لا تحظى قضية باهتمام المجتمع المصرى والعربى بجميع مستوياته الاجتماعية والفكرية والسياسية مثل قضية تكون النساء طرفا فيها. فقد شغلت قضية شيخ الأزهر وطفلة النقاب الرأى العام بأكمله، ربما أكثر من قضايا الأزمة الاقتصادية وزيادة أسعار السكر والبطالة، التى تضرب بعنف كل بيت فى مصر وربما المنطقة العربية بكاملها، والتى تتمتع بواحدة من أعلى نسب البطالة فى لعالم، ففى قضية النقاب، أظهرت العديد من استطلاعات الرأى سواء العلمية أو على الإنترنت، أن من رأى أن الأمر لا يعنيه هم حوالى ٪2 فقط، أى أن نسبة المهتمين بنقاب الطفلة وحولوها إلى قضية حق المرأة فى الاختيار ما بين مؤيد ومعارض وصلت إلى ٪98. ولا أعرف إن كان هذا الأمر مدعاة للبكاء من فرط السعادة بهذا الاهتمام بحقوق المرأة واعتبارها حقوقا أساسية فى المجتمع يدار حولها المعارك وتقال من أجلها الحكومات، أم مدعاة للضحك من قبيل أن شر البلية ما يضحك، لاستخدام النساء دائما كوقود للمعارك السياسية والمتاجرة بهن لتحقيق أعلى مكسب حتى لو انتهى بدفن النساء أحياء تحت غطاء أسود كثيف، ثم التبارى بالدفاع عنه باسم «حرية النساء فى الاختباء». فقد تصدرت قوى الإسلام السياسى معركة «الحق فى الاختيار لو كان انتحار»، وتحت حملة ابتزاز غير مسبوقة باسم الدين، وقع أغلب نشطاء القوى التقدمية والليبرالية وأيضا نشطاء حقوق الإنسان فى هذا الفخ.. لنلعب جميعا اللعبة الشهيرة عند الأطفال «تشترى كلب، بيهوهو، بيهوهو...». ففى موقعة نقاب الطفلة ظل السؤال الحائر، هل من حق النساء اختيار الملابس المناسبة وكانت الردود دائما «من حق النساء، من حق النساء، من حق النساء،....» وما استوقفنى كثيرا أى نساء نتحدث عن حقوقهن هنا؟ هل من تباروا فى الهجوم على شيخ الأزهر كانوا يدافعون حقا عن حق النساء أم عن أب وضع طفلة فى الصف الأول الإعدادى لم يتجاوز عمرها 12 عاما تحت قماش سميك ليعزلها عن الحياة حتى فى محيط الطفلات الأخريات. ألم نر حقوقا لهذه الطفلة التى لم تبلغ حتى أعتاب الأنوثة، ولم تعرف عن الجسد سوى خرافات حول الفتنة والغواية تؤكد كم الإهانة والمذلة التى تتعرض لها النساء منذ ولادتهن، ولم يقض مضاجعنا أو يقلقنا أن نعطى لهذا الأب أو المسئول عنها الحق بذبح طفولتها تحت أى ادعاء متجاهلين فى غبار المعركة حق هذه الطفلة فى اللعب والحركة وممارسة الرياضة والاضطلاع والمشاركة مع آخرين. حق هذه الطفلة فى أن ترى العالم بعيون منفتحة ترى أبعد من كف يدها؟ أن تتنفس من أنفها هواء لا يحده غطاء وجه يعلم الله وحده إن كان يغسل كل يوم، أم يحمل جراثيم وروائح من كثرة اعتيادها لا تعرف غيرها كرائحة للعالم؟ حق هذه الطفلة لتمد يدها لفمها لتأكل وجبتها دون أن تشعر أن فمها عورة وأن الإسلام أنقذها من الوأد تحت التراب ليئدها والدها تحت النقاب. ألم تكن هذه المعركة فرصة للتوقف ورفض ما نراه يتزايد فى مجتمعنا من وأد البنات، وسواء كان النقاب مكرمة كما يرى البعض أو وأدا مستمدا من بقايا العصر البدوى الجاهلى كما يرى آخرون أو أيا ما كان، من المفترض أن يكون موجها للنساء، لا أن يشمل طفلات فى بعض الأحيان لا يسعهن عمرهن الصغير فى نطق جملة مفيدة وليس لهم الحق فى الاختيار. لكن أجساد البنات والنساء وعقولهن وحياتهن لا تتعدى أن تكون وقودا فى معركة لتصفية بقايا تأثير مصر على العالم العربى والإسلامى، من خلال الهجوم على أقدم جامعة إسلامية، التى طالما مدت العالم بتعاليم إسلام يحترم الإنسان ويكرمه على العالمين، جامعة الأزهر