المنصورة وحلوان «ذهبية»    دعم ركائز الأمن والاستقرار    «فضل الشهادة والتضحية في سبيل الوطن» في ختام فعاليات الأسبوع الثقافي لوزارة الأوقاف    محافظ الدقهلية يعلن بدء تشغيل شركة النظافة بمدينة ميت غمر    أسعار الحديد والأسمنت بداية اليوم الأربعاء 8 أكتوبر 2025    الإحصاء: 36.8 % زيادة بقيمة المبالغ المودعة فى صندوق توفير البريد 2024 / 2025    توزيع هدايا على الأطفال ضمن قافلة شاملة للتحالف الوطنى فى قرية برنشت    "ثنائية الاستقرار".. مصر والسعودية نموذج إدارة التكامل الإقليمي    الصحف العالمية اليوم.. ترامب يوجه رسالة لأسر الرهائن الإسرائيليين مع وصول كوشنر الى مصر.. الاغلاق الحكومي يدخل اسبوعه الثاني بواشنطن.. قصة فلسطينية تدخل البيت الأبيض لإجلائها من غزة.. وستارمر في زيارة الى الهند    نجاة رئيس الإكوادور من هجوم على موكبه    مسؤول روسي يعلن مقتل ثلاثة أشخاص في "ضربة صاروخية" على منطقة بيلغورود    عزاء الدكتور أحمد عمر هاشم اليوم بمسجد الشرطة بالتجمع الخامس بعد صلاة المغرب    ألمانيا تعزز صلاحيات الشرطة لمواجهة الطائرات المسيرة    ياس سوروب يصل القاهرة غدًا ويصطحب 5 مساعدين    صرف مستحقات لاعبى الزمالك خلال ساعات.. جون إدوارد يتدخل    مشاركة دولية غير مسبوقة في بطولة مصر لهواة للجولف 2025    الأهلي يعود للتدريبات اليوم استعدادًا لضربة البداية بدوري الأبطال    كشف ملابسات تداول فيديو تعدى شخص وسيدة على عامل فى المنوفية    مقتل شاب طعنا بسلاح أبيض فى قرية بمنشأة القناطر    السيطرة على حريق داخل ورشة خراطة فى البساتين.. صور    مائل للحرارة وشبورة مائية..الأرصاد تكشف حالة الطقس غدا    تموين الفيوم تضبط 35 مخالفة تموينية متنوعة وتُحكم الرقابة على الأسواق    ضبط مدير مخزن بالقليوبية بحوزته 25 ألف كتاب دراسي خارجي مقلد بدون ترخيص    أسعار تذاكر وبرنامج احتفال الأوبرا بمرور 37 عاما على افتتاحها    د. الخشت يهنئ الرئيس السيسي والدكتور خالد العناني بفوز مصر بمنصب مدير عام منظمة اليونسكو    رجال لا يكررون الخطأ مرتين.. 4 أبراج تتعلم بسرعة من التجارب    ثقافة الإسكندرية تواصل احتفالات نصر أكتوبر بعروض فنية وأفلام تسجيلية    السيسي: الوضع الاقتصادي يتحسن يومًا بعد يوم.. ولسه الأفضل قادم    أشرف عبد الباقي ضيف برنامج فضفضت أوى مع معتز التونى اليوم    انطلاق عرض فيلم هيبتا المناظرة الأخيرة فى دور العرض بحفل منتصف الليل    وحدة أورام العيون بقصر العيني: فحص 1500 مريض والاشتباه في 550 أخر 3 سنوات    وفد لبنانى يزور هيئة الاعتماد والرقابة للاطلاع على تجربة مصر بالإصلاح الصحى    صحة المنيا: قافلة "حياة كريمة" تقدم خدماتها الطبية بالمجان بقرية صندفا ببنى مزار    وزارة الصحة توضح أهمية تلقى لقاح الأنفلونزا لكل الأعمار.. تفاصيل    مصرع صغير وإصابة 3 آخرين في مشاجرة بالأسلحة النارية بسوهاج    «الشكاوى الحكومية» تتلقى 13.5 ألف شكوى واستغاثة صحية    وزيرة البيئة تتجه إلى أبوظبي للمشاركة في المؤتمر العالمي للحفاظ على الطبيعة    السيسي يوجه بإطلاق اسم أحمد عمر هاشم على مسجد وطريق ومحطة قطار    5 مرشحين عن دائرة إسنا يتقدمون بأوراقهم لانتخابات مجلس النواب حتى الآن    بن جفير يقتحم الأقصى مجددًا وسط توتر أمني في عيد العرش اليهودي    