قال الدكتور أحمد عكاشة، رئيس الجمعية العالمية للطب النفسى، إن الشعوب العربية تعيش فى حالة كبت سياسى ولا تجد أمامها سوى كرة القدم للتنفيس بها، مؤكدا أنه من المهين أن تتعدى كرة القدم كونها هواية لتصبح هوية وطنية للشعوب العربية. وقال عكاشة ل«الشروق»: «الشعبان المصرى والجزائرى لهما خصوصيات، لأنهما يعيشان فى ظل نظم سياسية تحكم بقانون الطوارئ، ولا توجد حرية تعبير، فى ظل تدنى الخدمات الصحية والتعليمية، وغياب تداول السلطة، مما أدى إلى حالة من الكبت والإحباط الشديدين جعلا الشعبين يجدان متنفسا للسعادة فى كرة القدم التى تتميز بصفات لا تتوافر لدى الدولتين سياسيا. فمثلا تجد أن كرة القدم قائمة على الشفافية، فلا يوجد غموض فى أى شىء، ومن يخطئ يساءل فورا كبيرا كان أم صغيرا، وكذا هناك تداول فى السلطة، بمعنى أن كابتن الفريق من الممكن أن يطرد من قبل الحكم ويحل محله لاعب آخر، ويمكن لمدرب الفريق أن يستبدل أى لاعب فى أى وقت ولأسبابه الخاصة، وهذا كله غير متوافر فى البلدين على المستوى السياسى، وبالتالى أصبحت كرة القدم متنفسا لدى الناس يخرجون فيه بخار كبتهم حتى لا يغلون من الداخل». و أضاف: «لا أعتقد أن المباراة بين الجزائر ومصر كانت كرة قدم فقط، ولكنها كانت بالأكثر تطهيرا وتنفيسا للإحباط الموجود على المستوى السياسى». وتابع «كل هذا الحماس سيهدأ بعد أسبوع.. إن ما يحدث فى الشارع المصرى هو عبارة عن إحباط سيستمر لفترة ثم سيختفى»، مشيرا إلى أن التطور لمثل هذه الحالات يبدأ بالإحباط ثم الإنكار ثم الغضب ثم الحسرة والكبت ثم تعود إلى القبول بالموقف، ثم يعود الحديث العام عن الفساد والبطالة وتدنى الخدمات وغياب الشفافية...» وأكد عكاشة أن من أسباب العداء التى يقابل بها المصريون فى بعض الدول العربية هى أن الشعوب العربية رأت بعد توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل أن مصر تخلت عن القومية العربية، وتخلت عن الدول العربية الأخرى التى لا تزال فى مواجهة مع إسرائيل، وهو ما اعتبروه خيانة للقومية العربية. ومن أكثر المواقف التى أغضبت الشعوب العربية تجاه مصر هو الموقف المصرى أثناء العدوان على غزة والإبقاء على الحصار الإسرائيلى. وأشار إلى أنه كان من الواضح أن الجزائريين كانت لديهم نية مبيتة للاعتداء على المشجعين المصريين، حيث إنهم استقدموا نوعية معينة من المشجعين ونقلوهم على طائرات عسكرية، بينما كان الجانب المصرى غير منظم وأرسل فنانين وأعضاء بالحزب الوطنى وليس مشجعى كرة قدم، ومما شجع الجزائريين على الاعتداء على المصريين بالسودان أنهم يعرفون أن الشعب المصرى أصبح ملطشة، لأنه جرت العادة ألا تحمى الحكومة المصرية مواطنيها بالدول العربية، وهو ما يجعلهم يدركون أنه لن يحدث رد فعل. وفيما يتعلق بالتعميمات التى يطلقها الشعبان فى انتقاداتهما لبعضهما البعض كأن يصف الجزائريون المصريين بأنهم