سعر المانجو والبطيخ والفاكهة في الأسواق اليوم السبت 26 يوليو 2025    تكريم 100 متعافٍ من الإدمان بمركز العزيمة في مطروح.. صور    محافظ شمال سيناء: نجحنا في إدخال عدد كبير من الشاحنات لغزة بجهود مصرية وتضافر دولي    ترامب يحذر الأوروبيين من أمر مروع: نظموا أموركم وإلا لن تكون لديكم أوروبا بعد الآن    الجيش اليمني ينفذ عملية عسكرية استهدفت موقعا حساسا للاحتلال في بئر السبع    كييف تسعى لإنتاج ما يصل إلى 1000 طائرة مسيرة اعتراضية يوميا    غضب واتجاه لسحب الشارة، إجراءات متوقعة من برشلونة ضد شتيجن    الزمالك يعلن رحيل لاعبه    تقرير: بيريز يحلم بثنائية مبابي وهالاند في ريال مدريد    حماس: لم نبلغ بأي إشكال بشأن المفاوضات ونستغرب تصريح ترامب    مصدر أمني عن فيديو احتجاز ضابط بالقاهرة: مفبرك بالكامل    تحولت إلى كتلة لهب في ثانية، لحظة اشتعال النار بسيارة خرسانة بطريق البوليفار بأكتوبر (صور)    الداخلية تنفي مزاعم عن احتجاز ضابط بأحد أقسام الشرطة بالقاهرة    تامر حسني يهاجم عمرو دياب بعد تصنيف الهضبة لألبومه "لينا ميعاد": أنا تريند وأنت تحت    محمد رياض يستعرض معايير التكريم بالمهرجان القومي للمسرح: لا تخضع للأهواء الشخصية    فيديو.. محمد رياض يوضح سبب عدم استمراره رئيسا للمهرجان القومي للمسرح    «منزعجًا للغاية».. مالك إنتر ميامي يكشف رد فعل ميسي بعد قرار إيقافه    رد فعل مفاجئ من كريم فؤاد بعد أنباء إصابته بالصليبي (صورة)    6 أبراج «الحظ هيبتسم لهم» في أغسطس: مكاسب مالية دون عناء والأحلام تتحول لواقع ملموس    سعر العملات الأجنبية والعربية مساء اليوم الجمعة 25 يوليو 2025    سعر الدولار اليوم أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية السبت 26 يوليو 2025    قفزة في أسعار الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 26 يوليو 2025    إحباط تهريب دقيق مدعم ومواد غذائية منتهية الصلاحية وسجائر مجهولة المصدر فى حملات تموينية ب الإسكندرية    روعوا المصطافين.. حبس 9 متهمين في واقعة مشاجرة شاطئ النخيل في الإسكندرية (صور)    أخبار كفر الشيخ اليوم.. شاب ينهي حياة آخر بسبب خلاف على درجة سلم    نجم الأهلي يتحدث عن مكاسب معسكر تونس    ليكيب: برشلونة يتوصل لاتفاق مع كوندي على تجديد عقده    خبر في الجول - اتفاق مبدئي بين بيراميدز وبانيك لضم إيفرتون.. ومدة التعاقد    «أنا نازلك».. الشامي يمازح معجبا طلب التقاط صورة معه في مهرجان العلمين    أحمد السقا: «لما الكل بيهاجمني بسكت.. ومبشوفش نفسي بطل أكشن»    ليالي مهرجان العلمين 2025.. الشامي في ختام حفله: أول مرة أغني في مصر ومش هتكون الأخيرة    هاكل كشري بعد الحفلة.. المطرب الشامي يداعب جمهوره في مهرجان العلمين    ياليل يالعين.. الشامي يبدع في ثاني حفلات مهرجان العلمين 2025    وزير الأوقاف: الحشيش حرام كحرمة الخمر سواء بسواء والادعاء بحِلِّه خطأ فادح    باحثة في قضايا المرأة: الفتيات المراهقات الأكثر عرضة للعنف الرقمي    جوتيريش: ما يحدث في غزة أزمة أخلاقية تتحدى الضمير العالمي    ذروة الموجة الحارة.. إنذار جوى بشأن حالة الطقس اليوم: «توخوا الحيطة والحذر»    تنسيق الثانوية العامة 2025.. التعليم العالي: هؤلاء الطلاب ممنوعون من تسجيل الرغبات    وزير