عند تمام الساعة السادسة صباحا منذ أكثر من 30 عاما يتوجه محمد عبدالستار، مزارع القصب بمحافظة قنا إلى أرضه، اعتاد الحاج محمد عبدالستار أن يترك منزله باكرا، فى أصفون بمركز إسنا، محافظة قنا إلى أرضه، والتى اعتاد أن يزرعها بمحصول القصب الذى يبيعه بالكامل إلى شركة السكر للصناعات التكاملية، أكبر الشركات المختصة بصناعة السكر من القصب. محمد عبدالستار، الذى يبلغ من العمر، 65 عاما، قضى أكثر من نصف عمره فى أرضه يزرع القصب، ولا يفكر فى زراعة محصول آخر، «محصول القصب لا يمكن أن يزرع فى غير أرض الصعيد، وزراعته واجب وطنى، لأن البلد تحتاج للسكر، بدلا من الاعتماد على السكر المستورد الذى وصل سعره إلى 5 جنيهات للكيلو فى السوق» على حد تعبير عبدالستار. وكانت الحكومة قد أعلنت أنها تستهدف تحقيق اكتفاء ذاتى من السكر بنسبة 91% بحلول عام 2012. إلا أن وزير الاستثمار محمود محيى الدين أعلن، منذ أسبوعين، أن نسبة الاكتفاء التى أصبحت تستهدفها الدولة هى 81% فقط، بعد أن تعثر الحصول على تراخيص لأحد المصانع الجديدة التى كان من المخطط إنشاءها فى محافظة الشرقية، وتصل الفجوة الحالية بين الإنتاج والاستهلاك من السكر إلى 900 ألف طن. مزارع إسنا عادت مرة أخرى للقصب مزارع إسنا، له من الأبناء 6 بنات، وولد واحد، مازال يدرس فى المرحلة الإعدادية، إلا أنه يفضل أن يحصل ابنه على شهادة جامعية، وإن أراد أن يتفرغ لزراعة القصب، «هو حر»، يقول عبدالستار. وعلى الرغم من أن عبدالستار تمسك لسنوات طويلة بزراعة القصب، لكنه يقول أنه منذ 8 سنوات قرر الإقلاع عن زراعة القصب، وبأن يهجره ليزرع محصول آخر، وذلك «عندما كان سعر توريد الفدان لا يزيد على 85 جنيها»، تبعا لقوله. لكنه فى النهاية عاد من جديد إلى زراعة القصب، «لأن تكاليف الزراعة أصبحت مرتفعة على كل المحاصيل، وليس فقط على قصب السكر «، تبعا لفلاح قنا. ويقول عبدالستار إنه رغم الإعلان عن زيادة سعر توريد القصب، منذ أسابيع، فإن زراعة محصول القصب الآن أصبحت غير مجزية مادية، «زمان كان زراعة فدان القصب مربحة وكانت أحوال مزارع القصب أفضل بكثير»، تبعا لعبدالستار. وكان وزير الاستثمار محمود محيى الدين، فى زيارة له قبل أسابيع إلى مصنع شركة السكر للصناعات التكاملية فى مدينة قنا، قد أعلن عن زيادة سعر طن توريد القصب إلى 234.5 جنيه، بزيادة قدرها 34.5 جنيه، عن سعر توريد الموسم الماضى. عبدالستار كان يتمنى مثل غيره من باقى مزارعى القصب أن يصل سعر التوريد إلى 250 جنيها. ومزارع القصب، لا يريد سوى الستر، ولا يطمع فى أكثر من حقه، لكن زيادة تكاليف الزراعة هى التى دفعته إلى طلب زيادة فى سعر توريد القصب، كما يؤكد عبدالستار. ويعد عبدالستار ضمن الفلاحين القلائل الذين كانوا يعتمدون فى زراعة أراضيهم على السماد العضوى. «إنتاجية الفدان كانت أكثر من 50 طنا من القصب، عندما كنت استخدم السماد البلدى، الآن الفدان مع استخدام السماد الكيماوى بالكاد ممكن يجيب 40 فدانا»، وفقا لتقديرات. مزارع أصفون اضطر إلى اللجوء للسماد الكيماوى، مع ارتفاع تكاليف تربية المواشى، «ارتفاع أسعار شراء المواشى السبب الذى جعلنى أتخلى عن استخدام السماد العضوى»، بحسب تعبيره. مزارع القصب فى انتظار وعد الوزير المشكلات التى يواجهها مزارعو أصفون لا تتوقف عند ارتفاع تكلفة تربية المواشى، ولكن زيادة تكاليف زراعة القصب، مع تدنى عائد سعر الطن، أهم المشكلات التى يعانى منها فلاحو أصفون. «زراعة فدان القصب تتكلف أكثر من 7 آلاف جنيه، والعائد مع الزيادة الأخيرة التى أعلن عنها وزير الاستثمار لن يزيد على 11 ألف جنيه للمحصول» تبعا لعبدالستار. مزارعو أصفون يقولون إن تكاليف زراعة القصب ارتفعت بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية، «من 7 سنوات كانت تكلفة زراعة الطن لا تتعدى 3000 جنيه، وكان عائد زراعة الفدان أكبر»، تبعا له. يقول محمد عبدالستار إن السبب فى زيادة تكلفة زراعة طن القصب يرجع إلى ارتفاع أسعار السماد، والذى كان سعره لا يزيد على ثلاثة آلاف جنيه للطن، ارتفع إلى 8 آلاف جنيه الآن. مشكلات ارتفاع الأسعار التى يواجهها فلاحو أصفون، لا تتوقف عند زيادة سعر السماد، ولكن هناك ارتفاع فى تكلفة العمالة فى الأرض الزراعية، «أجرة العامل الزراعى اليومية ارتفعت إلى 15 جنيها، بدلا من 5 جنيهات قبل 8 سنوات، والفدان يحتاج إلى 10 مستأجرين فى اليوم»، كما جاء على لسان عبدالستار. ويقول الفلاح إن تكلفة نقل المحصول إلى مصنع شركة السكر للصناعات التكاملية فى قنا، تمثل عبأ إضافيا عليه بعد الارتفاع فى سعر السولار من 80 قرشا إلى 110 قروش فى شهر مايو من العام الماضى، ضمن قرارات مايو التى اتُخذت لتمويل علاوة الرئيس. وهذه الزيادة أدت إلى زيادة تكلفة نقل طن القصب من أرض عبدالستار إلى المصنع لتصل إلى 30 جنيها. ومازال عبدالستار يحلم بأن ينفذ وزير الاستثمار وعده لمزارعى القصب، الذى أعلنه فى زيارته الأخيرة للمصنع، بأن تتحمل شركة السكر جزء من تكلفة نقل المحصول إليها.