الرى: تدريب الريفيات على الاستفادة من ورد النيل لتصنيع منتجات متميزة    البنك المركزي يعلن ارتفاع معدل التضخم الأساسي إلى 11.6% خلال يوليو    البنك الأهلي المصري يتعاون مع «بيرنس كوميونتي» لدعم الشركات الناشئة    محافظ كفر الشيخ يستمع لشكاوى المواطنين ويتفقد المركز التكنولوجى بمركز دسوق    5 شهداء وجرحى من "منتظري المساعدات" جنوب خان يونس فى قصف إسرائيلي    ملك الأردن يعزي الرئيس اللبناني في ضحايا الجيش في صور    إصابة كامافينجا تربك خطط تشابي ألونسو قبل ظهوره الأول فى الدوري الإسباني    مزق الضامة يبعد كريم الدبيس عن سيراميكا لمدة شهر    ميلود حمدى يجهز بديل محمد عمار لمواجهة بيراميدز فى الدورى    بعد تغريدة محمد صلاح.. حكاية بيليه فلسطين الذي اغتاله الاحتلال.. فيديو    الحماية المدنية تسيطر على حريق بأحد الكافيهات فى قليوب دون خسائر بشرية    مراسلة cbc: المرأة لها دور كبير ومشاركة فى فعاليات مهرجان العلمين    الأمم المتحدة: لا حل عسكريا للنزاع المسلح بغزة ويجب تلبية الاحتياجات الأساسية    كوريا الجنوبية: الجارة الشمالية تبدأ في تفكيك مكبرات الصوت على الحدود المشتركة    بحوزته كمية كبيرة من البودرة.. سقوط «الخفاش» في قبضة مباحث بنها بالقليوبية    تسجيل منتجي ومالكي العلامات التجارية حسب «الرقابة على الصادرات والواردات»    الداخلية تكشف ملابسات واقعة التعدي على صاحب محل بشبرا الخيمة    إيهاب واصف: مصر تدخل مرحلة جديدة في صناعة الذهب بالتنقية وإعادة التصدير    البورصة تتلقى طلب قيد شركتى جيوس للمقاولات واعمل بيزنس للتدريب    محافظ بورسعيد يستقبل الطفلة فرح ويعد بفتح حساب التضامن فى اسرع وقت    حبس المتهم بإلقاء ماء نار على طليقته فى الوراق    بتكلفة 114 مليونا إنشاء مدرسة ثانوية صناعية متطورة ببنى عبيد    الرئيس السيسى يوجه بترسيخ مبدأ "الرأى والرأى الآخر" داخل المنظومة الإعلامية المصرية    الجوازات والهجرة تواصل تقديم خدماتها للمترددين عليها    شوكت المصرى مديرًا لمهرجان القاهرة الدولى للطفل العربى فى دورته الثالثة    تفاصيل انتهاء المدة المحددة للتظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025.. فيديو    التعليم العالى: براءة اختراع جديدة لمعهد تيودور بلهارس فى إنتاج بروتينات علاجية    الصحة: حملة "100 يوم صحة" قدّمت 38.3 مليون خدمة طبية مجانية خلال 25 يومًا    تحرير 125 مخالفة عدم الالتزام بغلق المحلات خلال 24 ساعة    أضرار التهاب المسالك البولية المزمن لدى الرجال والنساء.. وطرق الوقاية    النصر السعودي يتعاقد مع مارتينيز مدافع برشلونة    شباب ولياقة.. أحمد عز يمارس التمارين والجمهور يعلق    بيلد: النصر يتوصل لاتفاق مع كينجسلي كومان.. وعرض جديد لبايرن    كهرباء الإسماعيلية يتعاقد مع لاعب الزمالك السابق    موعد إجازة المولد النبوي 2025 وأبرز مظاهر الاحتفال في مصر    السيسي يوافق على صرف البدل النقدي المقترح من الحكومة للصحفيين    الرئيس السيسي يوجه بوضع خارطة طريق شاملة لتطوير الإعلام المصري    لست قادرا على الزواج ماذا افعل؟.. يسري جبر يجيب    حكم قضاء المرأة الصلاة التي بدأ نزول الحيض في أول وقتها.. المفتي السابق يوضح    ملتقى المرأة بالجامع الأزهر: تجربة المدينة المنورة في العهد النبوي نموذجا يحتذى به في جهود النهوض بالأمة    أمين الفتوى يوضح حكم الصلاة أو الصيام عن المتوفى غير الملتزم وطرق إيصال الثواب له    «جوتيريش» يرحب بالإعلان المشترك الشامل بين أرمينيا وأذربيجان    رئيس جامعة جنوب الوادي يناقش الحوكمة الإلكترونية للموارد الذاتية    جهود منظومة الشكاوى