الخارجية يختتم جولته الإفريقية بعد زيارة 6 دول    مشروبات طبيعية تخفض ارتفاع ضغط الدم    الجلوكوما أو المياه الزرقاء: سارق البصر الصامت.. والكشف المبكر قد يساهم في تجنب العمى الدائم    التحالف الوطني: جاهزون لاستئناف قوافل دعم الأشقاء في غزة فور عودة حركة المعابر لطبيعتها    يسرى جبر: حديث السقاية يكشف عن تكريم المرأة وإثبات حقها فى التصرف ببيتها    الشيوخ اختبار الأحزاب    «الجوز» ومرض السكري.. وجبة مثالية بفوائد عديدة    عالم أزهري: خمس فرص ثمينة لا تعوض ونصائح للشباب لبناء المستقبل    رددها الآن.. أفضل أدعية لاستقبال شهر صفر 1447 هجريًا    ترامب: أُفضل الدولار القوي رغم فوائد انخفاضه لقطاع التصنيع    برلماني: الدولة المصرية تُدرك التحديات التي تواجهها وتتعامل معها بحكمة    جامعة دمنهور الأهلية تعلن فتح باب التسجيل لإبداء الرغبة المبدئية للعام الجديد    وزير العمل عن دمج وتوظيف ذوي الهمم: قضية تحتاج تكاتف المؤسسات    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    متحف الفن المعاصر بجامعة حلوان يستعد لاستقبال الزوار    شائعات كذّبها الواقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



علي الدين هلال ل (هاني شكر الله) : ليس من مصلحة الحزب الوطني أن يظل مسيطرًا لأن هيمنة أي حزب لفترة طويلة تؤدى إلى الترهل - الجزء الثاني
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 11 - 2009

ماذا عن وجهة النظر التى ترى أن مصر اليوم تحتاج إلى تعاقد اجتماعى جديد؟ طرحت السؤال على د. على الدين هلال لافتا إلى قوله فى القسم الأول من حوارنا إن الدستور الحالى مازال فى أجزاء منه يعود إلى دستور 56، وبأننا لم نشهد قطعا بين النظام السياسى الحالى والنظام الذى نشأ عن ثورة يوليو. وأضفت بقدر من المزاح أن مبنى الحزب الوطنى على كورنيش النيل حيث كان اللقاء يذكر (بمعماره ستالينى الطابع) يذكر بالاتحاد الاشتراكى، ولا يوحى قط بفكر جديد أو بلجنة السياسات، وما يرتبط بهذا وذاك من «نيو لوك» للحزب الحاكم.
ضحك هلال معلقا: «انظر جيدا ستجده ليس كذلك بالضبط».
تابعت: ولكن إذا كانت الأسس التى قام عليها نظام يوليو قد انتهت ومع ذلك يحتفظ النظام السياسى الراهن بالكثير من البنى المؤسسية والقانونية لذلك النظام، ألا يقتضى هذا الحديث عن إعادة التعاقد؟
أضف إلى ذلك ظاهرة الإسلام السياسى، وهى ظاهرة قارب عمرها اليوم على الثلاثة عقود، ولا تخصنا وحدنا إنما تمتد من المغرب وحتى إندونيسيا. ألا يطرح الوجود المتواصل للظاهرة الإسلامية الحاجة إلى تفكير فى معالجة ما. هل يمكن أن تبقى القطيعة بين قسمى المجتمع بهذه الحدة وإلى ما لا نهاية؟
ثم أخيرا، هناك ما أشرت له أيضا من تغييرات كبرى على المستوى الاجتماعى. نقر بأن نموا اقتصاديا قد حدث، ونقر بأن الطبقة الوسطى قد اتسعت كثيرا عما كانت عليه من عقدين أو ثلاثة، ولكن هناك أيضا فجوة هائلة ومتزايدة الاتساع بين قلة شديدة الثراء وأغلبية ساحقة تزداد فقرا. وهو ما تناولته مؤخرا دراسة مهمة لمجموعة من كبار الباحثين، من بينهم د. زياد بهاء الدين، ود. سمير رضوان ود. ليلى الخواجة توصلت إلى استنتاج رئيسى بأن هناك عدم تكافؤ بالغ فى توزيع ثمار النمو الاقتصادى، وأن هناك قطاعات كبيرة من الشعب المصرى لم تستفد من النمو.
