رئيس جامعة العريش يهنئي السيسي بعيد الأضحى المبارك    سعر الجنيه الإسترليني يبدأ تعاملات اليوم الخميس 5-6-2025 على تراجع    أسعار البيض بالأسواق اليوم الخميس 5 يونيو    آخر تطورات سعر صرف الدولار في البنوك المصرية    محافظ قنا يشدد على حظر الذبح في الشوارع: إجراءات قانونية للمخالفين حفاظًا على النظافة العامة    انخفاض الليمون وارتفاع الثوم.. أسعار الخضار في أسوان اليوم الخميس    هجوم روسي بالطائرات المسيرة على خاركيف يوقع 17 جريحًا    نشاط وزير الخارجية في أسبوع.. لقاءات وزيارات واتصالات مكثفة    واشنطن تعلن اعتقال قيادي بتنظيم داعش في العراق    «ناقد رياضي»: الزمالك استقر على تصعيد ملف زيزو إلى الفيفا    التشكيل المتوقع للزمالك أمام بيراميدز في كأس مصر    اليوم .. الأهلي يبدأ معسكره المغلق في ميامي استعداداً لمونديال الأندية    الهلال يتعاقد مع المدرب الإيطالي إنزاجي    «رئيس بعثة الحج»: تقديم كافة التسهيلات والخدمات لحجاج القرعة في عرفات    ضيوف الرحمن يتوافدون إلى صعيد عرفات لأداء ركن الحج الأعظم    «مسجد نمرة».. منبر عرفات الذي بني في مكان خطبة الوداع    صلاح الجهيني عن فيلم «7 Digs»: «الحبايب كتير ومستني جدًا أتفرج عليه»    موعد ومكان عزاء الفنانة الراحلة سميحة أيوب    «اللهم اجعلني من عتقائك».. أدعية مستجابة لمحو الذنوب في يوم عرفة    رئيس هيئة الرعاية الصحية يتفقد تنفيذ خطة التأمين الطبي بمحافظات القناة ا    6 إرشادات مهمة للتعامل مع الأضحية قبل وبعد الذبح (فيديو)    مسجد نمرة يستعد ل"خطبة عرفة"    موعد أذان المغرب اليوم في القاهرة والمحافظات يوم عرفة.. هنفطر الساعة كام؟    إلى عرفات الله، قصة قصيدة بدأت برحلة هروب واعتذار شاعر وانتهت بصراع بين مطربتين    أيمن بهجت قمر يحتفل بتخرج ابنه: «أخيرًا بهجت عملها» (صور)    «البحر الأحمر» ترفع درجة الاستعداد لاستقبال عيد الأضحى    موعد صلاة عيد الأضحى 2025 في القاهرة والمحافظات    استشهاد 10 فلسطينيين في غارات إسرائيلية على قطاع غزة    إيلون ماسك يهاجم خطة ترامب الضريبية: إفلاس أمريكا ليس مقبولا    زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب بنما ولا تقاريرعن وقوع أضرار    الولايات المتحدة تعلن اعتقال قيادي داعشي    عالم أزهري: أفضل أيام العشر يوم النحر يليه يوم عرفة    شريف بديع ل الفجر الفني: كنت شاهد على تحضيرات ريستارت..ورسالته مهمه وفي وقتها ( حوار)    تهنئة عيد الأضحى 2025 رسمية مكتوبة    كامل الوزير يكشف تفاصيل إنتاج ألبان أطفال (فيديو)    موعد إعلان نتيجة 3 إعدادي محافظة جنوب سيناء الترم الثاني.. رابط الاستعلام بالاسم و رقم الجلوس فور اعتمادها    «بعد توافد الحجاج على جبل عرفات».. كيف يقضي الحاج يومه في أعظم أيام الحج؟    