من أفضل ما قرأت بمناسبة اليوم العالمى للغة العربية، الذى صادف يوم الجمعة الماضى منشور على الفيس بوك يقول صاحبه ويدعى «م. س»: «كنت مرتبطا بعلاقة عاطفية مع فتاة، لكن الأمور لم تسرِ كما نتمنى فانتهت العلاقة، وفوجئت بها ترسل لى ببيت شعر كتبه أبو الطيب المتنبى يهجر فيه حاكم مصر كافور الأخشيدى يقول: «ما كنت أحسبنى أحيا إلى زمن *** يسىء بى فيه كلب وهو محمود». وحينما قرأت هذا البيت، اكتشفت أنها كانت أكثر مرة مبدعة أنا اتشتمت فيها، لدرجة أن الموضوع تحوّل من ضيق إلى فخر لأننى أدركت أننى كنت أحب فتاة ذكية، فشكرا للغة العربية على هذا الموقف». انتهى البوست أو المنشور الذى نقلته بتصرف من صاحبه، الذى كتبه بلغة عامية!!. قصيدة المتنبى، الذى يهجو فيها كافور الأخشيدى تمتلئ بالعنصرية والاستعلاء، بعد أن رفض حاكم مصر، أن يمنحه ما يريد من العطايا، لكن القصيدة صارت مثلا فى الهجاء الشديد. القصيدة ليست موضوعنا، ولكن اليوم العالمى للغة العربية، الذى يوافق 18 من ديسمبر من كل عام، حينما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، قرارا يحمل الرقم 3190 عام 2012، وأقرت فيه بتضمين اللغة العربية ضمن اللغات الرسمية المعتمدة عالميا. العربية صارت لغة رسمية فى العديد من المحافل الرسمية مثل الأوينسكو عام 1960، وفى اجتماعات دورات الجمعية العامة وهيئاتها عام 1973. العربية يتحدث بها كل العرب من المحيط إلى الخليج أى أكثر من 400 مليون عربى، إضافة إلى العرب المقيمين فى كل بلدان العالم. هى لغة القرآن وبالتالى هى محفوظة بنص كلام الله الذى يقول: «إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون» فى الآية التاسعة من سورة الحجر، وكذلك قوله فى الآية 195 من سورة الشعراء: «بلسان عربى مبين». ورغم ذلك فإن هذه اللغة تتعرض لهجمات شديدة غير مسبوقة منذ زمن طويل لأسباب يطول شرحها. وللأمانة فغالبية لغات العالم ربما تتعرض لهجمات مماثلة بسبب توسع العالم فى استخدام اللغة الإنجليزية، لكن مع ضعف العرب وهوانهم على أنفسهم وعلى الناس أجمعين، تضعف اللغة العربية أكثر وأكثر. قبل أيام قليلة حضرت مؤتمرا علميا طبيا، وفوجئت أن إحدى المتحدثات، وهى تنتمى لدولة فى الجزيرة العربية؛ حيث نزل القرآن، تتحدث بالغة الإنجليزية لجمهور كله من العرب، يومها طلب منها رئيس المؤتمر بكل أدب أن تتحدث العربية، فأكملت كلمتها بالإنجليزية، ثم ترجمتها إلى العربية!! هذا الفعل صار يتكرر كثيرا فى العديد من المحافل، ونعرف أن بعض العرب صار ينظر بفخر لنفسه ولأبنائه حينما يتحدثون بالإنجليزية أو أى لغة أجنبية أخرى، بل وأحيانا ينظرون بتعالى لمن يتحدث العربية. جيد أن يكون لدى أولادنا معرفة بكل اللغات الأجنبية، حتى لو كانت ميتة، لكن شرط ألا يكون ذلك على حساب احترام لغتنا الأم. المحزن أكثر أن العديد من أبنائنا خصوصا فى مدارس اللغات والمدارس الدولية، صار يفكر بالإنجليزية؟ ولا يعرف الحديث الواضح بلغته، بل وصار لا يفخر بلغته، ورأيت العديد من هذه النماذج من الأطفال وبعضهم أقاربى، وإذا كان هؤلاء يجيدون الإنجليزية ولا يعرفون العربية جيدا، فإن معظم أندادهم فى المدارس الحكومية لا يجيدون لا هذه ولا تلك!!. والنتيجة هى أننا يندر أن نجد مسئولا عربيا يتحدث العربية بطريقة سليمة، وليس جديدا أن نكرر الحديث عن لافتات المحال المكتوبة بلغات أجنبية أو بلغة عربية ركيكة، ويصبح الأمر أقرب إلى المأساة فى بعض شوارع الخليج العربى، مثل اللافتات التى يكتبها هنود أو بنغاليون من قبيل «احترس.. أمك تحويلة» بدلا من «أمامك تحويلة»!!. شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب كتب يوم الجمعة الماضى موجها التحية لكل أب وأم يتحدثان بالعربية، ولكل معلم ومعلمة متخصص فى علوم العربية وآدابها باعتبارها «سيدة لغات العالم». فى اليوم العالمى للغة العربية تحية لكل من يتحدثها ويعتز بها، ويسعى للحفاظ عليها وتطويرها. ونردد مع أحمد شوقى قوله: «إن الذى ملأ اللغات محاسنا *** جعل الجمال وسره فى الضاد».