سألت الدكتور على: ألا تطرح هذه النقاط الثلاث ضرورة إعادة التعاقد الاجتماعى.
العقد الاجتماعى: حق التوقيع لمن؟
أجاب د. على الدين هلال: «أنا دائما أبحث عما يجمع، وعما يوحد الناس أى أنه إن كان بينى وبينك 20% اتفاق فلنعمل سويا فى إطار هذه ال 20%. وفى نهاية الأمر يجمعنا مفهوم المواطنة، وهو مفهوم المشاركة فى وطن واحد. وبالتالى فأى مواطن له حقوق تحترم بغض النظر عن اتجاهه الفكرى أو معتقده المذهبى».
ولكن التعاقد الاجتماعى شىء آخر فى رأى هلال. «أحيانا يطرح البعض قضية إعادة التعاقد هذه كما لو أنها تعنى أن يجلس مجموعة من الأشخاص مع بعضهم البعض ليناقشوا قضايا معينة ويصلوا إلى اتفاق أو خلاف بشأنها. أعتقد أن هذا حديث فى أحسن الأحوال تبسيطى وفى أسوأها عاجز. العقد الاجتماعى هو بين طبقات، بين قوى اجتماعية وبين حركات سياسية لها امتداداتها الاجتماعية».
ويضرب هلال مثلا بالحزب الوطنى نفسه: «لعلى أقول لك إن أمانة العمال فى الحزب الوطنى كانت أول جهة كتبت تنتقد قرار وزارة الصحة برفع رسوم العلاج، وأمانة المهنيين فى الحزب الوطنى أيدت احتجاج الصيادلة».
التعاقد إذن «يتم بين قوى اجتماعية، بين عمال وفلاحين أنهكتهم أسعار المحاصيل فى العام الماضى ويعانون من مشكلات حقيقية، وهناك نقاش بين الحزب والحكومة حول هذا الأمر».
أما المثقفون فهم عنده ليسوا سوى إحدى هذه القوى الاجتماعية، «وإذا أردت الدقة، سينقسم هؤلاء المثقفون بين القوى الاجتماعية المختلفة».
العقد الاجتماعى، وفقا لهلال «ليس تعاقدا بين آراء ولكنه عقد بين مصالح، وهو عقد بين مصالح لتبنى الأطر الفكرية أو السياسات العامة التى تحقق تمكين مصالح أكبر قدر من هذه القوى، وتطلق قواها وتقلل حجم التناقضات بينها. فلا يمكن إلغاء هذه التناقضات، ولا يوجد مجتمع فى الدنيا ليس فيه تناقضات بين مصالح فئاته المختلفة».
ويضيف أن العقد الاجتماعى «له جانب آخر يتعلق بالصلة بين المسلمين والمسيحيين. هناك مكون يتعلق بالعلاقة بين الطبقات وهناك مكون آخر يتعلق بفكرة المواطنة»، واستطرد ليعرب عن سعادته بأن قبطيا أعلن عن نيته لترشيح نفسه للرئاسة «فبصرف النظر عن إمكانية ذلك، فإنه وضع المجتمع أمام نفسه، ووضع الأحزاب السياسية أمام الإفصاح عن موقفها من حق المواطن القبطى فى أن يرشح نفسه للرئاسة».