الحكومية في يوليو 2025 |إنفوجراف    الرد فى الصندوق لا فى الهاشتاج    محاولة تفجير فاشلة.. محاكمة المتهمين في قضية «خلية المطرية الإرهابية»    وزير الري: توفير الاحتياجات المائية للمنتفعين بالكميات المطلوبة وفي التوقيتات المناسبة    طائرات مسيرة أوكرانية تهاجم مصفاة نفطية في مدينة ساراتوف الروسية    جيش الاحتلال يعلن اعتقال 70 فلسطينيا في الضفة الغربية    فران جارسيا يربح رهان ألونسو ويثبت أقدامه في ريال مدريد    في هذا الموعد.. علي الحجار يحيي حفلًا غنائيًا في مهرجان القلعة للموسيقى والغناء    مقتل 6 جنود لبنانيين بانفجار ذخائر أثناء محاولة تفكيكها في جنوب لبنان    حظك اليوم الأحد 10 أغسطس 2025 وتوقعات الأبراج    منة تيسير عن استبعادها من مهرجان نقابة المهن التمثيلية: مشيت بإرادتي.. واللي بيتقال كذب ورياء    ثقافة الفيوم تطلق المسرح المتنقل بقرية الشواشنة مجانًا.. الثلاثاء المقبل    «لا أريد آراء».. ريبيرو ينفعل بعد رسالة حول تراجع الأهلي    دعاء صلاة الفجر.. أفضل ما يقال في هذا الوقت المبارك    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن في عطلة الصاغة الأسبوعية الأحد 10 أغسطس 2025    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللعب بذاكرة الشعوب
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 12 - 2009

سألنى طبيب الأسنان المعالج لطالبات مدرسة غمرة الإعدادية للبنات عندما كان علاج الطالبات مهمة من مهام المدرسة إلى جانب مهام أخرى هل تريدين أن أعطيك مخدرا لتخفيف ألم حشو الضرس، فقد لاحظت أن زميلاتك يصرخن قبل أن أبدأ فى العلاج؟.. فأجبته وأنا أرتجف من الخوف: كلا يا سيدى لأننى سأشعر بالعار لو تخففت من آلامى بينما لا تملك جميلة بوحريد ورفيقاتها أن يتخلصن من آلام التعذيب التى لا يحتملها بشرفى سجون الاحتلال الفرنسى بالجزائر.. فصاح الرجل مدهوشا: أتقولين هذا وأنت فى الحادية عشرة!! قلت: لا أستطيع أن أقدم للبطلة إلا بعض المعاناة من ألم يفيدنى بينما هى تصرخ من آلام تضرها!!
وعندما عدت إلى الفصل كان مدرس التاريخ يشير إلى خريطة شمال أفريقيا قائلا: وعندما أشاح (الباى) بالمذبة فى وجه سفير فرنسا عام 1830 «تلككت» فرنسا بالحادث لتبرر هجمتها البربرية على شعب الجزائر الشقيق، ولتحتل بالقوة أرضا عربية يجاهد أبناؤها منذ عام 1954 لينالوا حريتهم، ولسوف يسعدكن يا بنات أن تعرفن أن مصر تساهم فى تحرير الجزائر بكل ما تملك من قوة عسكرية ومن سلاح ومن الضغط السياسى على كل المنابر الدولية والعربية.. فصاحت إحدى الطالبات:عاشت الجزائر حرة والموت لأعداء الحرية!! فلملم الأستاذ أوراقه مبتسما لما أحدثته كلماته فى نفوس الطالبات وسألنا عن الحصة التالية، فقلنا موسيقى، وسألنا: وماذا تنشدون اليوم قلنا: أغنية وردة الجزائرية، فقال سأذهب لأسمعكم. وفى القاعة الواسعة وبمصاحبة البيانو شدت زميلتنا رائقة الصوت:
أنا من الجزائر.. أنا عربية.. أهل الشعب ثائر وبيطلب حمية من الجمهورية المتحدة العربية.
وفى التليفزيون أضاءت الشاشة بابتسامة عبدالناصر وهو يستقبل الزعماء الخمسة، وعلى رأسهم أحمد بن بيلا، الذين كانوا يتطلعون إلى مثال الوطنية والعروبة تطلع الابن الواثق من مساندة أبيه.
وعندما واجهت مصر العدوان الإسرائيلى تسانده الترسانة العسكرية الأمريكية فى 1967 كان حماس الشعب الجزائرى للتطوع والمساندة فى حرب الاستنزاف على مدى السنوات الست، ثم فى حرب أكتوبر المجيدة 1973، مضرب المثل لكل الدول العربية. وصاح لحظتها الرئيس هوارى بومدين: ما نفعله لمصر الآن لا يمثل إلا جزءا مما قدمته مصر للجزائر فى كفاحها من أجل الاستقلال.