فضل الدعاء في يوم عرفة.. أمين الفتوى يوضح    ترامب يمنع دخول معظم طلاب هارفارد الأجانب بدعوى تهديد الأمن القومي    فرصة تعيين جديدة.. «التعليم» تفتح باب التقدم ل 9354 و ظيفة معلم مساعد في اللغة الإنجليزية بجميع المحافظات    محافظ قنا يستقبل وفدًا من مطرانية الأقباط الأرثوذكس للتهنئة بعيد الأضحى    اليوم.. «بيت الزكاة والصدقات» يقدِّم 4000 وجبة إفطار للصائمين بالجامع الأزهر    عيد الأضحى موسم للتواصل مع الناخبين.. الأحزاب تسابق الزمن استعدادا للانتخابات    إصابة 3 أشخاص إثر انقلاب سيارة ملاكي في الوادي الجديد    المصرية للاتصالات WE تطلق رسميًا خدمات الجيل الخامس في مصر لدعم التحول الرقمي    «اصبر أحنا مطولين مع بعض».. محامي زيزو يتوعد عضو مجلس الزمالك بعد واقعة الفيديو    الإفتاء تحسم الجدل.. هل تسقط صلاة الجمعة إذا وافقت يوم العيد؟    بحضور نجوم الفن.. حماقي وبوسي يحييان حفل زفاف محمد شاهين ورشا الظنحاني    بعد ارتفاع عيار 21 لأعلى سعر.. أسعار الذهب اليوم الخميس 5 يونيو بالصاغة محليًا وعالميًا    نصائح مهمة يجب اتباعها على السحور لصيام يوم عرفة بدون مشاكل    صحة الإسكندرية ترفع درجة الاستعداد القصوى خلال إجازة عيد الأضحى    قبل صدام بيراميدز.. كم مرة توج الزمالك ببطولة كأس مصر بالألفية الجديدة؟    "عاد إلى داره".. الرجاء المغربي يعلن تعاقده مع بدر بانون    نجاة السيناريست وليد يوسف وأفراد أسرته من حادث سير مروع    التعليم العالى تعتزم إنشاء أكبر مجمع صناعي للأجهزة التعويضية    القائد العام للقوات المسلحة ووزير خارجية بنين يبحثان التعاون فى المجالات الدفاعية    الرسوم الجمركية «مقامرة» ترامب لانتشال الصناعة الأمريكية من التدهور    فوائد اليانسون يخفف أعراض سن اليأس ويقوي المناعة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«بيت القبطية».. أسئلة العدل والتعصب
نشر في الشروق الجديد يوم 31 - 10 - 2019

هذه رواية مهمة ومحكمة ومؤثرة، تطرح أسئلة العدل والتعصب، والجهل وغياب العقل، وتشرح بمهارة ثنائية الطاعة والمتاهة، لا يعلو الصوت ولا تفلت الفكرة، وإنما تفتح الحكاية باطن المجتمع بالعمق، من خلال شخصيات تحاكى طبيعة الإنسان الرمادية، وتنعكس عليها ظروف وتقاليد وأفكار راسخة لا تتغير.
«بيت القبطية» لأشرف العشماوى، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية، لا تقنع فحسب بهذه الشهادة عن قرية تتجسد فيها كل العورات، ولكنها تقدم أيضا تناصا واعيا وذكيا مع رواية توفيق الحكيم «يوميات نائب فى الأرياف»، التى يذكرها الراوى وكيل النيابة نادر فايز، أكثر من مرة.
الأمر يتجاوز التحية والإشارة، ويتجاوز حتى استلهام فكرة العلاقة بين العدل والقانون، ومحاكمة الفلاحين على سرقة كوز ذرة فى رواية الحكيم، أو محاكمتهم على زراعة البصل فى رواية العشماوى، ويتجاوز أيضا استلهام مشاهد شهيرة فى رواية الحكيم كمشهد تشريح الجثة، وتمزيق الجسد إلى أجزاء مبعثرة، ولكن دافع التناص الأساسى فى رواية «بيت القبطية» هو أن الدائرة لم تكسر، وأن شيئا لم يتغير، من نائب الحكيم فى النصف الأول من القرن العشرين، إلى منتصف العقد الأول من القرن ال21، أو سنوات مبارك الأخيرة، وهو زمن رواية العشماوى.
