نشر موقع IslamiCity مقالا للكاتب رمزى بارود، يتحدث فيه عن انخفاض معدل الديمقراطية الأمريكية مستندا إلى عدة مؤشرات مثل الاستقطاب السياسى والاجتماعى، عنف الشرطة، وإساءة معاملة المهاجرين مع شرحهم بالتفصيل.. نعرض منه ما يلى. فى يناير 2017، خفّض مؤشر الديمقراطية التابع لوحدة المعلومات الاقتصادية (EIU) من مستوى الديمقراطية فى الولاياتالمتحدة من «الديمقراطية الكاملة» إلى «الديمقراطية المعيبة». وفاجأ انخفاض مرتبة الدولة، التى كانت تفتخر بديمقراطيتها باستمرار، كثير من الناس، ليس فقط لكونها ديمقراطية ولكن أيضًا لمناصرتها ورعايتها الديمقراطية فى جميع أنحاء العالم. إلا أن بعض النقاد الأمريكيين شككوا فى نتائج مؤشر الديمقراطية التابع لوحدة المعلومات الاقتصادية. ومع ذلك، إذا حكمنا من خلال الأحداث التى وقعت فى الولاياتالمتحدة، فسنجد أن دقة مؤشر EIU تستمر فى إظهار الواقع اليومى للسياسة الأمريكية: الاستقطاب السياسى والثقافى المتطرف؛ تنامى تأثير الجماعات المسلحة وعنف الشرطة؛ إساءة معاملة المهاجرين غير الشرعيين، بمن فيهم الأطفال؛ وأخيرا تهميش الأقليات فى البلاد فى مجال السياسة وما إلى ذلك. كشف مؤشر الديمقراطية فى EIU عن تدهور حالة الديمقراطية فى الولاياتالمتحدة مستندا إلى 60 مؤشرًا مختلفًا، بالإضافة إلى المؤشرات التقليدية أى مهام الحكومة كما اشتمل أيضًا على مؤشرات أخرى مثل المساواة بين الجنسين والحريات المدنية، والثقافة السياسية. وإذا حكمنا من خلال المؤشرات المذكورة أعلاه من حيث عددها وتنوعها وعمقها، سنجد أن نتائج الانتخابات العامة الأمريكية فى نوفمبر الماضى لم يكن لها تأثير فورى على حالة الديمقراطية الأمريكية. بل على العكس من ذلك، من المرجح أن تؤدى النتيجة إلى زيادة تفتيت المجتمع المنقسم بالفعل والاستمرار فى تحويل المؤسسات التى تديرها الدولة فى البلاد بما فى ذلك المحكمة العليا إلى ساحة قتال للتحالفات السياسية والأيديولوجية. وعلى الرغم من أن الكلمة الطنانة طوال الحملات الانتخابية كانت «إنقاذ الديمقراطية الأمريكية»، فمن المرجح أن تسوء حالة الديمقراطية فى الولاياتالمتحدة فى المستقبل القريب. وذلك لأن النخب الحاكمة فى أمريكا، سواء أكانت جمهوريين أم ديمقراطيين، ترفض الاعتراف بالأمراض والعلل التى أصابت الثقافة السياسية الأمريكية لسنوات عديدة. على سبيل المثال، عندما أصرّت حملة السيناتور بيرنى ساندرز، المرشح الديمقراطى السابق للرئاسة، على ضرورة إجراء تعديلات هيكلية هائلة على كل مستوى من مستويات الحكومة، رفضت المؤسسة الديمقراطية ذلك باعتباره «غير واقعى» تمامًا. كان ساندرز محقًا بالطبع، لأن الأزمة فى الديمقراطية الأمريكية لم تبدأ بانتخاب دونالد ترامب فى عام 2016. ولكن كان هذا الحدث الأخير مجرد عرض لمشكلة أكبر وطويلة الأمد. وهذه هى بعض القضايا الرئيسية التى من غير المرجح أن يتم حلها بسهولة من خلال نتيجة الانتخابات، وبالتالى ستستمر فى تقليل مستوى الديمقراطية فى الولاياتالمتحدة. أولا فجوة اللا مساواة: عدم المساواة فى الدخل، مصدر