«مستقبل وطن».. أمانة الشباب تناقش الملفات التنظيمية والحزبية مع قيادات المحافظات    تفاصيل حفل توزيع جوائز "صور القاهرة التي التقطها المصورون الأتراك" في السفارة التركية بالقاهرة    200 يوم.. قرار عاجل من التعليم لصرف مكافأة امتحانات صفوف النقل والشهادة الإعدادية 2025 (مستند)    سعر الذهب اليوم الإثنين 28 أبريل محليا وعالميا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير    فيتنام: زيارة رئيس الوزراء الياباني تفتح مرحلة جديدة في الشراكة الشاملة بين البلدين    محافظ الدقهلية في جولة ليلية:يتفقد مساكن الجلاء ويؤكد على الانتهاء من تشغيل المصاعد وتوصيل الغاز ومستوى النظافة    شارك صحافة من وإلى المواطن    رسميا بعد التحرك الجديد.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري اليوم الإثنين 28 أبريل 2025    لن نكشف تفاصيل ما فعلناه أو ما سنفعله، الجيش الأمريكي: ضرب 800 هدف حوثي منذ بدء العملية العسكرية    الإمارت ترحب بتوقيع إعلان المبادئ بين الكونغو الديمقراطية ورواندا    استشهاد 14 فلسطينيًا جراء قصف الاحتلال مقهى ومنزلًا وسط وجنوب قطاع غزة    رئيس الشاباك: إفادة نتنياهو المليئة بالمغالطات هدفها إخراج الأمور عن سياقها وتغيير الواقع    'الفجر' تنعى والد الزميلة يارا أحمد    خدم المدينة أكثر من الحكومة، مطالب بتدشين تمثال لمحمد صلاح في ليفربول    في أقل من 15 يومًا | "المتحدة للرياضة" تنجح في تنظيم افتتاح مبهر لبطولة أمم إفريقيا    وزير الرياضة وأبو ريدة يهنئان المنتخب الوطني تحت 20 عامًا بالفوز على جنوب أفريقيا    مواعيد أهم مباريات اليوم الإثنين 28- 4- 2025 في جميع البطولات والقنوات الناقلة    جوميز يرد على أنباء مفاوضات الأهلي: تركيزي بالكامل مع الفتح السعودي    «بدون إذن كولر».. إعلامي يكشف مفاجأة بشأن مشاركة أفشة أمام صن داونز    مأساة في كفر الشيخ| مريض نفسي يطعن والدته حتى الموت    اليوم| استكمال محاكمة نقيب المعلمين بتهمة تقاضي رشوة    بالصور| السيطرة على حريق مخلفات وحشائش بمحطة السكة الحديد بطنطا    بالصور.. السفير التركي يكرم الفائز بأجمل صورة لمعالم القاهرة بحضور 100 مصور تركي    بعد بلال سرور.. تامر حسين يعلن استقالته من جمعية المؤلفين والملحنين المصرية    حالة من الحساسية الزائدة والقلق.. حظ برج القوس اليوم 28 أبريل    امنح نفسك فرصة.. نصائح وحظ برج الدلو اليوم 28 أبريل    أول ظهور لبطل فيلم «الساحر» بعد اعتزاله منذ 2003.. تغير شكله تماما    حقيقة انتشار الجدري المائي بين تلاميذ المدارس.. مستشار الرئيس للصحة يكشف (فيديو)    نيابة أمن الدولة تخلي سبيل أحمد طنطاوي في قضيتي تحريض على التظاهر والإرهاب    إحالة أوراق متهم بقتل تاجر مسن بالشرقية إلى المفتي    إنقاذ طفلة من الغرق في مجرى مائي بالفيوم    إنفوجراف| أرقام استثنائية تزين مسيرة صلاح بعد لقب البريميرليج الثاني في ليفربول    رياضة ½ الليل| فوز فرعوني.. صلاح بطل.. صفقة للأهلي.. أزمة جديدة.. مرموش بالنهائي    دمار وهلع ونزوح كثيف ..