فتحت صفقة الاستحواذ الأخيرة التي نفذتها شركة "توتال" الفرنسية العالمية على "مشروع تطوير بحيرة ألبرت" التابع لشركة "تولو النفطية" في أوغندا بما يتضمنه من إقامة خط أنابيت لنقل النفط الخام في شرق إفريقيا، فصلاً جديداً لصناع الطاقة في شرق القارة الإفريقية. وأثارت الصفقة موجة من النقاش بين المعنيين بصناعة النفط في القارة السمراء، وهو ما دعا "غرفة الطاقة الإفريقية" إلى عقد منتدى إلكتروني دعت إليه لفيفا من الخبراء والمعنيين بصناعة الطاقة إقليمياً ودولياً، لرصد أصداء صفقة توتال الأخيرة وتأثيراتها الإجمالية على صناعة النفط والطاقة في القارة وشرقها على وجه الخصوص. واستقطب المنتدى، الذي عقد في كينيا عبر الفيديو كونفرنس واختتمت أعماله اليوم، شخصيات بارزة وممثلين عن "سانبيك بنك"، و"ستاندرد بنك"، وشركة "شل"، و"بيكر هوفز"، و"شركة النفط الوطنية الكينية"، دعتهم إليزابيث روجو مؤسسة ورئيسة مجلس إدارة شركة "ستافو" لخدمات آبار النفط بمشاركة رئيس وحدة شرق إفريقيا في غرفة الطاقة الإفريقية، للمشاركة في أعمال المنتدى. وبموجب اتفاق الصفقة المعلن أخيراً، سيبلغ إجمالي ما تدفعه "توتال" إلى "تولو" 575 مليون دولار، من بينها 500 مليون دولار نقداً عند إتمام الصفقة، علاوة على سداد 75 مليون دولار عندما يتخذ الشركاء قرار الاستثمار النهائي لإطلاق المشروع. وتتضمن بنود الاتفاق، استحواذ "توتال" على الحصة الكاملة لشركة "تولو"، والتي تبلغ 33.3334% من كل تراخيص "مشروع بحيرة ألبرت" (إي إيه 1، وإي إيه 1 إيه، وإي إيه 2، وإي إيه 3 إيه)، علاوة على منظومة خطوط أنابيب النفط المقترحة لشرق إفريقيا (إي إيه سي أو بي). وتقدر الطاقة الإنتاجية ل"مشروع تطوير بحيرة ألبرت"، الذي يطلق عليه أيضاً "مشروع تيلينجا" في أوغندا، بأكثر من 230 ألف برميل يوميا من الزيت الخام، وهو ما سيرفع أوغندا لتصبح بين الدول الخمس الأكثر إنتاجاً للنفط في منطقة جنوب الصحراء الإفريقية الكبرى. كما اشتملت بنود التعاقد على تكرير النفط الخام بطاقة 60 ألف برميل يوميا علاوة على مشروعات طموحة أخرى. ويُنظر إلى الاتفاق على أنه صفقة يربح فيها جميع المشاركين؛ فبالنسبة ل"توتال"، التي استحوذت على كامل حصة "تولو" في "مشروع تطوير بحيرة ألبرت"، تمكنت من الحصول عليها بسعر يقل عن 2 دولار للبرميل، أما بالنسبة لشركة "تولو أويل"، التي ترزح تحت عبء ديون ثقيلة وتسعى لمواجهة ذلك إلى توفير مليار دولار من خلال بيع عدد من أصولها ومشروعاتها الرئيسية، وانعكست أنباء إبرام الصفقة على أسهم تولو التي تحسنت في الأسواق بمجرد الإعلان عنها، كما تعد الصفقة رابحة بالنسبة لقطاع النفط الأوغندي وستخلق وظائف محلية. وتأتي هذه الصفقة بعد أعوام من الجدل والمساجلات التي أحاطت بمشروع بحيرة ألبرت، وساعد الانتهاء من بيع أصول "تولو" واستحواذ "توتال" عليها، حكومة أوغندا والشركات النفطية المشاركة في نقل المشروع إلى مرحلة اتخاذ قرار الاستثمار النهائي تمهيداً لإطلاقه بصورة عملية، كما أرسلت الصفقة برسالة قوية إلى بقية بلدان منطقة شرق القارة الأفريقية، ولاسيما كينيا، بضرورة القيام بكل ما يلزم من جهود لفتح إمكاناتها النفطية والغازية أمام التطوير والاستثمار. ورغم حالة عدم الغموض التي تحيط بجدوى الجدول الزمني لقرار الاستثمار الفعلي للمشروع، فإنه يتمتع بتنافسية عالية حتى في ظل بيئة محيطة محبطة بسبب تردي أسعار النفط في الأسواق العالمية، فتكلفة استخراج النفط الخام في "مشروع تطوير بحيرة ألبرت" يقدر بين 20 و25 دولاراً للبرميل، ويعزا ذلك جزئيا إلى أن احتياطيات البلاد من النفط الخام توجد في مستويات قريبة من سطح