إصابة 9 أشخاص في تصادم سيارتين بالطريق الحر بالقليوبية    جامعة حلوان تعلن نتائج جائزة التميز الداخلي وتكرم الكليات الفائزة    ميكانيكية «الضوء» على خشبة المسرح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في محافظة الأقصر    8 أكتوبر 2025.. الدولار يستقر أمام الجنيه عند أدنى مستوياته خلال 16 شهرا    يد - بعثة الأهلي إلى المغرب للمشاركة في بطولة إفريقيا    رئيس هيئة الشراء الموحد يبحث مع مستشار الرئيس للصحة الموقف التنفيذي لمشروع «المخازن الاستراتيجية»    من داخل الطائرة الانتحارية    دراسة تحذر: تناول علبة مشروبات غازية يوميًا يرفع خطر الإصابة بمرض كبدي خطير ب60%    تزوجت بقصد الإنجاب عبر الحقن المجهرى دون جماع والطلاق بعده.. ما حكم الدين    أكسيوس: ويتكوف وكوشنر يصلان شرم الشيخ للانضمام لمفاوضات إنهاء حرب غزة    صافرة مصرية تدير أولمبيك اسفي المغربي الملعب التونسي في الكونفيدرالية    «كنت أسير خلفه».. كيف بشر نبي الله الراحل أحمد عمر هاشم بمستقبله    اعرف اسعار الدولار اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    ابنة أحمد راتب: أشهد الله أنك يا حبيبي تركت في الدنيا ابنة راضية عنك    نائب رئيس الزمالك: «مفيش فلوس نسفر الفرق.. ووصلنا لمرحلة الجمود»    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 8-10-2025 في بني سويف    منتخب مصر المشارك في كأس العرب يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة المغرب وديًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



دفاعًا عن علم مصر
نشر في الشروق الجديد يوم 24 - 11 - 2009

فى يوم 14 نوفمبر عام 1935 كانت مصر كلها تغلى بالاحتجاجات ضد الاحتلال البريطانى، وخرجت مظاهرة حاشدة من جامعة القاهرة تضم آلاف الطلاب الذين راحوا يهتفون من أجل الاستقلال والديمقراطية..
وحمل الطلاب زميلا لهم من كلية الزراعة اسمه محمد عبد المجيد مرسى وهو يرفع بيده علم مصر وسرعان أطلق الجنود الإنجليز عليه الرصاص فاستشهد وكاد علم مصر يسقط على الأرض فسارع بحمله طالب آخر هو محمد عبد الحكم الجراحى من كلية الآداب.. وهدد الضابط الإنجليزى عبد الحكم بالقتل لو أنه تقدم خطوة واحدة..
لكن عبد الحكم ظل يتقدم وهو يحمل العلم فأطلق الضابط عليه الرصاص وأصابه فى صدره وتم نقله إلى المستشفى حيث لفظ أنفاسه الأخيرة.. وخرجت مصر كلها تودع ابنها الشهيد الذى فضل الموت على رؤية علم مصر وهو يسقط على الأرض..
وفى أول يوم من حرب أكتوبر عام 1973 استشهد عشرات الجنود المصريين حتى تمكن الجندى المصرى «محمد أفندى» من رفع العلم على سيناء لأول مرة منذ احتلالها.
ليس العلم إذن مجرد قطعة قماش وإنما هو رمز للوطن والشرف والكرامة.. فكرت فى ذلك وأنا أرى علم بلادى تدهسه أقدام البلطجية الجزائريين فى السودان، ويتلذذ بعضهم بإلقائه تحت السيارات والمرور عليه وتمزيقه وحرقه. إن الاعتداءات البشعة التى تعرض لها المصريون فى الخرطوم قد كشفت عن عدة حقائق.
أولا: من المألوف فى مباريات الكرة أن تندلع أحداث شغب بين المشجعين، لكن ما حدث فى الخرطوم تجاوز شغب الملاعب بكثير.. لقد حملت طائرات السلاح الجوى الجزائرى إلى الخرطوم آلاف البلطجية الجزائريين المسلحين الذين أسندت إليهم مهمة محددة: الاعتداء على المصريين وإهانتهم..