شوفينيون وجبناء، وفى المقابل يصف المصريون الجزائريين بأنهم شعب همجى حاد الطباع قال عكاشة «لا شك أن هناك صفات موجودة لدى كل شعب، لكنك لا تستطيع تعميم صفة ما على أى شعب بنسبة مائة فى المائة، فالشعب الجزائرى يتميز بالقسوة والروح القتالية القبلية الصحراوية التى لا يوجد فيها نوع من أنواع المرونة، والدليل أن قرابة 30 شخصا لقوا حتفهم أثناء الاحتفالات بالفوز على منتخب مصر، بعكس السمات المصرية التى تتميز بالمرونة والمسالمة عادة الخضوع للحاكم». وتابع «لا أعتقد أننا شوفينيون، الشعب المصرى متمركز حول ذاته، وليس حول هدف أو أمل معين، وأصبح لا يقوم بأى شىء يدل على انتمائه سوى بتشجيعه للفريق القومى، وهذا أمر مهين لأن كرة القدم هواية، ولكنها تحولت لهوية ليس لدى المصريين فقط ولكن لدى معظم الشعوب العربية الأخرى». وانتقد عكاشة الإعلام المصرى وقال إنه لا يتكلم إلا عن الماضى، وطوال الوقت يذكر الجزائريين بأننا أرسلنا لهم مدرسين وساندناهم فى حرب التحرير، ولا يذكر أنهم ساعدونا فى حرب أكتوبر. ونفى عكاشة عن المصريين الاتهامات بالجبن قائلا «لا أعتقد أن هذا الكلام حقيقى، فالشعب المصرى كأى شعب فى العالم حينما يجد القدوة والهدف والمناخ الذى يساعد أن يأخذ حقه ويعرف أن العمل الجاد هو الطريق لتحقيق أهدافه، أؤكد لك أن الأمر سيختلف، بدليل العدد الكبير من المصريين الذين حققوا نجاحا وأثبتوا أنفسهم بالخارج حينما وجدوا مناخا مواتيا». وأضاف «المصريون ليسوا جبناء، لكنك تعيش لأكثر من 30 عاما فى ظل نظام طوارئ يمكن فى ظله أن يقبض عليك فى أى وقت بدون أسباب حقيقية، المصريون سلبيون أكثر من كونهم جبناء..المصرى أصبح سلبيا غير منتم وغير مبال، وهناك أناس فى منتهى الشجاعة، وهناك الكثير من الأمثلة لأناس عبروا عن آرائهم وسجنوا». وأكد عكاشة أن الضمير العام المصرى أصبح فيه ثقوب، لغياب القدوة، فالنشء فى ظل هذا الجو الشمولى الذى يرى فيه الابن أباه ينافق ويكذب ليصل إلى غايته تشوه سلوكياتهم، فلا يستطيع الأب أن يعلم ابنه أن عمله واجتهاده فقط هو ما سيوصله إلى أهدافه. وأضاف أن أخلاقيات المصريين تغيرت خلال الخمسين عاما الماضية، ونعيش بلا هدف قومى منذ 30 عاما، فنفس الكلام يكرر فى الخطاب السياسى. وتابع «الشعب يعيش فى حالة طوارئ خلال 30 عاما بلا هدف قومى وفى ظل تكرار للخطاب السياسى، ولا تحترم آدميته، أين كان الحديث عن الكرامة الوطنية حين كان 1200 مواطن يغرقون فى العبارة السلام عام 2006 فى الوقت الذى كان رئيس الجمهورية يشاهد مباراة كرة قدم فى نهائيات بطولة الأمم الأفريقية بالقاهرة دون أن يقف دقيقة حدادا على كل هذه الأرواح، الذى يفقد الإنسان أخلاقياته وكرامته واحترامه لذاته، وهناك 40% من هذا الشعب تحت خط الفقر، والشعوب العربية تعرف هذا وتعامل المواطن المصرى من هذا المنطلق، إذا لم يكن لك احترام فى بلدك فلن تحترم خارجها».