عمليات تاريخية كبرى.. نحو اقتصاد السوق:
ويرى هلال أن هناك ثلاث عمليات تاريخية كبرى تشهدها مصر تشكل إطارا لا غنى عنه لتناول أى من قضايا النظام السياسى فى البلاد، فهناك بداية «العملية التاريخية المتعلقة بالاقتصاد، وبالتحول إلى اقتصاد حر، وما يرتبط بذلك من تغير فى العلاقة بين العمال والدولة، والعمال وأصحاب العمل».
وهذه العملية التاريخية فى رأى هلال تنشأ عنها بصورة حتمية «توترات وتناقضات جديدة، تتبدى وتفصح عن نفسها فى أشكال مختلفة الأعمال الاحتجاجية». ويؤكد هلال أن الحزب الحاكم يتعامل «مع مثل هذه الأمور على أنها ظواهر طبيعية، وصحية، وأنه ينبغى علينا أن نعطى لكل صاحب حق حقه».
التناقضات والتوترات الاجتماعية هى مجرد مظهر من مظاهر عملية تاريخية كبرى تشمل، فى رأى على الدين هلال، «التغير فى طبيعة وعناصر وأطراف العملية الإنتاجية، بما يعيد تشكيل الطبقات الاجتماعية». يضرب فى هذا الصدد مثلا بالرواتب التى يحصل عليها العمال المهرة فى مصانع القطاع الخاص.
وماذا عن الطبقة الوسطى؟ يلاحظ هلال: «إن الذين يقولون بانهيار الطبقة الوسطى، وبنهاية الطبقة الوسطى، لديهم صورة للطبقة الوسطى كما تبلورت فى النصف الأول من القرن العشرين. هذه انهارت بالفعل. طبقة الموظفين أصحاب الرواتب الثابتة ضربت، ولكن نشأت فئات أخرى احتلت هذا المكان، قد لا تكون لها مواصفات الثقافة التى لسابقتها، ولكنها جاءت بالفعل».
ورغم ما تشمله هذه العملية التاريخية فى رأى هلال من تعميق للقطاع الخاص وتعميق للنظام الرأسمالى، فهو يؤكد أن دور الدولة فى الاقتصاد «مازال قويا، بل وأقوى مما يتصور الناس».
يرى هلال أن هناك مؤشرا مهما، وبالغ الدلالة على حجم الدور الاقتصادى للدولة، وهو الماثل فى الإجابة عن سؤال: إلى من تذهب قروض البنوك؟ «ستجد أن جزءا كبيرا وفى بعض السنوات هو النسبة الغالبة يذهب لهيئات حكومية، أى أن القطاع الأهم الذى يستثمر ويعيد الاستثمار هو قطاع الدولة. نتحدث عن الخصخصة ولكن واقع الأمر أن قطاع الدولة الاقتصادى مازال قويا جدا».
ويضيف بلغة عالم السياسة: «تعودت ألا أنظر للشعارات. أنظر إلى ما يحدث فى بطن المجتمع. أنظر إلى التحولات الحقيقية».
ولكن يؤكد هلال أن العملية التاريخية للتحول نحو اقتصاد السوق «ستستمر وستتعمق بحكم العولمة وبحكم الظروف الدولية».
العملية التاريخية الثانية: سقوط نظام الحزب الواحد
العملية التاريخية الثانية فى رأى على الدين هلال تتمثل فى سقوط وانتهاء نظام الحزب الواحد والتحول إلى التعددية، وهى العملية التى بدأت منذ عام 1977، على حد قوله. فرغم استمرار سيطرة الحزب الوطنى على الحكم فأن «التوصيف العلمى» للنظام السياسى المصرى، فى رأى هلال، هو أنه «نظام الحزب المسيطر، أو المهيمن»، وليس نظام الحزب الواحد، حيث هناك تعددية سياسية مع حزب كبير. يلفت هلال إلى نماذج أخرى لمثل هذا النظام: «حزب المؤتمر الهندى ظل مسيطرا لمدة 25 سنة، فى المكسيك الحزب الثورى الدستورى ظل مسيطرا على الحكم لمدة 71 عاما، وكذا سيطر حزب العمل الإسرائيلى على الحكم لفترة طويلة».
أتدخل مازحا: ولم يبق منهم جميعا غير الحزب الوطنى.