قصف صهيونى عنيف على الضاحية الجنوبية لبيروت    نتنياهو يواصل عدوانه على غزة: إقامة دولة فلسطينية هي فكرة "عبثية"    أهم أخبار العالم والعرب حتى منتصف الليل.. غارات أمريكية تستهدف مديرية بصنعاء وأخرى بعمران.. استشهاد 9 فلسطينيين في قصف للاحتلال على خان يونس ومدينة غزة.. نتنياهو: 7 أكتوبر أعظم فشل استخباراتى فى تاريخ إسرائيل    29 مايو، موعد عرض فيلم ريستارت بجميع دور العرض داخل مصر وخارجها    الملحن مدين يشارك ليلى أحمد زاهر وهشام جمال فرحتهما بحفل زفافهما    خبير لإكسترا نيوز: صندوق النقد الدولى خفّض توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكى    «عبث فكري يهدد العقول».. سعاد صالح ترد على سعد الدين الهلالي بسبب المواريث (فيديو)    اليوم| جنايات الزقازيق تستكمل محاكمة المتهم بقتل شقيقه ونجليه بالشرقية    نائب «القومي للمرأة» تستعرض المحاور الاستراتيجية لتمكين المرأة المصرية 2023    محافظ القليوبية يبحث مع رئيس شركة جنوب الدلتا للكهرباء دعم وتطوير البنية التحتية    خطوات استخراج رقم جلوس الثانوية العامة 2025 من مواقع الوزارة بالتفصيل    البترول: 3 فئات لتكلفة توصيل الغاز الطبيعي للمنازل.. وإحداها تُدفَع كاملة    نجاح فريق طبي في استئصال طحال متضخم يزن 2 كجم من مريضة بمستشفى أسيوط العام    حقوق عين شمس تستضيف مؤتمر "صياغة العقود وآثارها على التحكيم" مايو المقبل    "بيت الزكاة والصدقات": وصول حملة دعم حفظة القرآن الكريم للقرى الأكثر احتياجًا بأسوان    علي جمعة: تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم أمرٌ إلهي.. وما عظّمنا محمدًا إلا بأمر من الله    تكريم وقسم وكلمة الخريجين.. «طب بنها» تحتفل بتخريج الدفعة السابعة والثلاثين (صور)    صحة الدقهلية تناقش بروتوكول التحويل للحالات الطارئة بين مستشفيات المحافظة    الإفتاء تحسم الجدل حول مسألة سفر المرأة للحج بدون محرم    ماذا يحدث للجسم عند تناول تفاحة خضراء يوميًا؟    هيئة كبار العلماء السعودية: من حج بدون تصريح «آثم»    كارثة صحية أم توفير.. معايير إعادة استخدام زيت الطهي    سعر الحديد اليوم الأحد 27 -4-2025.. الطن ب40 ألف جنيه    خلال جلسة اليوم .. المحكمة التأديبية تقرر وقف طبيبة كفر الدوار عن العمل 6 أشهر وخصم نصف المرتب    البابا تواضروس يصلي قداس «أحد توما» في كنيسة أبو سيفين ببولندا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



انفجار بيروت: السفينة التي جلبت الجحيم لبيروت
نشر في الشروق الجديد يوم 12 - 08 - 2020

في الرابع من أغسطس، دمّر إنفجار كبير منطقة مرفأ بيروت. ويعتقد بأن سبب الإنفجار يعود لتخزين كمية كبيرة من مادة نيرات الأمونيوم في أحد مستودعات المرفأ.
فمن كان على علم بهذه البضاعة الخطرة، ومن يتحمل المسؤولية عن الدمار الكبير الذي لحق بالمدينة؟
الفصل الأول
إهتزت الأرض في بداية الأمر إهتزازا خفيفا لم يشعر به كثيرون.
ولكن نظرة سريعة أكدت ما يحصل، فقد كانت خزانات الملابس في المنزل تهتز.
ثانية واحدة، ثم ثانيتين، ثم ثلاث ثوان..وتوقف الأمر.
ولكن، وبعد لحظة من الهدوء، وقع الإنفجار الهائل.
في هذه المرة، إهتز المبنى من أساسه، ولكن ذلك لا يقارن بشدة دوي الإنفجار.
وكان ذلك يحدث على مسافة 10 كيلومترات من مكان الإنفجار في بيروت.
هرع السكان إلى نوافذ منازلهم لمشاهدة أعمدة الدخان وهي تتصاعد في سماء العاصمة، ولكنهم سرعان ما ابتعدوا مخافة أن يقع إنفجار آخر.
كان هذا أكبر إنفجار يشهده كثيرون في بيروت التي شهدت الكثير من التفجيرات في تاريخها المعاصر.
كانت سيارات الإسعاف تشق طريقها بصعوبة في الطريق الرئيسي المؤدي إلى بيروت من الشمال بسبب الإختناقات المرورية، فقد كان الكثير من البيروتيين يحاولون الوصول إلى الأحياء المجاورة للإطمئنان على أهاليهم وأصدقائهم ونقلهم إلى أماكن أكثر أمنا.
