أصبح لدينا مبنى لمجلس الشورى ينافس مبنى مجلس اللوردات فى بريطانيا. لست صاحب هذه الملاحظة، التى وردت على لسان أحد الوزراء فى حديثه إلى رئيس مجلس الشورى السيد صفوت الشريف أثناء افتتاح الدورة الجديدة للمجلس. الذى احترق مبناه قبل 15 شهرا، ثم أعيد بناؤه على نحو أثار إعجاب وثناء الجميع، وهو ما سجلته كتابات عدة أشادت بتصميم المبنى وكفاءة تجهيزاته واتساع قاعاته ونسق ديكوراته، وما اتسم به كل ذلك من فخامة ووقار، تجليا بصورة خاصة فى بهو معتبر وصف بأنه «مبهر» حمل اسم الرئيس مبارك. لا أستبعد أن يكون المبنى فى ثوبه الجديد مناظرا حقا لمجلس اللوردات أو متفوقا عليه. ولا أرى فى ذلك فضلا أو ميزة، لأن المجالس النيابية لا تقيم بمبانيها وديكوراتها، وإنما قيمتها الحقيقية تقاس بمقدار ما تؤديه من وظيفة وما تقوم به من دور فى حياة المجتمع، إذ لا يخطر على بال أحد من المهتمين بالشأن العام فى أى بلد ينسب نفسه إلى الديمقراطية أن يسأل عن قاعات وطوابق وأثاث أى مجلس نيابى، إنما الذى يهم الناس فى نهاية المطاف هو المهمة التى يقوم بها المجلس، وما إذا كان تعبيرا عن المجتمع أو جزءا من الديكور الديمقراطى. حين قرأت قصائد الغزل التى دبجها البعض فى مديح المبنى الجديد قلت على الفور، إننا بنينا المجلس وتنقصنا الشورى. ذلك أن إنجاز البناء شىء جيد يحسب لشركة المقاولات ومهندس الديكور، لكن الأجود أن يكون للمجلس دور مفيد فى حياة الناس. وهذا هو الشق الصعب الذى لا يستطيع أن ينهض به، ناهيك عن أنه لا أحد فى السلطة معنى به، وربما كان السيد صفوت الشريف رئيس المجلس هو الوحيد الذى حرص على أن يجد عملا للمجلس، ذلك أنه نجح فى أن يأتى له ببعض الاختصاصات. التى حولته من مجرد منظر وقطعة ديكور فى المشهد السياسى، إلى فريق انضم إلى الجوقة التى تتحرك فوق المسرح، وزاد من أعداد مؤيدى الحكومة والمهللين لها. فقد كان رأى المجلس استشاريا فيما يعرض عليه حتى سنة 2007، ولم يكن له دور يتجاوز حدود الثرثرة السياسية التى لا يعتد بها ولا تؤخذ على محمل الجد. وعندما تولى السيد صفوت الشريف رئاسته فى سنة 2004 فإنه سعى لأن يجد له دورا يحسن من صورته الشخصية كرجل فاعل ونشيط ويحسن من صورة المجلس الذى اعتبر شيئا كماليا لا يضيف ولا ينقص. وأثمرت مساعيه، إذ نصت التعديلات الدستورية التى اجريت سنة 2007 على وجوب عرض بعض القوانين على المجلس. وعلى حق أعضائه فى الحوار مع الحكومة من خلال طلبات المناقشة وإبداء الرغبات، دون أن يذهبوا إلى حد مساءلة الوزراء أو استجوابهم. إلى غير ذلك من الصلاحيات التى توحى بأن له وظيفة مهمة فى البلد، وإن كان سقفها وحدودها معروفين، باعتبار أن المجلس تحت السيطرة بالكامل، نظرا للأغلبية الساحقة التى يتمتع بها الحزب الوطنى الحاكم فيه، إضافة إلى أن ثلث المجلس الذى يضم 264 عضوا من المعينين المرضى عنهم. المشكلة أكبر من مجلس الشورى وصلاحياته المحددة، لأن نظامنا السياسى يرفض المشاركة والمساءلة من الأساس. ويعتبر غياب دوره وضعا مريحا ومثاليا. وذلك أوضح ما يكون فى مجلس الأمة، الذى يفترض من الناحية القانونية أنه الممثل الحقيقى للمجتمع (المعينون فيه عشرة من بين 454 عضوا)، فضلا عن أنه يعول عليه فى إصدار التشريعات والرقابة على السلطة التنفيذية. لكنه من الناحية العملية يتحرك فى مساحة لا تجاوز كثيرا حدود ما هو متاح لمجلس الشورى. إذ هو مجلس للتمرير والتأييد بأكثر منه للتشريع أو الرقابة. والقاسم المشترك الأعظم بين المجلسين أنهما من نماذج الفصل بين الأشكال والوظائف فى بعض دول العالم الثالث، التى تحرص على توفير جميع متطلبات الشكل الديمقراطى من تجهيزات ومبان. فى حين لا تسمح بشىء يتصل بأداء الوظائف وترسيح القيم والمعانى. مبروك علينا «العمارة» ومقارعة منبى مجلس اللوردات، لكن ذلك الإنجاز يظل وساما على صدر شركة «المقاولون العرب»، لا شأن له بالشورى أو الديمقراطية. ونرجو أن يطول بنا العمر حتى نرى لشاغلى العمارة دورا فى الشورى.