وشهادات الضحايا جميعا تدل على أن الغرض من الاعتداء كان إذلال المصريين.. فما معنى أن يخلع الجزائريون ملابسهم الداخلية أمام النساء المصريات ثم يكشفون عوراتهم ويرددون نفس الجملة «نحن ننكح مصر»؟ ما معنى أن يجبروا الرجال المصريين على الانبطاح على الأرض حتى بعد الاعتداء عليهم بالسكاكين والسيوف؟ ما معنى أن يحملوا لافتات كتبت عليها مصر أم الدعارة؟ هل لهذه السفالة أية علاقة بكرة القدم؟ إن هؤلاء الأوباش لا يمكن أن يمثلوا الشعب الجزائرى العظيم الذى حارب معنا فى حرب أكتوبر واختلطت دماء شهدائنا بدماء شهدائه..
لماذا الإصرار على إذلال المصريين بهذا الشكل وقد فاز الفريق الجزائرى بالمباراة؟ أنا أفهم أن يحدث هذا الإذلال من جيش احتلال أجنبى لكن المحزن حقا أن يتم بأيدٍ عربية..
هل يقبل أى جزائرى أن تتعرض أخته أو أمه إلى الترويع وهتك العرض بهذه الطريقة؟ إن منظر الضحايا المصريين وهم يبكون أمام شاشات التليفزيون من فرط القهر والمهانة لا يمكن أن ينمحى من الذاكرة المصرية قبل أن نحاسب كل من تسبب فى هذا الاعتداء الإجرامى.
ثانيا: مصر هى البلد العربى الأكبر وهى المصدر الأكبر للمواهب البشرية فى العالم العربى، لقد كان للمصريين شرف المساهمة فى صنع النهضة فى بلاد عربية كثيرة: الجامعات أنشأها الأساتذة المصريون.. والصحف أنشأها الصحفيون المصريون.. معاهد الفنون والسينما والمسرح أنشأها الفنانون المصريون.. المدن والبيوت أنشأها المهندسون المصريون.. والمستشفيات أقامها الأطباء المصريون حتى القوانين والدساتير هناك غالبا ما وضعها أساتذة قانون مصريون..
بل إن النشيد الوطنى الجزائرى ذاته قام بتلحينه الموسيقار المصرى محمد فوزى.. هذا التميز المصرى جعل العلاقة بين المصريين والشعوب العربية مركبة: فيها الحب والإعجاب غالبا وتحمل أحيانا بعض الحساسية والتوتر.. فى فترة المد القومى الناصرى، ساندت مصر الثورة الجزائرية وأمدتها بالمال والسلاح ودافعت عنها فى المحافل الدولية وأرسلت جيشها لمساندة الثورة اليمنية بل وخاضت مصر الحرب دفاعا عن فلسطين وسوريا.
كانت مشاعر العرب نحو مصر آنذاك حبا خالصا.. ولكن ما أن توقفت مصر عن أداء مهمتها القومية وعقدت معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل، حتى ظهرت على السطح كل المشاعر السيئة ضد مصر.. ولا يتسع المجال لسرد عشرات الأمثلة على محاولات بعض العرب المستمرة لإهانة المصريين والتقليل من دورهم وشأنهم، بدءا من عبودية نظام الكفيل وإساءة معاملة المصريين ونهب حقوقهم فى الخليج، مرورا بشركات إنتاج كبرى كثيرا ما تقام خصيصا من أجل استبعاد الفن المصرى وتهميشه، وصولا إلى مسابقات ومهرجانات ثقافية تقام سنويا بملايين الدولارات، فقط من أجل إثبات أن مصر لم تعد تملك الريادة فى الثقافة والفن..
كل هذه بالطبع محاولات بائسة وخائبة وبلا تأثير، أولا لأن مكانة مصر لا يمكن أن ينقص منها هذا الصغار وثانيا لأن الشعب العربى المصرى لا يمكن أن يتنكر لعروبته أو ينفصل عن أشقائه العرب مهما تكن الظروف.