التى أهدت مصر رفاعة الطهطاوى قبل أن تصاب بغبار الصحراء وسواد النفط. فقد ارتفعت الأصوات للنيل من هيبة الأزهر وشيخه بادعاء تعنيفه طفلة بالقول، بنفس القوة التى ارتفعت بالرفض لمنع ضرب الأطفال.. واتهم جميع من دافع عن الأطفال كبشر لهم كرامة وحقوق بأنه يدمر ثقافة المجتمع! وبعيدا عن موقعة طفلة النقاب واستكمالا لمسلسل الاتجار بالنساء وحقوقهن الشخصية، وصل الأمر لبعض المدافعين عن الإسلام ضد الهيمنة الغربية الشرسة إلى استخدام اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة التى صدرت عن الأممالمتحدة 1979، والتى كانت من وجهة نظرهم قبل يوم واحد من موقعة طفلة النقاب أحد أسباب تدمير الهوية الإسلامية وسبب كل البلاء الذى يقع على المرأة المسلمة، فجأة وبعد معركة معها دامت ثلاثين عاما، أصبحت هذه الاتفاقية إحدى أهم أدوات الدفاع عن حق المرأة فى اختيار الملبس الذى تراه مناسبا. وإن كان الأمر كذلك فقد حان الوقت لنهنئ أنفسنا بأن قضايا النساء قد تجذرت فى المجتمع إلى درجة الدفاع عنها إلى حد الاستشهاد، أن ننتهز هذه الفرصة لنضع قائمة ببعض المطالب التى تعد ضمن الحق فى الاختيار. على سبيل المثال لا الحصر حق النساء فى اختيار ملبسهن، ولو كان فاضحا، من دون التعرض للتحرش الجنسى بقلب بارد تأديبا لهن على عدم اختيار ما يراه الرجال صونا من الفتنة، مع التذكير بأن التحرش ينتشر فى عدد من الدول يعد النقاب زيا منتشرا فيها مثل السعودية.. وفى مصر وصل نسبة من تم التحرش بهن رغم لبس عباءة أو إسدال كانت ٪19.6 وبمن تلبس النقاب ٪12 والمحجبات بمختلف أشكاله ٪52.8 أيضا أود أن أضم لهذا الحق، الحق فى اختيار الوظيفة بناء على الكفاءة دون الحديث عن أن مكان المرأة المنزل، أيضا حق المرأة فى اختيار عقيدتها.. ونعتذر جميعا إلى البهائيات التى طالب بعض الإسلاميين بهدر دمائهن لأن البهائية ليست عقيدة، وحق المسلمة أن تنتقل للمسيحية دون أن يهدر دمها، وحق المسيحية أن تنتقل للإسلام دون أن تعتقل فى الدير. وإن كان الكلام عن حق اختيار العقيدة يقلق البعض فربما نكتفى بحق اختيار الزوج، ونعمل على الحد من بيع بناتنا القاصرات فى سوق السياحة الصيفية باسم الزواج. وحق البنات فى اختيار الدراسة المناسبة لهن دون أن نسجنهن فى التصورات النمطية حول ما ينفع المرأة أو ما يضرها. وحق النساء فى الحركة والعمل والمشاركة السياسية، والمعاملة كانسان لا كوقود لمعركة خارجية فى السيادة السياسية على المنطقة ما بين السعودية ومصر أو لمعركة داخلية فى سيطرة الإسلاميين على الحكم وابتزاز المجتمع باسم الدين فى مواجهة حكومة ضعيفة ترتجف فزعا، ليبدى كل من له صلة أسفه وندمه واعتذاره عما بدر منه من أقوال تمت إساءة فهمها، وأن الغرض ليس منع النقاب وإنما لدواعى أمنية وعند البوابات فقط!! حكومة لا تعرف عن الأمن غير الأمن السياسى، فى بلد تحول على أيديها إلى سجن كبير لا نعرف فيه غير البوابات وكمين المرور... لم تسمع هذه الحكومة عن أن أمن المجتمع لا يقتصر على عبور البوابات، إنما يمتد ليشمل كل مناحى الحياة.. منذ ركوب المواصلات العامة إلى التعامل مع الأطباء، مرورا بقيادة السيارات، والتعليم أولادنا، والتعامل مصلحة حكومية أو الحفاظ على احترام البشر بالتواصل فى الأماكن العامة والأندية، وأن أولى خطوات الثقة وضمان الحقوق أن نعرف مع من نتعامل، فليس من حق المنقبات اختيار حرية لا متناهية فى التواصل مع المجتمع، وقمع المجتمع بأكمله عند المطالبة بحقه فى التواصل والأمان.