من قال إن الحكومة فى مصر ضعيفة؟! الذين يعتقدون ذلك سواء كانوا من النخبة أو من عامة الشعب واهمون.. ودليل ذلك ما حدث بعد مباراة منتخبنا الكروى مع الجزائر فى ستاد أم درمان بالسودان. أحد الدروس المهمة مما حدث أن الحكومة أو النظام أو القيادة لاتزال تمسك بمعظم خيوط الحركة فى المجتمع، ولاتزال قادرة على توجيه الأحداث والتحركات بالطريقة التى تريدها، وسلاحها الرئيسى هو الإعلام. وبغض النظر عن تقييم ما جرى، ومن المخطئ ومن المصيب، فقد أصيب الجميع بالرشح، وعندما حرك المايسترو عصاه للأمام فقد هجم الجميع، وعندما أرخى العصا قليلا هدأ الجميع، والمؤكد أنه عندما سيأمر بالصمت والسكوت، سيصاب الجميع بالحكمة ويعيدوا اكتشاف الجزائر الشقيقة والعلاقات المتميزة والدم المشترك.. إلى آخر ما فى هذا القاموس من كلمات. لم يكن لدى أية أوهام فى أن المعارضة ضعيفة ومشرذمة، لكن لم أكن أدرك أنها مهترئة وبائسة إلى هذا الحد وحالتها تصعب على «الكافر». أحد دروس الأزمة الأخيرة أيضا أنها كشفت كثيرا من «خلايا الحكومة النائمة» فى أكثر من مكان خصوصا فى وسائل الإعلام. بالطبع تأييد الحكومة ليس تهمة، هو موقف على صاحبه أن يتحمل مسئوليته ولا يخجل منه، وهنا يمكن احترام أولئك الذين «يزمرون ولا يخفون ذقونهم».. لكن يصعب كثيرا احترام من يعارض الحكومة نهارا ويؤيدها ليلا، من يريد أن يحصل على كل شىء.. على صورة البطل الشعبى المعارض للحكومة فى المقالات والفضائيات، وصورة مؤيد الحكومة الفعلى عندما يحين وقت الجد. بصورة أوضح فالمرء لا يملك إلا احترام الزملاء رؤساء تحرير الصحف الحكومية بشأن مواقفهم الواضحة، حتى لو اختلفنا معها، وحتى لو كان بعضهم يفعل ذلك مكرها. لكن ما لا يمكن احترامه هم أولئك الذين بدأت أعدادهم تتزايد، وصورتهم تتضح يوما بعد يوم، يغيرون مواقفهم كل لحظة، ولدى بعضهم من أساليب الحواة ما قد يقنعك بأنه لا فارق بين العروبة والفرعونية، وأنه يمكنك أن تكون ماركسيا وتدافع عن الرأسمالية الجديدة المتوحشة، كما لا توجد غضاضة أن تكون إسلاميا ومدافعا عن الاحتكاريين والفاسدين والمستبدين فى نفس الوقت. وزير الثقافة فاروق حسنى سبق له التباهى بأنه أدخل المثقفين الحظيرة، لكن يبدو استنادا إلى درس الجزائر الأخير أن الجميع وليس المثقفين فقط قد دخلوا الحظيرة، التى لم يبق خارجها إلا بعض الطيور الشاردة والمتمردة.