وفي الجانب الآخر من الطريق، كانت السيارات تسرع في الإتجاه المعاكس هربا من الجحيم.
وبينما كانت حركة السير متوقفة، جلبت الهواتف وأجهزة الراديو أخبارا مروعة تتحدث عن مستشفيات تعمل بأكثر من طاقتها وعن آلاف الجرحى وعن النيران المستعرة.
أجبر الجيش اللبناني أولئك الذين كانوا يتوجهون إلى بيروت على العودة إلى من حيث أتوا، أو إكمال رحلاتهم مشيا إذا إختاروا ذلك.
كان صوت الزجاج المهشم يسمع تحت أقدام المشاة في الجزء الأخير من الطريق المؤدية إلى العاصمة، ومرت جرافة تنظف الطريق من أكوام الركام الذي تسبب به الإنفجار.
كان من الصعوبة التعرف على المباني، إذ كانت نوافذها محطمة ولم يكن من الممكن رؤية أي أضواء فيها.
ظهر عدد من الأشخاص من العتمة، بعضهم كانوا جرحى ولكنهم تمكنوا من المشي بينما جلس آخرون ينتظرون في صمت.
وكلما اقتربت من بيروت، زادت العتمة وزاد الظلام.
بدأ الحادث بحريق وقع في المرفأ، وليس معروفا إلى الآن وقت إندلاع الحريق.
ولكن في الساعة الخامسة و54 دقيقة عصرا بالتوقيت المحلي، أظهرت تغريدة أرسلها مراسل صحيفة لوس أنجيلس تايمز أعمدة دخان وهي ترتفع في سماء بيروت.
وأظهرت لقطات فيديو في وسائل التواصل الإجتماعي ما وقع بعد ذلك.
فقد وقع إنفجار أولي كبير قذف بكميات كبيرة من الدخان الأسود الكثيف والركام في الهواء.
وشوهدت سلسلة من الومضات تشبه الألعاب النارية، كما شوهد حريق هائل في المكان الذي ارتفع منه الدخان.
وبعد 35 ثانية من الإنفجار الأول، وقع إنفجار ثان هائل أدى إلى إرتفاع عمود كبير من الدخان بني اللون تبعه إرتفاع غمامة بيضاء اللون.
حصل ذلك كله بحلول الساعة السادسة و4 دقائق.
عشرات القتلى وآلاف الجرحى. لقد أتى الإنفجار على قلب المدينة تماما.
وفي مركز الحدث كان هناك مخزن يحوي 3 آلاف طن تقريبا من مادة نترات الأمونيوم القابلة للانفجار.
الفصل الثاني
السفينة المنبوذة
تعود الصورة إلى صيف عام 2014. رجلان يقفان مبتسمين على ظهر سفينة شحن عادية الشكل في مرفأ بيروت. وتظهر خلفهم أكياس بيضاء اللون وهي مكدسة في قلب السفينة.
كانت هذه الأكياس تحتوي على 3 آلاف طن تقريبا من مادة نترات الأمونيوم عالية الكثافة.
وكان أحد الرجلين، الذي كان يرتدي بلدة زرقاء وينظر إلى جهاز التصوير، يتحدث عبر الهاتف.
كان الرجل منشغلا بالكثير من الأمور، ففي ذلك الوقت كان ربان السفينة بوريس بروكوشيف وعدد من أفراد طاقمها عالقون في مرفأ بيروت لعدة شهور.
كانت السفينة - وإسمها روسوس - قد أبحرت من ميناء باطومي في جورجيا في أواخر أيلول / سبتمبر من عام 2013. وكانت وجهتها على ما يبدو ميناء بيرا في موزامبيق.
كانت السفينة روسوس، التي دخلت الخدمة في عام 1986، قد تقدم بها العمر. ففي رحلات قامت بها في البحر المتوسط في وقت سابق من عام 2013 فشلت في فحوص قام بها مفتشون. وفي تموز / يوليو 2013، وفي ميناء إشبيلية الإسباني، اكتشف المفتشون 14 مخالفة منها أسطح متآكلة وإجراءات ضعيفة للحماية من الحرائق.
كان رجل الأعمال الروسي المقيم في قبرص إيغور غريشوشكين قد اشترى السفينة في أيار / مايو 2012، وتشير مصادر إلى أن شراء روسوس كان أول نشاط لغريشوشكين في مجال النقل البحري.