ثالثا: إن تعاون النظام المصرى مع إسرائيل وإمداده لها بالغاز والأسمنت ومشاركته فى حصار الفلسطينيين عن طريق إغلاق معبر رفح، كل هذه سياسات خاطئة مشينة يرفضها المصريون أنفسهم قبل سواهم ويتظاهرون كل يوم تضامنا مع إخوانهم فى العراق وفلسطين ولبنان..
بل إن كثيرا من المصريين دفعوا ثمنا باهظا لمواقفهم القومية كان آخرهم الصحفى المعروف مجدى أحمد حسين الذى سافر إلى غزة تضامنا مع الفلسطينيين المحاصرين هناك فألقت السلطات المصرية القبض عليه وقدمته إلى محكمة عسكرية حكمت عليه بالسجن لمدة عامين..
إن موقف النظام المصرى من إسرائيل لا يمثل إطلاقا موقف الشعب المصرى ولا يجوز أبدا أن يستعمل كذريعة من أجل الاعتداء على المصريين وإهانتهم.
رابعا: لقد كان الاعتداء على المصريين فى الخرطوم نوعا من إرهاب الدولة تورط فيه النظام الجزائرى وساعده فى ذلك تقصير النظام المصرى وفساده وعجزه عن حماية المصريين. لقد مر أسبوع كامل على ارتكاب الجريمة بغير أن يتخذ النظام المصرى منها موقفا جادا حاسما..
إن الذين يتوقعون من الرئيس مبارك أن يعيد للمصريين كرامتهم المهدرة، أخشى أن ينتظروا طويلا.. ماذا فعل الرئيس مبارك لمئات المصريين المعتقلين فى السعودية؟ ماذا فعل للطبيبين المصريين اللذين حكم عليهما هناك بالجلد؟ ماذا فعل للمصريين الذين تم تعذيبهم فى الكويت؟ ماذا فعل الرئيس مبارك للجنود المصريين الذين قتلتهم إسرائيل على الحدود وماذا فعل للأسرى المصريين الذين اعترفت إسرائيل بإبادتهم أثناء الحرب؟.. الإجابة دائما لاشىء.. المصريون حقوقهم مضيعة داخل الوطن وخارجه.
لماذا تركت السلطات المصرية اللاعب الجزائرى الأخضر بلومى يهرب بعد أن ارتكب جريمة بشعة فى القاهرة وفقأ عين الطبيب المصرى بلا ذنب؟ وهل كان يسمح للسيد بلومى بالهرب لو انه ارتكب جريمته فى دولة ديمقراطية محترمة؟ وهل كان مسلسل الاعتداءات الجزائرية على المصريين ليستمر لو أن بلومى قبض عليه فى مصر وقدم إلى المحاكمة؟.. إن حقوق المواطنين لا تتحقق إلا فى النظام الديمقراطى، أما الأنظمة المستبدة فإن همها الوحيد الحفاظ على السلطة بأية وسيلة وأى ثمن.. إن الحاكم الذى يغتصب السلطة ويقمع مواطنيه ويزور إرادتهم فى الانتخابات لا يمكن أن يقنع أحدا عندما يتحدث عن كرامة المواطنين..
إن جريمة إهانة المصريين وإذلالهم بهذا الشكل البشع لن تمر بدون مساءلة أو عقاب واذا كان النظام المصرى عاجزا عن محاسبة هؤلاء المجرمين فإن واجبنا جميعا، كمصريين، أن نضغط بكل السبل المتاحة على النظام الجزائرى حتى يقدم اعتذارا رسميا للشعب المصرى ويقبض على المعتدين الجزائريين ويقدمهم للعدالة. لا يجوز أبدا أن نقابل الإساءة بمثلها ولا يجب أن نخلط بين الشعب الجزائرى العظيم والنظام الجزائرى الاستبدادى المسئول عن هذه الجريمة.. ولكن آن الأوان أن يفهم الجميع أنه، منذ الآن، لن يكون الاعتداء على المصريين سهلا ولا مجانيا أبدا..
إن إصرارنا على عقاب من اعتدوا على كرامتنا، لا يتعارض أبدا مع انتمائنا القومى فالحسابات الجيدة كما يقول المثل الفرنسى تصنع دائما أصدقاء جيدين.. والعلاقات الأخوية بين الشعبين الجزائرى والمصرى لا يمكن أن تتحقق إلا باحترام حقوق المصريين والجزائريين جميعا.
الديمقراطية هى الحل


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.