يتجاهل د. هلال مداعبتى ويستطرد موضحا: «هناك ظروف تاريخية تخلق هذا الوضع، وعلى الباحثين أن يدرسوا الظروف التى تؤدى إلى استمراره وتلك التى تؤدى إلى تحوله».
ثم يفاجئنى بقوله: «وإذا سألتنى إذا ما كان من مصلحة الحزب الوطنى أن يظل مهيمنا ومسيطرا لقلت لا، لأن الهيمنة لأى حزب والاحتفاظ لفترة طويلة بأغلبية مريحة يؤدى إلى الترهل، ويؤدى إلى إضعاف قرون الاستشعار، ويؤدى إلى إهمال تربية الكادر».
أقاطع مرة أخرى لأسأل: وألم تؤدِّ إلى ذلك بالفعل؟
يرد: «حتى الآن لا. أدت إلى ذلك بالفعل فى مرحلة سابقة، ولكن دخلت نخبة سياسية جديدة إلى صفوف الحزب، وأدركت أنه إن آجلا أم عاجلا ستكون هناك منافسة سياسية حقيقية، سواء مع قوى حزبية، أو مع قوى غير حزبية، وأن كل أربع سنوات ستصبح الانتخابات أكثر شفافية». ويضيف بنبرة قاطعة: «أقول إن أحد التحديات الكبرى للمجتمع المصرى اليوم يتمثل فى البحث فى كيفية دعم الفاعلية السياسية للأحزاب. فقد باعنا الأمريكيون فيما سبق وهما بأن المجتمع المدنى يمكن أن يحل محل الأحزاب السياسية، وأن الجمعيات الأهلية والحقوقية يمكن أن تملأ هذا الفراغ. الأحزاب السياسية وحدها هى الجهة المؤهلة لممارسة نشاط سياسى منظم، وأن تسعى للوصول للسلطة».
العملية التاريخية الثالثة: تراجع اجتماعى وقيمى مروع
وإذا كان على الدين هلال راضيا بوجه عام على مسار العمليتين التاريخيتين للتحول الاقتصادى والسياسى فقد بدا شديد القلق من ما يجرى من تحولات على المستوى الاجتماعى وفى نظام القيم فى المجتمع المصرى، وهى التى اعتبرها العملية التاريخية الكبرى الثالثة فى سرده. يقول: «فى نفس الوقت الذى يزداد فيها تكاملك مع النظام الاقتصادى العالمى، ويتسع نطاق حرية التعبير المستوى السياسى، وهناك انترنت، وهناك أحزاب نريد لها أن تقوى، نجد على الجانب الاجتماعى تراجعا قيميا مروعا. هناك تراجع عن مفاهيم المواطنة، وعن مفاهيم الاستنارة، وعن مفاهيم التسامح».
ويضيف منفعلا: «أنا مصرى، منشغل بمستقبل هذا الوطن، وأسعى دائما للارتفاع عن المعارك الصغيرة. الأستاذ أحمد بهاء الدين، رحمه الله، كان يقول إن المعارك الصغيرة المنتصر والمهزوم فيها سيان، وللأسف فإن الكثير من المعارك التى تدور على الساحة السياسية من هذا النوع، ولذلك فسرعان ما تختفى».
ويتابع: «للأسف، بعض الأخوة المفكرين السياسيين، بمن فيهم من التيار الإسلامى، مصرون على أنه ليس فى مصر مشكلة فكرية، والمشكلة عندهم هى المشكلة السياسية: يجب تعديل المادة كذا والمادة كذا. أختلف مع هذا اختلافا جذريا. انظر إلى نتائج البحوث الميدانية، انظر فى نتائج استقصاءات حول تمكين المرأة، على سبيل المثال، فى موضوع تمتع المرأة بكامل حقوقها السياسية. للأسف أقول إن قطاعا كبيرا جدا، ولا أريد أن أقول الأغلبية غير مقتنع».
