«هل كان يمكننا منذ 10 سنوات أن نتخيل مئات الملايين من البشر، يتشاركون فى خلق أكبر موسوعة فى خلال 5 سنوات فقط دون معرفة مسبقة ببعضهم البعض؟». هكذا تساءل د.إسماعيل سراج الدين، مدير مكتبة الإسكندرية، فى إشارة للموسوعة الأشهر على الإنترنت «ويكبيديا». كلمة طويلة ألقاها د.إسماعيل عن تطور تدوين المعلومات منذ اختراع المصريين القدماء للكتابة وحتى ثورة الإنترنت، فى مؤتمر «60 عاما على نشأة هيئة فولبرايت» الذى أقيم بالمكتبة أمس الأول. «الإنترنت لم يعد مجرد وسيلة لحفظ المعلومات، بل مشارك فى تغيير شكل المعلومات والمعرفة»، يقول د.إسماعيل، شارحا أن الكتاب التقليدى قد يتخلله بعض الهوامش الجانبية لشرح معانى الكلمات أو إضافة معلومات جانبية، لكن الإنترنت قد طور من هذه الفكرة ليصبح من الممكن إدماج الفيديو والصوت والوسائط المتعددة داخل النص، مما أثر على شكل المعرفة نفسها. «وقريبا جدا سيصبح الإنترنت شريكا فى تكون المعرفة ذاتها، بدلا من اقتصاره على عرض المعلومات بشكل مختلف»، يقول د.إسماعيل. فالإنترنت تطور من كونه وسيلة لبث المعلومات من المواقع للقراء، ليصبح بإمكان كل مستخدميه أن يشاركوا فى بث المعلومات واستقبالها فى ذات الوقت، أما المستقبل فيحمل إضافة مزيد من المنطق إلى الإنترنت. «آليات البحث والترجمة فى الإنترنت الآن تعتمد على التشابهات اللفظية بين الكلمات والمعلومات»، يقول د.إسماعيل، إلا أن المستقبل يعد بمحركات بحث «ذكية» تتجاوز البحث عن الكلمات، للبحث عن المعنى من وراء هذه الكلمات وربطها ببعض ربطا منطقيا. وأضاف د.إسماعيل أن العلماء حتى وقت قريب كانوا يتعاملون مع الكمبيوتر باعتباره «آله غبية»، أو مجرد آلة حاسبة كبيرة توفر الوقت والجهد. لكن التطور العلمى للكمبيوتر جعله شريكا أساسيا فى تطور معرفة العالم بسبب قدراته المدهشة فى تحليل عدد هائل من المعلومات وخلق تفسيرات ونتائج لم يقدر عليها العقل البشرى. والمثال الأكبر لاستخدام قدرة الحواسيب على اكتشاف حقائق علمية جديدة يتجلى فى مشكلة تغير المناخ العالمى، فهذا الجانب من العلم اعتمد كليا على تحاليل الحواسيب لملايين المعلومات الجغرافية والمناخية فى الماضى والحاضر واستخدامها للكشف عن نتائج هذا التغير فى المستقبل. «فى الماضى كان الإنسان ينظر إلى العديد من الظواهر الطبيعية باعتبارها فوضوية لا قواعد تحكمها». إلا أن جمع ملايين المعلومات وتحليلها من خلال الحواسيب العملاقة قد مكن العلماء من تحليل أشكال ومواقيت نزول البرق من السماء، والتنبؤ بالشكل الدقيق لنمو النباتات والأزهار، والمعرفة المسبقة بالشكل الذى ستتشقق به قطعة أرض إن جفت. «باختصار، استخدام الكمبيوتر أدى إلى قدرة العلماء على اكتشاف النظام الدقيق الذى يحرك الظواهر التى كانت فى الماضى عشوائية يستعصى علينا فهم أسبابها»، يقول د.إسماعيل.