وفي باطومي، كانت بوليصة الشحن الخاصة بالشحنة قد أشارت إلى أن الشركة المزودة لمادة نيترات الأمونيوم هي شركة روستافي آزوت، وأن المشتري هو بنك موزمبيق الدولي نيابة عن شركة موزمبيقية صغيرة متخصصة في إنتاج المتفجرات التجارية.
وقال بروكوشيف، الذي يقول إنه تولى قيادة السفينة في تركيا، لبي بي سي إنه سرعان ما برزت مشاكل كبيرة في السفينة.
وقال إن طاقم السفينة الأصلي قد غادر قائلا إنه لم يستلم أجوره منذ 4 شهور. وقال بروكوشيف إنه عندما رست السفينة في ميناء أثينا، إضطر إلى إعادة مواد غذائية وغيرها من السلع إلى مورديها لأن مالك السفينة قال إنه لا يمكنه دفع تكاليفها.
أمضت السفينة 4 أسابيع في أثينا بينما كان مالكها الروسي يحاول جمع الأموال اللازمة لدفع أجور مرورها في قناة السويس.
وهذا هو الذي أدى في نهاية المطاف إلى قيامها بالرحلة المشؤومةإلى بيروت.
وقال بروكوشيف لبي بي سي إن سبب توجهه إلى بيروت كان من أجل تحميل المزيد من البضائع - وهي كانت عبارة عن إرسالية من معدات ثقيلة لبناء الطرق.
ولكن يبدو أن أحدا لم يجر حساباته بشكل دقيق. فعندما وضعت هذه المعدات في عنابر السفينة، بدأت هذه بالإنحناء والإنبعاج.
وقال بروكوشيف "كانت العنابر صدئة وقديمة، ولذا لم نتمكن من استلام الشحنة. رفضت ذلك، فقد كان من شأن ذلك تحطيم السفينة".
ولذا تم التخلي عن الفكرة. وقال بروكوشيف إن الطاقم الجديد بدأ بالشعور بالخوف من إمكانية تعرضه لنفس مصير سلفه الطاقم القديم، وقرر التوجه إلى قبرص لإيجاد حل مع مالك السفينة غريشوشكين.
ولكن قبل أن تتمكن سفينة روسوس من مغادرة بيروت، تدخلت السلطات اللبنانية.
فقد توصل تفتيش إلى وجود مشاكل فنية فيها، وحسب قاعدة بيانات لويدز تم الحجز على السفينة في الرابع من شباط / فبراير 2014 لعدم دفعها فواتير تبلغ 100 ألف دولار.
سمح لبعض أفراد الطاقم بمغادرة لبنان، ولكن بروكوشيف منع من المغادرة ومعه ثلاثة من أفراد الطاقم كلهم من الأوكرانيين. ولم يسمح لهم بمغادرة السفينة.
وقال بروكوشيف لبي بي سي "إحتفظوا بنا كرهائن".
ويقول إنه حاول الإستعانة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكان يراسله شهريا. وفي مقابلة مع إذاعة ليبرتي، قال بروكوشيف إنه إستلم ردا باردا من القنصلية الروسية في بيروت.
ويقول "قالوا لي، ما الذي تريد من بوتين أن يفعل؟ أتريده أن يرسل قوات خاصة لإطلاق سراحك بالقوة؟"
إسترعت معاناة طاقم السفينة إنتباه الإتحاد الدولي لعمال النقل. ففي أواخر آذار / مارس قالت أولغا أنانيينا المفتشة لدى الإتحاد، إن طاقم السفينة لم يعد لديه أي سبيل للعيش.
وقالت في 28 آذار / مارس 2014 "إن الطاقم بات على حافة الهاوية".
وقالت إن الشركة التي يديرها إيغور غريشوشكين تفتقر إلى الأموال اللازمة لتسديد ديون الطاقم والميناء، كما أصدرت إنذارا قالت فيه:
"إضافة إلى المشاكل المذكورة أعلاه، فإن الطاقم يشعر بالقلق لوجود شحنة خطرة للغاية في مخازن السفينة روسوس، وهي عبارة عن مادة نترات الأمونيوم. فالسلطات في مرفأ بيروت ترفض تفريغ هذه الشحنة أو تحميلها في سفينة أخرى. وهذا يزيد الأمر تعقيدا لموقف صعب أصلا بالنسبة للبحارة".
لم يكن ذلك الإنذار الوحيد. فبعد شهور أربعة، أشار مقال نشر في موقع (فليتمون) المتخصص بالملاحة البحرية إلى المخاطر ذاتها.
