«لم يعد أحد فى العالم يدعم العيش» تبعا لأحمد جلال مدير منتدى البحوث الاقتصادية وعضو لجنة السياسة الاجتماعية بوزارة التضامن الاجتماعى، لافتا إلى أنه لا يمكن النظر لحل مشكلة الفقراء فى مصر عن طريق سياسات الدعم التى لم تعد تكفى وحدها لانتشال الفقراء من فقرهم، كما أن تسرب كميات كبيرة منه يجعل تكلفته أعلى من مساهمته الحقيقة، مشيرا إلى 75% من دعم الخبز تستحوذ عليه الطبقة المتوسطة بينما يحرم منه المستحقون الحقيقيون له، «أحسن حاجه ألا ندعم أى سلعة، لأن المواطن قد يريد سمنا ونحن نعطى له زيتا، أو أنه يحتاج بنا ونحن نعطى له شايا» على حد تعبيره. وكانت وزارة التضامن قد شكلت لجنة للسياسة الاجتماعية منذ سنتين من أجل وضع تصورات وبدائل مختلفة لبرامج اجتماعية لمساعدة الفئات الفقيرة تضم عددا كبيرا من الباحثين وأساتذة الاقتصاد والاجتماع فى المؤسسات والجامعات المختلفة. وأضاف جلال أن لجنة السياسة الاجتماعية فى وزارة التضامن وضعت تصورا مازال محل بحث يقوم على تقسيم فئات المجتمع حسب احتياجاتهم إلى الدعم، وكل مستوى من هذه الفئات يحتاج إلى معالجة مختلفة. «فهناك فئات مثلا لاتقدر إطلاقا على العمل بسبب إعاقة تمنعها عنه وهذه الفئة تحتاج بالأساس إلى دعم نقدى، بينما هناك فئة أخرى تحتاج إلى الحصول على خدمات صحية وتعليمية تؤهلها للعمل فيجب إعطاء أولوية لها فى هذا الشأن، فى الوقت الذى تحتاج فيه فئة أخرى إلى توفير فرصة للعمل ترفع مستوى دخلها، وبعض الفئات الآخرى لابد من العمل على زيادة أجورها مثل موظفى الدولة، وهذا هو ما تبحثه لجنة السياسة الاجتماعية والتى تضع اقتراحات ببرامج اجتماعية تناسب كل فئة فى المجتمع»، تبعا لجلال. علينا ألا نسير وراء رأى المواطن وتساءل جلال: «لماذا نفرض على الناس سلعا بعينها فى بطاقات التموين ربما هم ليسوا فى حاجة لها، ويحتاجون سلعا أخرى؟ الأفضل أن نعطى لهم الدعم نقدا ليختاروا هم مايشاءون» تبعا لمستشار لجنة السياسة الاجتماعية. وأضاف قائلا «ربما لايفضل صاحب البطاقة التموينية الدعم النقدى لأنه يفكر بمنطق عصفور فى اليد وهو غير واثق من أن الحكومة ستعطى له هذا الدعم إن هى ألغت الدعم السلعى، ولكن يجب ألا نسير وراء رأى المواطن ولكن علينا أن ندرس تجارب الدول الآخرى»، على حد قوله. وقد تبين من استطلاع أجراه مركز معلومات مجلس الوزراء أن 94% ممن تم استطلاع آرائهم لايستطيعون الاستغناء عن البطاقات التموينية، وأن ما يزيد على 68% ممن يستخدمون البطاقات أبدوا رضاهم عن جودة السلع التموينية. ويأتى هذا الرضا بالرغم مما تشير إليه دراسة لهبة الليثى أستاذ الإحصاء بجامعة القاهرة من أن كميات السكر فى البطاقات التموينية لاتكفى إلا لتغطية 19 يوما من الاستهلاك، ولاتكفى كميات الأرز إلا لاستهلاك 21 يوما بينما تصل هذه التغطية إلى 23 يوما بالنسبة للزيت. وأن نصيب الفرد من رغيف العيش المدعم فى الريف يصل إلى 1.9 رغيف بينما فى الحضر يصل إلى 3.1 رغيف. ويشير جلال إلى أن هذا الاستهداف الجغرافى الذى تتبعه الحكومة حاليا، يعتمد على تحديد الأسر المستحقة للمساندة طبقا للمناطق التى يتوقع أن يتركز فيها الفقر فى جميع المحافظات. بحيث