الأرض، وهو ما يعني تكاليف أقل للتمديدات والحفر والاستخراج وبقية أعمال إعداده للبيع. وعلى الرغم من اتباع "توتال" للنهج نفسه السائد في السوق بإجراء تخفيضات حادة بسبب تفشي فيروس كورونا وانهيار الطلب والأسعار في أسواق النفط العالمية، فإن اقتصادات المشروع تجعل الشركة أكثر جاهزية للحصول على قرار الاستثمار الفعلي في المستقبل القريب. وينظر المراقبون إلى "مشروع تطوير بحيرة ألبرت" وخط الأنابيب الملحق به لتصدير النفط الخام بوصفه خطوة كبرى ستعمل على إزاحة المخاطر عن الكثير من مشروعات استخراج النفط الخام والغاز الطبيعي في شرق أفريقيا، كما أنها ستجعل المنطقة أكثر جذباً للاستثمارات والتمويل. وفي ضوء آليات صناعة الطاقة، فإن المشاركين في المنتدى الإلكتروني ألمحوا إلى أن هناك سيناريو محتملا في المنطقة يقوم على إقامة خطين إقليميين لأنابيب النفط، لكنهم رجحوا أن يكون خط أنابيب مشروع بحيرة ألبرت هو الأكثر قرباً من التنفيذ عملياً، في حال أبدت تنزانيا رغبتها في المشاركة بفتح قطاعها النفطي أمام استثمارات كبرى للبنية التحتية برؤوس أموال مشتركة. ويرى خبراء أن مصير تطور مشروع خطوط أنابيب النفط سيرسم ملامح مستقبل صناعة النفط في شرق أفريقيا، ففي الوقت الذي يبدو فيه خيار إقامة خط الأنابيب الشمالي عبر كينيا غير مفضل، فإن السيناريو الذي يطرح نفسه آنذاك يتمثل في تبادر "توتال" بشراء أصول شركة "تولو أويل" في كينيا التي حققت أخيراً العديد من الاستكشافات النفطية، مؤكدين أن حدوث هذا السيناريو سيدير عجلة الرهان في المنطقة. وأكد المشاركون في المنتدى الإلكتروني أن أهم ما في الأمر حالياً أنه بمجرد خروج أول برميل نفطي من مشروع بحيرة ألبرت الأوغندية خلال السنوات المقبلة، فإنه سيقود على الفور إلى إعدادات وتجهيزات كبرى ليس على الصعيد الوطني فحسب بل على المستوى الإقليمي أيضاً. وتمثل حزمة المشروعات المتوقعة سواء بالنسبة لآبار النفط لمشروع "تيلينجا" (بحيرة ألبرت) الأوغندية الذي حازته "توتال"، أو مشروع "كينجفيشر" النفطي المملوك لشركة "كينوك" الصينية، أو مشروع خطوط أنابيب النفط وتكرير الخام في أوغندا والبلدان المجاورة، فرصاً تقدر بمليارات الدولارات لمصلحة الشركات المحلية والوطنية المشاركة، غير أنه في ضوء تدني مستويات أداء صناعة الخدمات النفطية الوطنية وضعف هياكلها، فإن الشراكات الإقليمية والمشروعات المشتركة ستكون وحدها الرهان الرابح لتعظيم الاستفادة من تلك الفرص الكبيرة. ويشير الخبراء إلى أنه مثلما دار الحوار داخل المجتمع المحلي الأوغندي حول تأكيد مدى المنافع التي ستعود من تنمية قطاع النفط على التوظيف وخلق فرص عمل وتقوية القطاع الخاص المحلي، فإن منطقة شرق إفريقيا بأكملها بحاجة إلى مثل هذه القناعة بحشد طاقاتها لدعم المشروعات المشتركة إقليمياً. وحذر الخبراء من أنه ما لم تلتفت الشركات الوطنية لتلك الدعوة للتحرك إقليميا بصورة مشتركة وتجميع خبراتها وطاقاتها سوياً، فإن مشروعات النفط الخام والغاز الطبيعي المتوقعة في المنطقة ستذهب كافة إلى أطراف وشركات ومقاولين أجانب وهو ما سيحرم الشركات المحلية من فرص نمو هائلة. ولفت المشاركون إلى أنه في ظل تلك السياقات والتطورات فإن الحاجة إلى الاستثمار في التعليم والتدريب وتنمية المهارات وصقلها باتت أكثر إلحاحاً عن ذي قبل، مؤكدين أن نجاح قطاع النفط الإقليمي في منطقة شرق أفريقيا سيعتمد بصفة جوهرية على جميع المعنيين والمختصين العاملين في مجالات الطاقة حتى يتمكنوا من صياغة فصول "قصة الطاقة" في شرق القارة وحبك تفاصيلها، وسردها أمام جمهور المستثمرين عن: "فرصة التغيير والنقلة النوعية للأفارقة".