الصراع الاجتماعى السياسى، هو أحد التحديات الرئيسية للولايات المتحدة، ويمتد لأكثر من 50 عامًا. يتفاقم عدم المساواة اليوم، مع جائحة كوفيد19، ويؤثر على مجموعات عرقية معينة، مثل الأمريكيون الأفارقة على وجه الخصوص والنساء، أكثر من غيرهم. ووفقًا لدراسة أجراها مركز بيو للأبحاث فى فبراير 2020، فإن «عدم المساواة فى الدخل فى الولاياتالمتحدة هو الأعلى بين جميع دول مجموعة السبع»، وهو مصدر قلق كبير ل 78 فى المائة من الديمقراطيين و41 فى المائة من الجمهوريين. ثانيا الاستقطاب السياسى: الفجوة الكبيرة بين الأغنياء والكثيرين من الفقراء تمثل مشكلة رئيسية فى الولاياتالمتحدة، وهو ليس الانقسام الوحيد الذى يخلق صدعا فى المجتمع الأمريكى. وعلى الرغم من نجاح كل من الجمهوريين والديمقراطيين فى إيصال قضيتهم للحصول على دعم طبقات معينة من المجتمع الأمريكى، إلا أنهم لم يفعلوا الكثير للوفاء بالوعود العديدة التى غالبًا ما تقدمها مؤسساتهم الحاكمة خلال الحملات الانتخابية. على سبيل المثال، يستخدم الجمهوريون خطابًا سياسيًا شعبويًا للوصول إلى الأمريكيين البيض من الطبقة العاملة، ويعدونهم بالازدهار الاقتصادي؛ ومع ذلك، لا يوجد دليل على أن الكثير من عائلات الأمريكيين البيض من الطبقة العاملة قد تحسنت أوضاعهم فى ظل إدارة ترامب. وينطبق الشيء نفسه على الديمقراطيين، الذين نصبوا أنفسهم، زورا، منذ فترة طويلة كأبطال لتحقيق العدالة العرقية والمعاملة العادلة للمهاجرين غير المسجلين. ثالثا عسكرة المجتمع: مع عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والاستقطاب السياسى وهما فى أسوأ حالاتهما، تتضاءل الثقة فى الديمقراطية ودور الدولة فى إصلاح نظام معيب بشدة. هذا الافتقار إلى الثقة فى الحكومة يمتد إلى مئات السنين، لذلك نجد أن هناك تركيزا مستمرا على التعديل الثانى لدستور الولاياتالمتحدة فيما يتعلق ب «حق الشعب فى الاحتفاظ بالأسلحة وحملها». فى الواقع، يعد المجتمع الأمريكى من أكثر المجتمعات تسليحا فى العالم. فوفقًا لمكتب التحقيقات الفيدرالى (FBI)، ثلثا الإرهاب المحلى فى الولاياتالمتحدة تقوم به الجماعات المسلحة اليمينية، التى أصبحت الآن أكثر جرأة وغضبًا من أى وقت مضى. ووفقًا لتقرير صدر عن مركز قانون الفقر الجنوبى فى أكتوبر، هناك حوالى 180 مجموعة شبه عسكرية نشطة مناهضة للحكومة فى الولاياتالمتحدة. ولأول مرة منذ سنوات عديدة، أصبح الحديث عن «حرب أهلية أمريكية» أخرى نقاشًا يوميًا فى وسائل الإعلام الرئيسية. ختاما، سيكون من غير الواقعى تمامًا تخيل استعادة الديمقراطية فى الولاياتالمتحدة من خلال نتائج انتخابات معينة. فبدون تحول جذرى فى السياسة الأمريكية لمواجهة المشاكل الكامنة وراء عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية والاستقطاب السياسى، سيحمل المستقبل مزيدًا من الانقسام، وربما العنف. الأسابيع والأشهر القادمة حاسمة فى تحديد الاتجاه المستقبلى للمجتمع الأمريكى. ومع الأسف، المؤشرات الحالية ليست مبشرة. إعداد: ياسمين عبداللطيف زرد النص الأصلى