يتم التركيز فى البداية على هؤلاء الذين يقطنون فى أكثر المناطق فقرا، يعد حلا مؤقتا فى المدى القصير للوصول بالخدمات لأكثر الفئات احتياجا. ويجب العمل على توفير خدمات مثل التعليم، والصحة والصرف الصحى لهذه الفئات المحرومة ،تبعا لجلال ،وهو ما يؤهلهم لخلق فرص عمل بدلا من الإعانة، «ولكن على المدى الطويل يمكن أن نستهدف الأسر حيث هى سواء فى عشوائيات داخل القاهرة أو فى أقصى الصعيد فى نفس الوقت». يضيف جلال. الحكومة عادت عن اتفاقها مع البنك الدولى «كان البنك الدولى قد قدم للحكومة المصرية نصائح فيما يخص ترشيد الدعم التموينى والمواد البترولية وبعد أن قطعت الحكومة شوطا فى سبيل تطبيقه تراجعت عنه العام الحالى ربما بسبب ظروف الأزمة»، تبعا لشيرين الشواربى كبيرة الاقتصاديين لشئون الفقر فى شمال أفريقيا فى مكتب البنك الدولى بالقاهرة. وأوضحت الشواربى أن البنك نصح الحكومة بأن تستمر فى تقديم الدعم إلى السلع التموينية الموجودة فى البطاقات، ولكن مع وقف إضافة أى مواليد جديدة منذ عام 1988 على البطاقات حتى يأتى وقت تنتهى عنده هذه البطاقات بالتدريج نتيجة لعدم إضافة مواليد جدد. إلى جانب أن البنك نصح بضرورة التشدد فى تطبيق القاعدة التى تعطى الحكومة الحق فى شطب أى بطاقة لم يستخدمها صاحبها لمدة 3 شهور وهى القاعدة التى لم تكن مفعّلة فى الواقع إلا أن الحكومة استمرت فى هذا النهج لفترة ثم عادت فى العام الحالى وفتحت الباب مجددا لإضافة المواليد منذ عام 1988وهذا أوصل عدد البطاقات إلى 65 مليون بطاقة تموينية وهذا يمثل عبئا على الموازنة، على حد تعبير الشواربى. ولفتت خبيرة البنك الدولى النظر إلى أن البنك لم يتطرق إلى دعم الخبز لما له من حساسيات كثيرة وجوانب سياسية، إلا أن البنك نصح بضرورة الاهتمام بالتوزيع الجغرافى للمخابز بما يتناسب مع خريطة الفقر التى تضعها الحكومة اعتمادا على الاستهداف الجغرافى. وأوضحت الشواربى أن البنك أيضا قدم النصح للحكومة أن تقوم بالتخفيض التدريجى للدعم الذى تقدمه الحكومة للمواد البترولية والكهرباء حتى يخفف من العبء على الموازنة. الملف سيظل مفتوحا «بالرغم من أنه ليس هناك أى تفكير حاليا لدى الحكومة أو الحزب الوطنى فى إجراء تعديلات على هيكل الدعم، إلا أنه سيظل ملفا مفتوحا للجدل طول الوقت» تبعا لمصطفى السعيد رئيس اللجنة الاقتصادية لمجلس الشعب. ولفت السعيد النظر إلى أن هذه القضية شائكة لما ينتج عنها من تسرب كميات كبيرة من الدعم إلى غير مستحقيه بينما المستحقون الحقيقون غير قادرين على الوصول إليه. ولكنه نفى أن يكون على جدول أعمال الحزب الوطنى فى مؤتمره السنوى ولا على جدول أعمال اللجنة حاليا، تبعا للسعيد. وتميل أمنية حلمى أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة إلى تأجيل فتح هذا الملف إلا بعد التأكد من وجود سياسات اجتماعية مؤكدة للوصول للفئات الضعيفة فى المجتمع. لأن هناك مخاطر من إلغاء أى دعم الآن فى ظل الأزمة العالمية وما تشير إليه التوقعات من موجة جديدة من الارتفاعات فى عدد من السلع الغذائية عالميا بسبب ظروف المناخ غير المواتية، وما قد تعكسه علينا هذه الظروف العالمية، تبعا لحلمى.