أصبح قلب مدينة القدس المتنازع عليها، والمقدسة لدى اليهود فيما يعرف لديهم «جبل الهيكل»، وللمسلمين متمثل فى «الحرم القدسى الشريف»، مركزا لصراع سياسى محتدم بين إسرائيل من جانب، والفلسطينيين وباقى المسلمين من جانب آخر. وصار مجرد ذكر المكان يثير ذكريات وعواطف قرن من الصراع الدموى بين الجانبين، كما أنها اسم بديل للإخلاص الدينى والمطالب المتعارضة بين الجانبين. العديد من هذه التناقضات ضمها كتاب «لقاء الجنة بالأرض: القدس الحديقة المقدسة»، الذى نشر الاثنين الماضى. جمع الكتاب عدد من المقالات لمجموعة من العلماء المعروفين فى تخصصات مختلفة من تاريخ وآثار وجماليات وسياسة مدينة القدس التى يعتبرها اليهود موقعا لهيكليهم القديمين، والتى هى بالنسبة للمسلمين ثالث أقدس المدن الدينية. ظهر الكتاب المصور فى 400 صفحة، خلال واحدة من لحظات التوتر القصوى فى الصراع على المدينة المقدسة، ليحاول محررو الكتاب ورعاته من الخبراء والمراكز الإسرائيلية والفلسطينية أن يقدموا منطقة محررة بلا قيود لكل من المسلمين والمسيحيين واليهود. يقول زيف زيماريت مدير مركز ياد يسحاق بن زيف وهو مركز بحوث إسرائيلى وأحد رعاة مشروع الكتاب، واصفا الآلام فى التعامل مع ما سماه «أكثر الموضوعات حساسية فى العالم»، «لقد دخلنا تحديا معقدا». كما تضمن الكتاب عددا من المقالات التى كتبها خبراء فلسطينيون مثل سارى نسيبة مدير جامعة القدس، وهى مؤسسة تعليمية فلسطينية بنيت داخل وحول القدس، ساهمت فى رعاية وإصدار الكتاب. كذلك مدير مركز الدراسات الإسلامية التابع للجامعة مصطفى أبو سوا. قرر مجلس أمناء جامعة القدس مؤخرا مقاطعة المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية احتجاجا على السياسات الإسرائيلية، وتوقف عملية السلام. وقال أبو سوا إن هذا الكتاب كان فى طريقه للنشر، وأن مقالات الخبراء الفلسطينيون قدمت قبل قرار المقاطعة. احتلت إسرائيل القدسالشرقية بما فيها المدينة القديمة، التى كانت تحت الحكم الأردنى حتى حرب يونيو 1967، ومنذ ذلك الوقت تم الحفاظ على هذا الوضع المتوتر، حيث ظلت الأوقاف الإسلامية تدير منطقة الحرم القدسى الشريف، فيما ظلت مهام الأمن ضمن مسئوليات شرطة الاحتلال الإسرائيلية. وبينما تطالب إسرائيل بالاعتراف بسيادتها على كامل المدينة المقدسة، فإن الفلسطينيين يطالبون بالجزء الشرقى عاصمة لدولتهم المستقلة. نشر الكتاب بواسطة ياد بن زيف ودار نشر جامعة تكساس، وضم تفاصيل الكشوف الأثرية ونظريات ليست معروفة على نطاق واسع خارج المختصين، إضافة إلى صور أرشيفية نادرة. أرخ الكتاب لتاريخ المدينة، بما فيها مذبحة راح ضحيتها آلاف المسلمين على يد الفرسان الصلبيين فى العام 1099. وجاءت فكرة الكتاب بعد زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق أرييل شارون وتحت حماية أمنية مشددة للحرم القدسى الشريف فى العام 2000، والتى تسببت فى اندلاع انتفاضة الأقصى. وأدى عدم وجود أدلة آثارية على وجود الهيكل اليهودى القديم، بالعديد من الفلسطينيين إلى إنكار وجود حقيقى لأى مطالبات إسرائيلية فى المكان. فى المقابل قامت جماعات يهودية متطرفة بتحدى قرار مجلس الحاخامات بمنع الدخول إلى ما يسمى جبل الهيكل، على الرغم من أن الجماعات الأصولية اليهودية غالبا ما يسمح لها بالتجول داخل أجزاء من الحرم الشريف المفتوح يوميا للسياح، لكن دون الحق فى الصلاة. وقال قائد إحدى المجموعات اليهودية المتطرفة الذى عرف نفسه باسم يوسف خوفا من منع الشرطة له من دخول الحرم المرة القادمة، إن قرار مجلس الحاخامات «سياسى»، لهذا فهو يذهب إلى الحرم يوميا لأنه يراه «مكاننا». وعندما سئل إذا كان يصلى هناك بالمخالفة لقرار المجلس قال إنه يفعل ما يعتقده صوابا «دون أن يقف فى وجه أحد». كان الهدف من كتاب «لقاء الجنة بالأرض» بحسب بنيامين كيدر الأستاذ بالجامعة العبرية فى القدس «هو الدعوة للتسامح وقبول الآخر والتفهم». وعلى سبيل المثال، اقتحمت الشرطة الحرم القدسى مرتين لقمع المحتجين الفلسطينيين، لكن الشرطة الإسرائيلية زعمت فى المرتين أنها «لم تدخل المسجد نفسه». إلا أن أبو سوا رد على ذلك فى الفصل الذى قدمه فى الكتاب بأن الحرم كله يعتبر لدى المسلمين مسجدا، حيث يمكن أن أصلى فى أى مكان فى ساحة المسجد أو تحت ظل شجرة زيتون، وفى كلتا الحالين فإن الصلاة لها ذات القيمة الدينية إذا صليت تحت قبة الصخرة. كتب مناشيم ماجيدور رئيس الجامعة العبرية إنه على الرغم من كونه يهوديا علمانيا فإنه أحس برابط ما نحو هذا المكان «السامى» عند زيارتى الأولى له فى العام 1967، لكنه قال مؤخرا إنه «لا ينزعج من حقيقة مطالبة دين آخر بالسيطرة على المكان». وبالمثل قال نسيبة مدير جامعة القدس متحدثا عن الإنكار المتبادل بما فى ذلك الحفريات الآثارية التى تهدد الآثار والممارسات الإسلامية، بأنه «استخفاف بما هو مقدس». لكنه مضى متسائلا إذا كان فى مقدورنا «المحافظة على الأمل بأن الإيمان بإله واحد يمكن أن ينجح فى حل هذه المعضلة». لكنه قال ما أثار استياء زملائه الإسرائيليين «القدسالشرقية فلسطينية».