ولخّص المقال، الذي نشر في 23 تموز / يوليو 2014، وحمل عنوان "طاقم أسير على ظهر قنبلة عائمة"، المعظلة بأسرها.
وجاء في المقال "لم ترغب سلطات مرفأ بيروت أن تتعامل مع سفينة مهجورة محملة بشحنة خطرة".
فلم تكن سفينة روسوس المتهالكة في أحسن حال، بل كان الماء يتسرب إليها وكان على الطاقم أن يفرغ هذا الماء بشكل يومي، ويقول بروكوشيف إنهم كانوا قلقين حول الحمولة التي كانت على ظهر السفينة.
وقال لبي بي سي "كان علينا التأكد من أن الشحنة جافة وألا تصاب بالضرر".
وقال "إذا كنت تعيش على ظهر سفينة، لا بد أن تعتني بها. لا تريدها أن تغرق".
قام الطاقم ببيع جزء من وقود السفينة من أجل دفع تكاليف المحامين. وبعد ثلاثة شهور من الإجراءات القضائية، تمكن المحامون اللبنانيون من إطلاق سراح أفراد الطاقم.
ويقول بروكوشيف "أغلقنا كل مقصورات السفينة، وسلمنا مفاتيحها لسلطات المرفأ".
ويقول الإتحاد الدولي لعمال النقل إن يروكوشيف وزملائه الأوكرانيين غادروا بيروت أخيرا في أيلول / سبتمبر 2014.
ويبدو أن غريشوشكين وافق على تحمل نفقات سفرهم إلى أوديسا، ولكن بروكوشيف يقول إن غريشوشكين ما زال مدينا له بمبلغ 60 ألف دولار.
وبعد وقت معين - ولم يتضح التاريخ الفعلي لذلك - تم تفريغ الشحنة الخطرة من السفينة.
ويقول بروكوشيف إن السفينة روسوس غرقت في نهاية المطاف بعد أن تخلى عنها مالكها وطاقمها وبعد أن بدأ الماء يتسرب إليها.
ويشير تحليل إلى أن روسوس تقبع الآن تحت الماء في ميناء بيروت على مسافة لا تبعد إلا بثلث ميل عن موقع الإنفجار. وحسب قائمة لويدز فإن السفينة "غرقت داخل حاجز الأمواج في شباط / فبراير 2018".
وبخصوص كارثة الرابع من أغسطس، ينتقد بروكوشيف بشدة السلطات في بيروت.
وقال لإذاعة ليبرتي "هم المسؤولون، فقد كان عليهم التخلص من الشحتة في أقرب وقت ممكن".
ويقول إنه كان على السلطات اللبنانية توزيع الشحنة على المزارعين اللبنانيين لاستخدامها كسماد.
وقال "إذا لم تهتم أي جهة بمصير الشحنة، فهذا يعني أنها لا تعود لأحد".
ولم يستجب مالك السفينة إيغور غريشوشكين لطلبات بي بي سي للتعليق على الموضوع.
وجاء في مرافعة حول السفينية روسوس لمحاميين إثنين ترافعا بالنيابة عن طاقم السفينة أن استئنافهم الناجح كان معتمدا على "الخطر الداهم على الطاقم والمتمثل في الطبيعة الخطرة للشحنة التي كانت مازالت مخزونة في عنابر السفينة".
وتخلص المرافعة التي نشرت في شهر تشرين الأول / أكتوبر 2015، إلى أنه "بسبب المخاطر المتأتية عن إبقاء نيترات الأمونيوم على متن السفينة، قامت سلطات مرفأ بيروت بنقلها إلى مستودعات المرفأ. وما زالت السفينة موجودة في المرفأ إلى اليوم بانتظار بيعها بالمزاد أو التخلص منها".
الفصل الثالث
على حافة الهاوية
ظن العديد من الذين شاهدوا الإنفجار والغمامة التي نتجت عنه أنه نتج عن تفجير نووي.
لم يكن الأمر كذلك، ولكن الإنفجار كان شديداً للغاية.
تستخدم مادة نيترات الأمونيوم في كل أرجاء العالم كسماد غني بالآزوت في المجال الزراعي، ولكنها أيضا مادة شديدة الإنفجار تستخدم في مجالات كالتعدين.