ثم يتساءل مستنكرا: «كيف يمكن لك أن تتقدم فى مضمار التعددية السياسية، وأن تخطو مزيدا من الخطوات فى مضمار التحول إلى اقتصاد السوق، ونظمه، وقيمه، وهذا فى الوقت الذى تشهد فيه مثل هذه التراجعات على الصعيد الاجتماعى والثقافى؟».
ويرد على سؤاله بقوله: «أقول إن هناك معركة على عقل شعب مصر، وهناك معركة على عقل شباب مصر، أى منحى يتخذ: قيم استنارة وتسامح أم قيم أخرى؟»
أنظر إلى دفاتر توفير البريد
ولكن ماذا عن اتساع الفجوة بين الغنى والفقر فى المجتمع، وماذا عن عدم التكافؤ الفادح فى توزيع ثمار النمو؟ أعيد طرح السؤال على الدكتور على الدين هلال.
يجاوب: «نعم هناك مشكلة تمايز الاجتماعى، ولكن يجب أن نحذر من عادتنا فى تسييس الأمور، فبدلا من أن نفهم ما يجرى نكتفى بإلقاء المسئولية على السياسة. هل هناك تمايز اجتماعى؟ نعم هناك، ولكن، وفى نفس الوقت، هل استفادت قطاعات عريضة من المجتمع وتحسن مستواها الاجتماعى؟ نعم أيضا. هل المجتمع ككل يرتفع مستواه؟ خذ مؤشرات بسيطة جدا. التقرير السنوى لهيئة البريد. الناس الغلابة لا يذهبون للبنوك، ولكنهم يوفرون من خلال دفتر توفير البريد: 1000 جنيه 2000 جنيه. لاحظ الزيادة الهائلة فى عدد المدخرين وحجم الادخار من خلال دفاتر توفير البريد. خذ أيضا الزيادة الكبيرة فى حجم مدخرات القطاع العائلى فى البنوك».
يقر على الدين هلال بأن «الهوة بين الفئة المالكة لرأس المال وبين أغلبية الناس تتسع». ولكنه يسأل: «هل هذا حدث فى كل الدول التى مرت بتجربة تحرر اقتصادى؟ الإجابة نعم. فى مرحلة أولى من مراحل التحرر الاقتصادى يحدث هذا، ويسمى نتائج غير مباشرة أو غير مقصودة. المسألة هى دور الدولة للتدخل فى توفير العدالة الاجتماعية».
وأخيرا، لا مناص من «السؤال إياه»
سكرتيرة الدكتور على الدين هلال تدخل لتنذرنا بأن موعده التالى قد حل، وتبينت بعدها أنه للزميل أنور الهوارى، رئيس تحرير الأهرام الاقتصادى. الوقت أزف إذن، ولا يبدو أن هناك مناصا من طرح «السؤال إياه»، أو السؤال المتوقع، مباشرة وبدون مواراة. نعود على بدء إذن: ما تعليق أمين إعلام الحزب الحاكم على النقاش الدائر خلال الأسابيع القليلة السابقة على مؤتمر الحزب الوطنى بشأن مرشحين محتملين للرئاسة المصرية، وما تعليقه على مقترح الاستاذ محمد حسنين هيكل والذى أطلقت الصحف عليه عنوان: «مبادرة هيكل»؟
يجيب على الدين هلال: «دعنا بداية نحتكم إلى مبادئ عامة، ودعنى أقول رأيى بشكل مباشر وواضح وصريح. إذا كنا نقول بالديمقراطية، وبحرية التعبير، فإذن من حق كل إنسان أن يعبر عن فكره بالطريقة التى يراها. ثانيا، من حق كل مواطن مصرى يستوفى الشروط اللازمة للترشيح لرئاسة الجمهورية أن يرشح نفسه. وهى شروط ليست تعجيزية كما يدعى البعض. فالحزب الممثل فى البرلمان يحق له ترشيح أى شخص شرط أن يكون قد مضى على عضويته فى الهيئة العليا للحزب عام واحد على الأقل، ومن ثم فإذا رغب أى حزب من هذه الأحزاب فى ترشيح السيد عمرو موسى أو السيد البرادعى أو الدكتور زويل للانتخابات الرئاسية فلديه هذا الحق، ولا يزال لديه فرصة لعمل ذلك».
