يحسب لدار الشروق جهدها المتميز خلال العام الماضى فى إصدار العديد من الكتب المتنوعة والمتميزة عن ثورة 1919، فى ذكراها المئوية. هذه الثورة كانت حدثا مهما وفارقا فى مصر، رغم الجدل بشأنها، حيث يراها البعض بداية بناء دولة مدنية حديثة، ويراها خصومها أنها فشلت فى طرد الاستعمار الإنجليزى، وأن الاقطاعيين وأعوان الاستعمار تمكنوا من تعويقها. الجدل طبيعى وصحى، وأى نقاش جاد بشأنه مفيد للحاضر والمستقبل، حتى نعرف تاريخنا، والأهم أن نعرفه من وجهة نظرنا، ولا يعقل أن نعرفه فقط من وجهة نظر الآخرين، خصوصا أنهم الطرف الثانى المعادى. مشكلة غياب الرواية الرسمية المصرية، استمعت اليها كثيرا فى مناقشاتى مع المهندس إبراهيم المعلم، الناشر الكبير ورئيس مجلس ادارة الشروق. دار الشروق حاولت وتحاول سد هذه الثغرة، بنشر سلسلة من الكتابات الجديدة عن 1919، يشرف عليها كبار أساتذة التاريخ، بجانب إعادة نشر بعض الكتب الكلاسيكية، التى نفذت منذ فترة طويلة، لكتاب ومؤرخين، عاصروا أحداث الثورة، أو تحدثوا إلى من عاصروها، ونشروا وثائق ورسائل حصلوا عليها منهم. واستمعت إلى نفس المشكلة خلال حضورى ندوة مهمة عقدتها دار الشروق قبل أسبوعين فى مكتبة القاهرة بالزمالك لمناقشة صدور كتابين مهمين جدا عن ثورة 1919. وسمعت المهندس إبراهيم المعلم يقول إن «دار الشروق» مستعدة لنشر أى كتب جادة عن ثورة 1919، وأى أحداث تاريخية مهمة، حتى تعرف الاجيال الجديدة وجهة نظر بلدها عن هذه الثورة أو غيرها. واستمعت لمنى أنيس رئيس تحرير دار الشروق، وهى تتحدث فى نفس الندوة عن زيارتها الاخيرة للارشيف البريطانى فى لندن، حيث اكتشفت آلاف الوثائق عن ثورة 1919، لتحرير وتحقيق كتاب «يوميات لورد ملنر فى مصر.. ووثائق أخرى»، تقديم المستشار الكبير طارق البشرى، وترجمة د. صلاح أبونار. هذا الكتاب المهم، كان باكورة أعمال دار الشروق فى الاحتفال بمئوية ثورة 1919. والشىء المفرح أن سلسلة دار الشروق عن ثورة 19 حازت على أعلى نسبة من تصويت من مشاهدى برنامج «مع منى الشاذلى» المحترم على قناة سى.بى.سى قبل أسابيع قليلة، ما يؤكد ان المصريين، ليس فقط يقرأون، بل ويقرأون الكتب الجادة والتاريخية. ندوة مكتبة القاهرة الاخيرة ناقشت كتابين مهمين جدا وجديدين ايضا، الأول هو «أمريكا وثورة 1919.. سراب وعد ويلسون» للدكتور محمد أبوالغار، وهو كتاب يعتبر الاهم وربما الوحيد فى مجاله، لأن الكثير منا لم يكن يعرف أساسا أى دور لأمريكا فى ثورة 1919. والكتاب الثانى هو «مصطفى النحاس.. مذكرات النفى» لعماد أبوغازى وزير الثقافة الأسبق، وهو يحكى أيضا عما كتبه النحاس خلال فترة منفاه، التى استمرت عاما ونصف العام فى سيشيل فى ديسمبر 1921. هناك أيضا كتاب مهم بعنوان «سعد زغلول يفاوض الاستعمار» للمستشار طارق البشرى، والكتاب يعد دراسة مهمة فى المفاوضات المصرية البريطانية فى الفترة من 1920 إلى عام 1924، شاملا أهم المحطات فى هذه الفترة، ومنها مفاوضات سعد مع البريطانيين، وتصريح 28 فبراير والاستقلال المنقوص، والجدل بشأن السودان قبل وبعد ثورة 1919. ومن الكتب الجديدة التى أصدرتها دار الشروق عن الثورة كتاب صغير الحجم بعنوان «المسألة المصرية من بونابرت إلى ثورة 1919» لمحمد صبرى السوربونى، ترجمة ناجى رمضان عطية، ومراجعة أحمد زكريا الشلق. وبجانب الكتب الجديدة، كانت هناك كتب قديمة، أعادت دار الشروق نشرها للمرة الأولى، مثل ما كتبه الأمير عمر طوسون، بعنوان «مذكرة بما صدر عنا منذ فجر الحركة الوطنية من سنة 1918 إلى سنة 1928»، وهو صدر للمرة الأولى عام 1942». وكتاب «سعد فى حياته الخاصة» لكريم ثابت وصدرت طبعته الأولى عام 1929. وكتاب «الزعيم الخالد وأم المصريين فى جبل طارق» لفهيمة ثابت، وقد صدر للمرة الأولى عام 1946. و«المراسلات السرية بين سعد زغلول وعبدالرحمن فهمى»، للدكتور محمد أنيس وصدر للمرة الأولى عام 1946. وخلال زيارتى الأخيرة لدار الشروق فى مدينة نصر، وقع بصرى على كتب مهمة جدا رغم أنها ليست جديدة، مثل «سعديون أم عدليون.. وفاق وشقاق»، لوزير الاتصالات الحالى الدكتور عمر طلعت، وهو نجل القيادى الوفدى الكبير، المستشار أحمد سميح طلعت، وصدرت طبعته الأولى عام 2010، ومذكرات فخرى عبدالنور، وتقديم مصطفى أمين وتحقيق يونان لبيب رزق، و«تاريخ الوفد» تقديم نعمان جمعة وتحرير جمال بدوى ولمعى المطيعى. كل كتاب من الكتب السابقة يحتاج مقالات وحلقات، والمهم أن يطالع الجيل الجديد تاريخ بلده بصورة صحيحة، ليس فقط تاريخ ثورة 1919، بل كل المفاصل المهمة فى حياتنا، حتى نعرف بالضبط ماذا حدث، وأن نتعلم من هذا التاريخ، حتى لا نكرر الأخطاء.