وليست مقارنة هذه المادة مع غيرها من المتفجرات دقيقة بل قد تكون مضللة في بعض الأحيان، ولكن خبيرا سابقا في مجال إزالة المواد المتفجرة في الجيش البريطاني يقول إن إنفجار بيروت كان يساوي 1 إلى 2 ألف طن من مادة ال TNT. وتشير بعض التقديرات إلى أن شدة الإنفجار كانت أكبر من ذلك.
يشار إلى أن إنفجار القنبلة الذرية التي ألقاها الأمريكيون على مدينة هيروشيما اليابانية في آب / أغسطس 1945 كانت بشدة 12 إلى 15 ألف طن من مادة TNT.
ما كان يجب تخزين هذه الكمية من نترات الأمونيوم بهذه الطريقة وسط مدينة آهلة بالسكان، ولكن مع ذلك كان هناك سبب أخر أدى إلى تفجيرها.
فما هي المواد التي إندلعت فيها النيران في المستودع قبيل وقوع الإنفجار الكارثي؟
بدت الومضات والأصوات التي سبقت الإنفجار الكبير بالنسبة للكثيرين وكأنها ألعاب نارية.
ورد مدير الجمارك في مرفأ بيروت، بدري ظاهر، على سؤال وجهه إليه الإعلام اللبناني حول ما إذا كانت ألعاب نارية مخزونة في محيط المنطقة بالقول "نعم، على الأغلب".
وتشير تقارير أخرى إلى إحتمال أن يكون الحريق قد نتج عن أعمال لحام.
فقد نقلت شبكة سي أن أن عن مدير المرفأ حسن قريطم قوله لشبكة OTV "طلبت منا قوات الأمن إصلاح باب أحد المستودعات، وفعلنا ذلك بالفعل قبل الظهر، ولكن ليس لي أي فكرة عما حصل عصر ذلك اليوم".
ومهما كان سبب الحريق، أرسل فريق صغير من الإطفائيين لإخماد الحريق. وكان 9 رجال وإمرأة واحدة خارج المستودع رقم 12 عندما وقع الإنفجار، وكلهم مفقودون.
لم يكونوا يعلمون أن المستودع يحتوي على 2,750 طناً من نترات الأمونيوم، وأن هذه الكمية كانت مخزنة في المستودع منذ ست سنوات في ظروف غير آمنة.
ولكن اتضح الآن أن عددا من المسؤولين في الدولة اللبنانية كانوا على علم بالمخاطر، ومنذ عدة سنوات.
إلا أن المواطنين اللبنانيين العاديين لم يعلموا بهذا الأمر إلا بعد أن دمر الإنفجار عاصمتهم.
ولذا قام مسؤولو الجمارك، ربما لأنهم توقعوا إندلاع غضب شعبي، بتسريب وثائق تشير إلى أنهم غير مسؤولين عما حدث.
وقام هؤلاء بين عامي 2014 و2017 بإرسال ما لا يقل عن خمس طلبات لقاضي الشؤون المستعجلة يطالبونه بالموافقة على إعادة تصدير شحنة نيترات الأمونيوم أو بيعها.
وتثبت الالتماسات أنهم كانوا على علم بطبيعة المواد المخزونة، ومدى خطورتها.
قد يطلع البعض على هذه المذكرات ويفترضون بأن مسؤولي الجمارك قد فعلوا كل ما يستطيعون فعله، وأن القضاء لم يرد على مطالباتهم.
ولكن هذه الرواية سرعان ما دحضت. فبينما لم يناقض أحد صدقية الرسائل المذكورة، وضع الهجوم المضاد هذه المراسلات في منطوق مختلف تماما.
قضى رياض قبيسي، الصحفي لدى قناة الجديد اللبنانية، الكثير من وقته في البحث عن مظاهر الفساد في مطار ومرفأ بيروت.
وأشار في تحليل أذاعه ليلة الإنفجار إلى أن الطلبات لم تتبع السياقات الأصولية، وإلى أن القاضي قد أشار إلى ذلك أكثر من مرة وطالب بالمزيد من المعلومات.
ويقول قبيسي إن مسؤولي الجمارك عمدوا إلى ارسال نفس الطلب مرة تلو الأخرى.
وكان القاضي وبطلب من وزارة المواصلات والأشغال العامة قد أمر بتفريغ لشحنة أساسا، ولكنه أكد على وجوب خزنها في مواقع مناسبة تتمتع بشروط الأمان الضرورية.
وقال نزار صاغية، الذي يعمل لدى منظمة Local Agenda غير الحكومية في بيروت لبي بي سي "الوزارة وضعت الشحنة في مرفأ بيروت، وسلمتها لسلطات الجمارك".