يقر هلال بأن هناك «صعوبة فعلية كبيرة» فى حالة المرشح غير الحزبى، «أما بالنسبة للواقع الحزبى فهو أمر يسير».
يواصل: «إذن من حق كل من يرغب فى ذلك أن يرشح نفسه، ولا نعتبر هذا عملا عدائيا ضد الحزب الوطنى، بل وبالعكس فهو تطبيق للدستور. ونحن نتطلع إلى أن تكون انتخابات رئاسة الجمهورية المقبلة انتخابات تنافسية يشارك فيها أكثر من مرشح، وأن تكون نزيهة وشفافة، وأن يمارس المجتمع دوره كاملا فى متابعتها وفى الرقابة عليها. ويبقى الشعب هو الفيصل فى أى من المرشحين يتم اختياره».
غير أن «مبادرة هيكل» تضمنت أفكارا أخرى «تستحق التوقف عندها» فى رأى الدكتور هلال. ويؤكد أن الأسماء التى أقترحها الأستاذ هيكل لا غبار عليها «فجميعهم أناس فضلاء، وجميعهم من عقلاء الأمة، ومهما اتفقنا أو اختلفنا فى شأن صلاحية هذا الإجراء المقترح، فلا أحد ينكر أنهم مواطنون ذوو أهلية واضحة».
وجه الاعتراض على مقترح هيكل هو مشروعيته الدستورية، قال الدكتور هلال، مؤكدا على ما سبق أن طرحه هو فى هذا الصدد فى حواراته مع المصرى اليوم والشرق الأوسط، وما طرح مكررا من عدد من المسئولين الحزبيين والحكوميين ومن الصحفيين القريبين من الحزب الحاكم.
يقول هلال: «بأى حق يقوم الرئيس حسنى مبارك بفعل هذا؟» أى تشكيل ما سماه الأستاذ هيكل فى مقترحه «مجلس أمناء الدولة والدستور». ويواصل: «الرئيس مبارك ليس له غير شرعية واحدة، وهى أنه انتخب وفقا لما نص عليه الدستور، ولكن ما يطلب منه هو انقلاب على الدستور. فدستور 71 حدد الطريقة التى يتم بها تعديل الدستور. المطروح هو تعديل الدستور بغير هذه الطريقة».
أقاطع متسائلا: ولماذا لا نتصور أن المجلس المقترح هو من الناحية القانونية هيئة استشارية للرئيس؟
يجيب هلال بلهجة قاطعة: «لا، أنت تتكلم عن أشخاص يقومون بإعداد دستور جديد للبلاد، وتتكلم على أناس أسندت لهم مرحلة انتقالية كاملة. المراحل الانتقالية تحدث عقب ثورات (ثورة يوليو 52 على سبيل المثال أعلنت مرحلة انتقالية ثلاث سنوات) أو المراحل الانتقالية التى تعقب حصول دولة على استقلالها، كأن يقوم السلطان فؤاد بتشكيل لجنة لصياغة الدستور».
يصر أمين الإعلام على أن «الفكرة كلها خارج إطار الدستور، وهو ما يطرح سؤال: هل تريد أن تعمل خارج إطار الدستور؟ وإذا ما فعلت فماذا يبقى بعدئذ؟».
الحق فى القلق والحق فى التعليق
هناك وجه آخر للاعتراض على ما قاله الأستاذ هيكل كان الدكتور على قد أفاض فيه فى حواره مع المصرى اليوم، والمنشور صبيحة يوم لقاءنا، وهو تحذير الأستاذ هيكل فى حواره مع الزميل مجدى الجلاد من مخاطر وقوع البلاد فى حالة الفوضى.
يرد هلال: «الحديث عن الفوضى يفترض ضعف مؤسسات الدولة، ومن يعتقد هذا فى مصر اليوم يخطئ خطئا بالغا، وإذا كان أداء بعض الوزارات أداء غير متميز أو أداء غير مرضى عنه، وان كانت هناك قطاعات فى الحكومة أنا شخصيا غير راضٍ عنها، فهذا شىء، بينما الدفاع عن مؤسسات الدولة فهو أمر مختلف تماما. مؤسسات الدولة مكفولة بحماية الدستور، مؤسسات الدولة هذه قوية».