فكرة العدل يختبرها العشماوى فى منطقة شائكة تماما، فتنة طائفية تحرق قرية صعيدية اسمها الطايعة، وينطقونها «التايهة»، هى فى الحقيقة طايعة وتايهة، الأغلبية مسيحية، ولكن ملاك الأرض مسلمون، يتناوب السرد اثنان من طالبى العدل كل على طريقته: وكيل نيابة نزيه يذكرنا بنائب الحكيم، وسيلته تطبيق القانون، ورفض تدخل السياسة والسلطة وجبر الخاطر، عدالة يقظة غير معصوبة العينين، أما الصوت الثانى السارد فتمثله هدى يوسف حبيب، المدرسة البائسة الهاربة من قيود القهر والانتهاك والحال المائل، والباحثة عن حريتها فى قرية تغلى بالجهل والفتنة والتعصب، كيف يمكن أن تكون الحياة عادلة معها فى قرية تغيب فيها العدالة؟
صوتان يحملان البناء كله، وجهان لفكرة العدل على مستويين، ونسج ماهر للتفاصيل يعرى كل شىء تقريبا: اجتماعيا ودينيا وأمنيا وسياسيا، تتعقد الحبكة باختبار فكرة العدل فى مواجهة التعصب الدينى، وتتعقد أكثر باختلاط المال بالسلطة بالأرض بحالة المرأة فى مجتمعات مغلقة، ورغم كل هذا التعقيد، ينجح أشرف العشماوى، فى أن يسير بمهارة وسط الألغام: يزعج القارئ، ويواسى شخصياته، وخصوصا هدى البائسة، صاحبة البيت المبروك والملعون معا، أراها تجسد الحصاد المر لمنهج الطاعة، والمتاهة، والقهر، والتعصب، لم ينقذها قانون ولا مسجد ولا كنيسة، هى نموذج بقدر ما هى شخصية من لحم ودم، ولذلك ستورث المتاهة لمن أنجبت، الجميع يرتكبون الأخطاء، وهى فقط من تعاقب.
«بيت القبطية»، مثل رواية الحكيم الملهمة، هى أيضا رواية المجهول المعلوم، القضايا تقيد ضد مجهولين، ولكن الجميع يعرفونهم، ليسوا فقط مجرد أشخاص، ولكنها أفكار كارثية يمثلها رجل الأمن السياسى، أو إمام الجامع المتعصب، الذى تركوا له المنبر والميكروفون، ويمثلها العمدة (رجل السلطة) الذى يدير المعركة لحسابه، فى الروايتين كذلك غموض أسطورى مقصود، وخرافات متوارثة، وحكايات مسكوت عنها، التاريخ حاضر ومتكرر، والمأساة جزء من المكان، ما دام أن شيئا لم يتغير.
يبدو ميزان العدل مختلا فى كل الأحوال، وتبدو ثغرات القانون واسعة، وذمم البشر أكثر اتساعا، موسم قضائى واحد للنائب النبيل فى الطايعة التائهة لا يكفى لصنع العدل، ولا يكفى لإنصاف هدى من زمنها وناسها، العدل مفهوم أشمل من القانون المكتوب، ومن العدالة معصوبة العينين، العدل فى صميم فكرة علاقتنا بالآخر، وفى صميم فهمنا للأديان، وحتى لو فتحت القضايا التى قيدت ضد مجهول، وحتى لو استيقظ ضمير رجل أو اثنين، ستظل المشكلة فى العقول، وفى النار المستترة تحت بيوت القرية، التى أطلقت الدولة عليها اسم قرية «السلام»، وكأن شيئا لم يكن.
هذه الرواية المميزة تختزل كوارثنا فى قرية، ومأساتنا فى امرأة، وترسم خطا من الماضى إلى الحاضر، محذرة من تكرار جديد غالب مدمر فى المستقبل، تقدم الرواية التحية لكل الذين يصارعون النار، تمجد سعى نادر، ونضال هدى، وإنسانية كل من أنقذ مخلوقا من الموت، ولكن شهادة النائب فى الأرياف ستتكرر، طالما ظل المعلوم مجهولا، وطالما ظل الدين لعبة فى الأيدى، بدلا من أن يكون نورا فى القلوب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.