وقال "كان ذلك خطأ كبيرا، فالقانون يحظر خزن مواد من هذا النوع من المواد المتفجرة في المرفأ".
ويقول صاغية إن مسؤولية خزن مادة نترات الأمونيوم في المرفأ تقع على عاتق الوزارة وسلطات الجمارك وإدارة المرفأ.
وقال "لم يرتكب القاضي أي خطأ في هذه الحالة، إذ هناك مادة قانونية تنص على أنه إن كانت سفينة تحمل على متنها مواداَ خطرة على وشك الغرق، فمن صلاحية قاضي القضايا المستعلجة أن يسمح بتفريغها".
وقال إن حمولة السفينة هي من مسؤولية وزارة المواصلات والأشغال العامة.
وأضاف "أحالت الوزارة هذه الصلاحية إلى سلطات الجمارك. فالقاضي أحال المسؤولية إلى الوزارة التي أحالتها بدورها إلى الجمارك".
ويقول إن ما كان عليهم عمله هو بيع الشحنة، وهي صلاحية كانوا يتمتعون بها، أو طلب الإذن بإتلافها، أو حتى إتلافها دون إذن".
ولكنه يقول "كل ما فعلوه هو أرسال هذه الطلبات". ليست قصة بيروت فريدة بأي حال.
ففي شباط / فبراير 2009، إعترضت البحرية الأمريكية سفينة تحمل العلم القبرصي في البحر الأحمر كانت تقل على متنها 98 حاوية تحوي وقود دفع مخصص للأغراض العسكرية.
وكانت الحاويات مخزونة تحت أشعة الشمس في قاعدة إيفانجيلوس فلوراكيس البحرية في قبرص عندما إنفجرت في 11 تموز / يوليو 2011 في حادث أودى بحياة 13 شخصا وتسبب في أضرار بلغت قيمتها 3 مليار يورو.
ويقول خبير الأسلحة البريطاني المذكور آنفا "مرة بعد أخرى، نرى إخفاقا في التقيد بالمسافات الضرورية لخزن المتفجرات".
الفصل الرابع
"لبنان في حالة السقوط الحر"
"هل سيموت الناس على أعتاب المستشفيات تلقى هذا السؤال مالك أحد المستشفيات والذي أجاب "لا، سيموتون في الداخل"، لأن الأدوية والمعدات الطبية ستنفد. قد تظنون أنه كان يتحدث بعد الانفجار الذي فاض عدد ضحاياه عن طاقة المستشفيات.
لكن هذا حدث العام الماضي، قبل الانفجار بفترة طويلة، وقبل انتشار وباء كوفيد-19، حين كانت الحياة في معظم أنحاء العالم "طبيعية"، لكن لبنان كان يقترب من الوضع الكارثي.
وشهد البلد في الرابع من أغسطس/آب صدمة مروعة، سلطت الضوء على المأساة التي بدأت تتكشف في لبنان، واقتصاد يرى الكثيرون أنه مصمم لخدمة الطبقة السياسية.
في العام الماضي، بدا النظام الاقتصادي لما بعد الحرب على وشك الانهيار حين اندلعت الاحتجاجات ضد حالة الوضع الاقتصادي في البلد. رأى المحتجون أن النخبة مندفعة للحفاظ على ثروتها وسلطتها في الوقت الذي تحرك الناس من أجل محاسبتهم على نهب استمر لثلاثة عقود.
اختلط الغضب بالنشوة بسبب ما بدا للكثيرين أن الحلم الذي انتظروه طويلا لثورة جذرية في كل البلاد ضد النظام بات في متناول اليد.
تشكلت سلطة جديدة في الشوارع. أجبر مستوى الغضب الشعبي السياسيين على أن يتواروا لفترة، ولا يظهروا لا في الشوارع ولا على الشاشات.
ونصبت الخيام في الميادين في أنحاء البلاد، وجرى تفكيك الإطار السياسي والاقتصادي والحقوقي الذي مكن فئة النخبة الحاكمة الضيقة من أن تراكم ثروات على حساب الشعب.
وخضع النظام السياسي القائم على المحاصصة الطائفية والقائم منذ قرن من الزمان للمحاكمة.
كانوا يراكمون الأرباح من فوائد ديون الدولة منذ تسعينيات القرن الماضي. وقامت القوى السياسية التي تمثل الطوائف بالهيمنة على موارد الدولة واستحوذت على الوظائف والرفاه الاجتماعي والمساعدات لصالح أبناء طوائفهم.
