«كلية رمسيس للبنات» أو RCG - الكلية الأمريكية سابقا - واحدة من أعرق المدارس المصرية تفتخر كل خريجاتها بانتمائهن لها.. لكن الأزمة التى يلاقيها أى مسئول جديد عن صرح عريق هى الصراع بين ملاحقة الحداثة والمعاصرة وبين عدم تضييع عبق التاريخ والأصالة. هذه كانت المعضلة التى واجهتها السيدة (فادية مكرم عبيد) عندما تولت إدارة المدرسة. عندما جلست على مكتب مديرة كلية رمسيس للبنات وهو المكتب الذى جلست عليه السيدة (رضا سلامة) التى يقال أن الكاتب الكبير الراحل الباقى (أسامة أنور عكاشة) استوحى قصة (ضمير أبلة حكمت) من سيرتها.. عندما جلست على هذا الكرسى كان الزى المدرسى للطالبات هو هو لم يتغير منذ عشرات السنين وكان ممنوعا على المدرسات ارتداء البنطلون أيا كان نوعه، وكانت هناك رهبة تعودت عليها الطالبات فى الحديث مع مدرسيهن، وكان رد الفعل الأول الذى تفعله أى تلميذة حينما تشاهد مديرة المدرسة هو أن تفر لتجد سبيلها إلى الاختفاء الفورى من أمامها دون التفكير فى أى أسباب منطقية لهذا الفرار. لا شك أن كل المواصفات السابقة تحمل شيئا من عبق الماضى المحمل بالأصالة والكلاسيكية الجميلة التى يعتز بها أجدادنا إلا أن السيدة فادية عندما جاءت إلى المدرسة كان فى ذهنها شىء آخر ومدرسة وفلسفة مختلفة فى التربية والتعليم. عملت السيدة فادية بعدد من المدارس المختلفة كان من ضمنها مدرسة (بورسعيد) كما عملت بالتدريس بأحد برامج الجامعة الأمريكية.. ربما يكون انتماؤها إلى عائلة سياسية عريقة - عائلة مكرم عبيد - هو التى حال دون تأثير سياستها الحديثة على عراقة المدرسة التى لاتزال تستطيع أن تشعر بها فى كل ركن.. فى الحوش أو حتى فى الفصول.. كما أنها زوجة الكاتب الكبير الراحل (سعيد سنبل) الذى كان يطلق عليه (جنتلمان) الصحافة المصرية.. وقد أثرت وتأثرت به كثيرا.. وبقى أن أذكر وقبل بدء الحوار أن ابنة وزير التربية والتعليم (نسمة أحمد زكى بدر) تلميذة بالصف الأول الثانوى بالمدرسة التى يحرص الدكتور أحمد زكى بدر على التردد عليها كولى أمر.. وأهمية المعلومة هنا فى إبراز مدى أصالة هذه المدرسة التى اختارها وزير التربية والتعليم ورئيس جامعة عين شمس السابق لابنتيه لكى تتعلما فيها. بين عراقة مدرسة كلية رمسيس للبنات وأسلوبها التربوى الصارم الذى خرج عددا من الرائدات ورؤية فادية مكرم عبيد التربوية الحديثة دار الحوار. ألم تخافى من زحزحة أى من قواعد النظام التعليمى الصارم الذى عرفت به كلية رمسيس؟ - النظام لازال موجودا، وكلية رمسيس ستظل كلية رمسيس لكن كان النظام يطبق بطريقة شرسة جدا تقوم على الخوف.. لم يكن من حق الطالبات أن يتحدثن. عندما كنت أدخل إلى الفصول لأتحدث معهن كن يخفن من الحوار. كيف تعاملت مع الوضع؟ - فتحت باب مكتبى لكل من تريد أن تدخل.. حرصت على تعليمهن حقوقهن مثلما يعرفن واجباتهن.. حرصت ولازلت على دخول الفصول والتفاعل مع الطالبات.. وعندما أجد حصة فارغة فى أى فصل أدخلها.. لكن ألم يلق ذلك اعتراضا من قبل الإدارة.. فأنت لست وحدك؟ - من أكثر الصعوبات التى واجهتنى مهمة تغيير عقليات الإدارة القائمة والمدرسات.. وهم تدريجيا عندما شعروا أننى لم أجئ لأخرب المدرسة وثقوا فى. هل أصدرت أى قرارات بناء على حوارات مع التلميذات؟ - نعم.. مثلا اشتكت لى الطالبات من الزى المدرسى الذى يرتدينه..اقتنعت بآرائهن فقد كان فعلا ثقيل الظل ولا يليق بفتاة فى المرحلة الثانوية أن ترتدى مريلة.. فغيرت اليونيفورم وأصبحت الطالبات يرتدين بنطلونات.. بالتالى المدرسات أيضا سمحت لهن بارتداء البنطلون. فى أى أمور تتحدثين معهن عندما تدخلين إلى الفصول؟ - فى كل شىء وفى أى شىء.. مثلا أتذكر أننى فتحت معهن مرة حوارا حول «ماذا إذا أصبحت المدرسة مختلطة»؟.. بعضهن قلن أنهن يشعرن بأريحية أكثر وهن بنات فى بنات، لكن البعض الآخر قلن إن وجود أولاد فى وسطهن سيجعلهن أكثر اهتماما بأنفسهن وبمستواهن التعليمى درءا لأى حرج من الممكن أن يتعرضن له أمام زملائهن الأولاد.. كانت مناقشة ثرية فضفضت فيها البنات عما يجول داخلهن. سياستك تقوم على الترغيب دون الترهيب لكن متى تتخذين إجراء شديدا مع طالبة؟ - أنا أتخذ إجراءات مشددة فى بعض الأحيان بالطبع، لكننى لا أسقط الجانب الإنسانى أبدا. أعطيك مثالا هنا.. أصدرت قرارا بفصل مؤقت لطالبة بسبب (تزويغها) من المدرسة فى منتصف اليوم الدراسى.. هذا الفعل من النادر جدا بل شبه مستحيل أن تجديه فى كلية رمسيس.. أصدرت أمرا بفصلها لكننى أحضرتها إلى مكتبى وقلت لها أن ما فعلته يستوجب الرفد النهائى وطلبت منها أن تعتبر قرار الفصل المؤقت هو بمثابة فرصة لها لتغيير سلوكها.. وتفهمت وقتها طبيعة مشكلتها.. أهلها منفصلون وهى فى سن حرجة، وقد أرادت أن تعاندهما أو ربما تنتقم منهما وربما كانت تريد لفت الانتباه.. يجب أن نتفهم نفسية طلابنا قبل أن نعاقبهم أو نوبخهم حتى يخرج عقابنا مغلفا بالمحبة. هذا بالنسبة للأخلاق.. لكن ماذا عن الفشل أو التهاون الدراسى؟ - أهم شىء عندى هو أن أزرع الثقة داخل الطالبة.. يجب أن يكن واثقات بأنفسهن بغض النظر عن مقدار ذكائهن.. أقول للطالبة «ليس شرطا أن تكونى متفوقة حتى تكتسبى ثقة فى نفسك.. فأنا متأكدة أن لديك مميزات كثيرة غير القدرة على التحصيل الدراسى». ما هو التحدى الذى لا تزالين تسعين إلى تحقيقه؟ - التحدى الذى أقوم بتنفيذه هو أن أزيل من قاموس تلميذات كلية رمسيس كلمة (واجب مدرسى) أو Homework .. وأعمل على استبدالها بكلمة (بحث). كيف تفعلين ذلك فى ظل مناهج تعليمية رديئة المستوى؟ - نعطى دورات تدريبية للمدرسين لكن طبعا المناهج لا تساعدنا.. فأستغل الأجازة الصيفية.. لا أطلب من الطالبات أن يلخصن كتابا مثلا إنما أطلب منهن أن يقرأن كتابا ويكتبن نقدا للكتاب .. أى يقلن رأيهن فيه. وما هو التحدى الذى أعلنت فشلك فى تحقيقه؟ - القضاء على الدروس الخصوصية. لكن ألا تخافين أنه لو تم القضاء على الدروس الخصوصية تفقد مهنة التدريس جاذبيتها لعدد كبير من المدرسين؟ - لو تم القضاء على الدروس الخصوصية بعض المدرسين سيهجر المهنة بالفعل لكن البعض لن يفعل. عندما كنت مدرسة ألم تعطى دروسا خصوصية؟ - لم أفعل ذلك أبدا فى حياتى إلا مرة واحدة لفتاة كانت من بطيئى التعلم وتحتاج إلى رعاية خاصة. عملت فى مدرسة البى بى سى التى يمتلكها رجل الأعمال رضا إدوارد.. وهى مدرسة استثمارية لديها أسلوب مختلف.. كيف عملت فيها؟ - مدرسة جيدة جدا لكن سياستها تختلف عنى لأنها مدرسة استثمارية. هل أدهشك ما قام به صاحب المدرسة من شراء جريدة الدستور؟ - لا لم أندهش على الإطلاق. جدك مكرم عبيد وزوجك سعيد سنبل وأختك نادية مكرم عبيد وابنة عمك منى مكرم عبيد.. ألم تفكرى فى خوض المعترك السياسى؟ - لا أشعر بأى رغبة فى ممارسة أى نشاط سياسى وأومن بأن رسالتى أتمها من هذا المكتب. متى كانت آخر مرة زار فيها الدكتور أحمد زكى بدر المدرسة كولى أمر؟ - منذ أشهر قليلة حضر حفلاً موسيقيًا بالمدرسة لأن ابنته كانت مشاركة فيه. كيف يتعامل الوزير كوزير مع مدرسة ابنته؟ - أصدرت تعليمات مشددة للجميع بعدم تحميلها بأى رسائل لوالدها وأنا شخصيا لا أفعل ذلك على الإطلاق. وما هو رأيك فى أداء الدكتور أحمد زكى بدر؟ - أعطوه وقتا وأنا متفائلة. بماذا تنصحينه؟ - أن يشرك المدرسين فى اجتماعاته فهؤلاء مختلطون بالواقع أكثر ويستطيعون مساعدته.. فهو على سبيل المثال مازال لا يعرف ما الذى يفعله الموجهون معنا.. كما أرى أن عليه أن يتمهل فى بعض القرارات فأنا مثلا معجبة جدا بفكرة منع الكتب الخارجية، لكن لا يمكن أن أمنعها قبل أن أطور الكتاب المدرسى.. كانت مدرسة الدراسات الاجتماعية فى مكتبى منذ أيام وأرتنى أخطاء رهيبة فى الكتاب المدرسى.