوط نفسية قوية، نتيجة للتدخلات الموسعة فى حياتها الشخصية، ويأتى على رأس أشكال التدخل التى لها تأثير سلبى نفسى على شخصية الزوجة، إصرار الأهل على الإنجاب خاصة فى السنة الأولى من الزواج. وتابع: «هناك ضغوط على الزوج والزوجة من أجل الإنجاب نتيجة لاعتباره شهادة كفاءة للمرأة، حتى وإن كان ذلك على حساب رغبتها وسلامها النفسى، رغم وجود دوافع منطقية للتأجيل سواء الدراسة أو التحسن المالى والاستقرار الاقتصادى أو النضج، أو التوافق الزوجى، والإشباع النفسى للزوج قبل تغيرات الحمل الجسدية والنفسية، لذا علينا أن نحترم هذه الدوافع».