وابتلعت الديون وفوائدها المزيد مما كان يفترض أن تنفقه الحكومة.
تحمل النظام العديد من الصدمات: اغتيالات، حربا مع إسرائيل، شللا سياسيا طويل الأمد. بل إن البلد ازدهر لفترة وجيزة، حين تدفقت الأموال بعد الأزمة الاقتصادية العالمية إلى النظام المصرفي اللبناني الذي يحظى بسمعة الأمان.
وكان الضمان غير المباشر يأتي من فرنسا والسعودية بشكل اساسي. كلما واجه البلد مأزقاً مالياً تستخدم الأولى نفوذها الدبلوماسي والثانية جيبها المتخم للوصول إلى إنقاذ دولي للبلد.
يتم تأمين قروض جديدة طويلة الأمد وهبات، ويستمر لبنان في دفع الفوائد على ديونه القديمة. وكذلك اعتمد لبنان على تحويلات ابنائه المهاحرين.
لكن في عام 2011 بدات التحويلات والهبات تشح تدريجيا. وجهت الحرب في سوريا ضربة للسياحة، وأدى هبوط أسعار النفط عام 2014 إلى شح التحويلات المالية خاصة من دول الخليج، كذلك أحدث الضغط المالي القوي من الولايات المتحدة الذي استهدف حزب الله أثره الكبير.
سحب حلفاء الولايات المتحدة في الخليج ضماناتهم الضمنية، وكذلك فعلت فرنسا، التي أصرت على اتخاذ إجراءات تقشف وإصلاحات قبل أن تستثمر ماليا.
وهكذا كانت البداية. قامت البنوك بحجز مدخرات المواطنين، لكن رؤوس الأموال الكبيرة وجدت طريقها إلى الخارج على ما يبدو. انهارت العملة المحلية. وقارب معدل التضخم حدود التضخم المفرط، وفقد الناس وظائفهم ووقعت الطبقة الوسطى في براثن الفقر، بينما غاص الفقراء عميقا في البؤس.
في هذه الاثناء توقفت حركة الاحتجاج. لم تنضو الحركة تحت لواء أي تنظيمات سياسية ولم تفرز قيادة أو تحالفات واضحة، والتي بإمكانها أن تحمي المكتسبات التي حققتها وتشق بها الطريق عبر ألغام المشهد السياسي اللبناني.
وبدا أن السلطة بقيت في قبضة القوى السياسية الراسخة والنخبة الحاكمة.
وتعهدت الحكومة التي أفرزها الاحتجاج أن تحاسبالمسؤولين عن الانهيار الاقتصادي.
لكن تاريخ لبنان الحديث يكشف عن نظام مصمم تقريبا من أجل أن يكون تحديد المسؤولية صعبا، وللسماح للجميع بالإفلات.
على مدى عقود، كثيرا ما تم فضح الفساد المستشري والتربح وكشفه على الملأ من قبل صحفيين أو من قبل قوى سياسية متنافسة وجرى تبادل الاتهامات. لكن لم يواجه اي شخص المسؤولية.
كان الحاجز الطائفي يقف في وجه كل تلك المحاولات. دافعت الاحزاب عن المسؤولين والسياسيين، الذين يتمتعون بالحماية من جانب المؤسسات الدينية.
وتقاسمت الطوائف المناصب والمراكز ، فكانت تلك المراكز موزعة بين المسيحيين والسنة والشيعة والدروز.
لم يكن نجاح حزب ما مرتبطا ببرنامجه بل بالقدرة على رفع راية طائفته وفتحه الطريق للطائفة إلى المناصب والغنائم. وصار المسؤول تابعاً للجهة التي تحميه أكثر من كونه موظفاً في الدولة.
لكن 2700 طن من نترات الأمونيوم انفجرت مؤخرا، فمن سيدفع الثمن ؟
في هذه الأثناء جرح الآلاف واستنزفت المستشفيات والصيدليات مستودعاتها. تشرد مئات الآلاف، وكثيرون لا يستطيعون إعادة بناء بيوتهم.
كل حدث وقع في العام المنصرم، من انهيار قيمة العملة إلى كوفيد-19، كان يذكر اللبنانيين بهشاشة اقتصادهم وضعف إنتاجيته، وإنهاك القطاع الزراعي وكم تفتقر كل هذه القطاعات للاستقلالية الاقتصادية .
وكذلك كم يفتقر اللبنانيون الى الاستقلال في تلبية احتاجاتها الأساسية واعتمادهم على الاستيراد عبر ميناء بيروت بشكل رئيسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.