يتابع هلال ليؤكد أن مؤسسات الدولة قادرة تماما على أن توقف الوقفات الاحتجاجية إذا ما شاءت ذلك، وهى تفعله حين تريد، على سبيل المثال حين تسمح للطلاب بالتظاهر داخل الحرم الجامعى وتمنعهم من الخروج إلى الشارع فهى تفعل ذلك، وكذا حين تسمح بالهتاف داخل حرم الأزهر الشريف، وتمنع المحتجين من الخروج إلى الشارع، فإنها تفعل. «ولكن أن تنطلق من تصور ضعف الدولة، ومن أن الفوضى ستسود، وتدعو للإسراع لإنقاذ الدولة ومؤسساتها، أعتقد أن هذا مدخل لا جدوى من ورائه، أو كما يقال باللغة الانجليزية «non-starter».
ولكن الحزب الوطنى لم يفصح عن نواياه إطلاقا فيما يتعلق بانتخابات الرئاسة، وباقى عليها أقل من عامين.
أطرح على أمين إعلام الحزب الحاكم سؤالى الأخير، وهو سؤال يكاد يكون إجباريا، أطرحه وأنا أعرف أن الدكتور هلال لا يمتلك إجابة شافية عنه، وإن امتلكها فلن يصرح بها. قلت: باقى أقل من عامين على انتخابات الرئاسة والحزب الحاكم لم يفصح بأى صورة من الصور عن نواياه إزاء هذه الانتخابات، فما هو تعليقك؟
يرد هلال: «لم تحسم أمرك بعد. وأنا اعتبر الحديث فى أسماء أشخاص مرشحين للرئاسة حديث يفتقر للياقة، فهذا المنصب ليس شاغرا، وإذا ما كنا نتحلى بأخلاق الديمقراطية، فإنه فقط عندما يعلن رئيس الدولة الموجود أنه لا يرغب فى الاستمرار، فساعتها فقط يمكن أن نتحدث عن البدائل، وما إلى ذلك».
يستدرك هلال قائلا: «طبعا من حق المنافسين أن يناقشوا هذه الأمور، ولكن على صعيد الحزب الوطنى فنحن لن نخوض فى هذا الموضوع إلا بعد أن يقرر رئيس الدولة ما إذا كان ينوى الاستمرار أم لا. إذن كل الكلام الذى ينشر فى الجرائد بأن الحزب الوطنى اجتمع ورشح (أ) أو رشح (ب)، فهو حديث لا أساس له من الصحة، وفى رأيى الشخصى، هو حديث يفتقد إلى اللياقة الواجبة، فأنت تتحدث عن منصب مازال يشغله أحد الناس».
يخلص هلال قائلا: «الدستور موجود.. المؤسسات موجودة.. الإجراءات والقواعد واضحة. وأؤكد لك أن انتقال السلطة فى مصر سيكون انتقالا سلميا وحسب القواعد المكتوبة فى الكتاب».
ينهض الدكتور على واقفا إيذانا بانتهاء الحوار. أقف معه، وأستوقفه:
ولكنك أنت نفسك تحدثت عن تحلل اجتماعى..
يرد: «لم أقل تحلل».
تحدثت عن تراجع مروع على المستوى الاجتماعى والقيمى، فى ضوء وضع كهذا، وفى ظل افتقاد لأحزاب سياسية ذات قيمة
«لم أقل بهذا.».
دعنا نقول، أحزاب شديدة الضعف... فى ظل هذه الظروف، أليس من حق المواطن أن يقلق من احتمالات لا نقول 23 يوليو 52، فهذا احتمال غير قائم، ولكن من 26 يناير 52، من حريق القاهرة؟
يرد الدكتور على وهو يمد يده لتوديعنا: «نعم، من حق أى مواطن أن يعبر عن أى مخاوف أو هواجس لديه، ومن حقنا نحن أن نعلق عليها».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.