يقول المفكر العظيم باولو فريرى إن الإنسان يتميز عن الحيوان بالتاريخ، إذ بينما تعيش القطط والقردة وكل الحيوانات حياتها على شكل «يوم واحد طويل»، وتعيد إنتاج نفس تفاصيل الحياة مع كل جيل جديد يأتى فيبحث عن طعامه ويتكاثر ويصارع من أجل البقاء بنفس الطرق التى استخدمها أجداده منذ آلاف السنين، لأن الحيوانات تعيش بلا ذاكرة وليس لها أمس تفيد من تجربته وأخطائه، كما أنها تفتقد إلى تصور للمستقبل لتخطط له وتستعد،أما الإنسان فيأتى كمال عقله من أنه يملك «ذاكرة» تستدعى له من تجارب «أمسه» المتراكمة ما يفيد «يومه»، ويطوره إلى الأفضل وعينه على «الغد» الذى ينبغى أن يكون أعظم بحكم تراكم خبرات الأمس واليوم.
ولأن الإنسان يعيش «فرديته» فى إطار «جمعى» بالضرورة، فإن الذاكرة الفردية تمتزج بالذاكرة الجمعية كما يذوب الفرد فى كيان الجماعة التى ينتمى إليها. «والضياع» هو المصير الأسود لفاقدى الذاكرة ومن يتعرضون لغسل المخ لأنهم يفقدون إنسانيتهم ويتردون عن مستوى الحيوان الذى تكيف على الحياة بلا ذاكرة. ونحن فى مشاهد السينما نتعاطف بشدة مع الفرد فاقد الذاكرة عندما نشهد تخبطه وارتباكه واستلاب إرادته. فماذا يحدث عندما تتعرض الذاكرة الجمعية لشعب للتشويه العمدى بالتشويش على أنبل المواقف والأحداث فتستدعى مواقف القوة من «الأمس الجمعى» بصفتها مواقف ضعف.. والمثل الشعبى يقول «اللى يتوه فيه المعروف تتوه فيه الأسية».. وعندها يحب فاقدو الذاكرة عدوهم ويبغضون محبيهم. كما لا يحسن فاقدو الذاكرة تقييم الخطر ولا يستعدون له لأن عقلية القطيع ديماجوجية الطابع تتجه لتدمير أجمل الأشياء وتتبنى أسوأ القضايا، وهم فى هذه اللحظة «شفاههم تسقط (بضم التاء وكسر القاف) وحجرهم (بكسر الحاء وتسكين الجيم) يلتقط». أى هم يضربون مصالحهم ويؤذون أنفسهم باندفاع وعشوائية وهم يظنون واهمين أنهم يدافعون عن أنفسهم كمن يبصق على وجهه فى المرآة متوهما أنه يحتقر الآخرين.
ويحذر باولو فريرى الجماعات الإنسانية من السقوط فى فقدان الذاكرة الذى يجعلها فى مجرى الأحداث التاريخية كريشة ترفعها موجات البحر وتهبط بها، فتفقد إرادتها وحساسيتها للخطر وتتلاشى مع الوقت مهما كانت قوتها العسكرية. فالوعى الحقيقى للجماعات هو الذى يمكنها من إرادتها الفاعلة وهو الذى يجعلها تميز بين الغريب والأخ وبين السم والترياق وبين البطل والأراجوز.
وها هى أحداث الشغب الكروية تكشف هول ما تردت إليه الذاكرة الجمعية لشعبين كان كفاحهما مضرب المثل للشعوب الحرة. والأمر لا يحتمل الانتظار ويستلزم منا سرعة استعادة الذاكرة التاريخية التى أزيحت بفعل فاعل ومع سبق الإصرار والترصد، ولنفتح الملفات التى يأكلها البلى ولننفض الأتربة من الأضابير، وما لم تكن الوثائق التاريخية للخمسين عاما الماضية بها ما يضر أمن الدولتين مصر والجزائر فلتتح المعلومات للأجيال التى ولدت بعد الستينيات، وحرص أعداؤنا على الهيمنة الفكرية على أذهانها يساعدهم فى تحقيق أغراضهم الشريرة الموتورين من أمسنا العظيم وأصحاب المصالح فى تحقيق الأرباح الطائلة من ضعف وعى جماهيرهم.
أعيدوا الذاكرة الحقيقية التى كتبها الشهداء بدمائهم، واذكروا اسم كل شهيد من البلدين مات مطبقا يده على رمال الأرض الشقيقة، اذكروا اسم الأسلحة التى ساعد بها كل شعب شقيقه، وأعدكم أن الملل لن يتسرب إلى مسامعنا، وأخرجوا الصور والخطب والوثائق لتستعيد الأجيال الجديدة وعيها السياسى والوطنى. فنحن بحاجة إلى «زعقة نبى» يصحو بها أهل الكهف.
انتفضوا تنقيبا وبحثا فى الذاكرة وأخرجوها من تابوتها، فهى والله «حية» قاتلكم الله إن لم تفعلوا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.