عشرون عاما ومازالت أحداث أهم 180 دقيقة للكرة المصرية، فى العقل والقلب.. وكنت محظوظا حين سافرت مع المنتخب إلى الجزائر لتغطية مباراة الذهاب فى 8 أكتوبر 1989. وكنت سعيدا يوم عشت باستاد القاهرة لحظات الانتصار فى 17 نوفمبر.. وبما أننا نتحدث عن تواريخ وأرقام فقد أقيمت مباراة الذهاب على ملعب 17 يونيو بمدينة قسنطينة، التى تعرف باسم مدينة الجسور المعلقة، فهى مدينة جبلية تربط بين ضواحيها الجسور المعدنية المعلقة فى الهواء. والطريف أن الاشقاء فى الجزائر كانوا يطلقون على ملعب 17 يونيو «استاد البركات» حيث كانوا يتفاءلون به.. وصلت بعثة منتخب مصر إلى الجزائر يوم 4 أكتوبر على متن الملكة نفرتارى. طائرة مصر للطيران الجديدة فى ذلك الوقت «بوينج 767» وكان رئيس البعثة اللواء حرب الدهشورى رئيس اتحاد الكرة. والحقيقة أن الجزائريين استقبلوا اللاعبين بحرارة. كانت مشاعر جماهير قسنطينة صريحة وصادقة. فهم يرحبون بنا كمصريين، ويتوجسون منا كلاعبين. إنها المنافسة التقليدية بين دول الشمال الأفريقى.. قبل المباراة بثلاثة أيام كتبت صحيفة النصر الجزائرية: «إن الفريق المصرى جيد. ولكن مستواه لا يخرج عن مستوى الكرة الأفريقية. وبغض النظر عن المباريات الكثيرة التى لعبها قبل مجيئه إلى قسنطينة فإنه فى متناولنا».. وكان منتخب مصر لعب مع مالاوى وكينيا وتونس قبل مواجهة الجزائر مباشرة.. قبل المباراة ب48 ساعة عادت صحيفة النصر الجزائرية لتكتب عن منتخب مصر مايلى: «إن الفريق القومى المصرى عريق وصاحب تاريخ لكنه لم يتأهل إلى كأس العالم منذ 56 سنة لأنه مصاب بالنحس الهندى..». وتعجبت ومازلت، ولعلى نسيت أن أسأل بعد تأهلنا لمونديال إيطاليا ما هو النحس الهندى.. أعتقد أنه شىء يساوى لعنة الفراعنة؟! لكن فى المقابل كتب صحفى جزائرى شاب فى ذلك الوقت، ومازال شابا، بعد 20 عاما، وهو الأديب والمثقف ووزير الإعلام الآن عزالدين ميهوبى كتب مقالا رائعا فى جريدة الشعب على صفحة كاملة تحت عنوان كليوباترا تغازل أنطونيو من جديد قال فيه: «فى الشارع الجزائرى يقولون لا اثنتين دون ثالثة.. (يقصد إنهم وصلوا للمونديال مرتين ولابد من مرة ثالثة) ويقولون فى الشارع المصرى نحن الذين سنذهب إلى روما لأننا شاركنا فى بطولة إيطاليا 1934 وقد آن الأوان لأن نذهب مرة ثانية»، وأضاف عزالدين ميهوبى: «لو كنت مكان هافيلانج رئيس الاتحاد الدولى لكرة القدم فى ذلك الوقت لمنحت مصر والجزائر حق الذهاب معا لأنهما أحق فريقين لنيل هذا الشرف».. هذا وزير الإعلام الجزائرى تشهد على كتابته القومية ما كتبه من 20 عاما فى جريدة الشعب قبل أن يكون وزيرا رسميا، يجب أن يختار كلماته بعناية.. فلا فرق بين ميهوبى الصحفى وبين ميهوبى الوزير.. قليلون مثله عرفتهم.. يوم 8 يوليو باستاد 17 يونيو بمدينة قسنطينة لعب منتخب مصر مباراة كبيرة. تفوق وتعادل مع الفريق الجزائرى بدون أهداف تحت المطر وفى حضور 45 ألف مشجع جزائرى كانوا يهدرون بحماس.. ولم يكن التعادل عادلا إذ كان المنتخب يستحق الفوز بثلاثة أهداف.. وكانت خطة الجوهرى من شقين. الأول هو السيطرة وامتلاك الكرة بالتمرير وشن هجمات مضادة أو كاملة فوصل المنتخب إلى المرمى الجزائرى أكثر من مرة. وكان الهجوم مفاجأة تكتيكية، وكان الجوهر الثانى فى خطة الجوهرى بناء قلعة صلاح الدين بأسوارها الدفاعية العالية الحصينة.. وقد امتلك الكرة وهاجم فى الشوط الأول.. وبنى القلعة ودافع فى الثانى؟! عقب تلك المباراة قدم مدرب الجزائر كمال ليموى استقالته من منصبه بعد الهجوم الذى تعرض له من جانب الصحف الجزائرية التى قالت أنه هرب وانتحر رياضيا وقفز من النافذة بينما وصفت محمود الجوهرى بأنه روميل الصحراء.. وكانت روح الجمهور الجزائرى رياضية بتهنئة اللاعبين والبعثة بالوصول إلى كأس العالم، باعتبار أن التعادل السلبى فى الجزائر يعنى أن أبواب روما فتحت أمام المنتخب المصرى.. وقد كان..