لعل أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ مع بداية دخوله إلى عالم عمل أدبي جديد، هل أحداثه من وحى خيال المؤلف، أم نتاج لتجربة واقعية مر بها أو كان شاهد على أحداثها. وهو السؤال الذي تختلف إجابته من عمل إبداعي إلى آخر. فبعض الأعمال الأدبية قائمة على خيال محض، بينما أعمالاً آخرى تأتى اقتباساً من الواقع الذي يفوق في أحياناً كثيرة خيال المؤلف ذاته، وبعضها يكون مزيجاً بين الاثنين. وربما أبرز مثال على النوع الأخير، هو ما حدث مع الأديب نجيب محفوظ، وقصته الفريدة «الكرنك»، حيث استوحى فكرتها من تجربة أعتقال الروائي سعيد الكفراوي. لتصبح هذه التجربة نواة لواحدة من أبدع القصص التى كتبها محفوظ، مازجاً فيها بين الواقع والخيال، لتحظى القصة بنجاح كبير، ويتم تحويلها إلى عمل سينمائي عام 1975، حمل نفس الاسم، وقام ببطولته كل من: الفنان نور الشريف، شويكار، سعاد حسني. وفي السطور التالية، تستعرض «الشروق» الشرارة الأولى لبداية إحدى تلك الأعمال الأدبية التي حققت نجاحاً ملحوظًاً على الساحة الأدبية خلال الفترة الماضية، للوقوف على بدايتها وطرف الخيط الذي قاد أصحابها إلى تأليفها. ولاستكشاف هل كانت بذرتها محض خيال، أم واقعًا، أم جاء مزيجاً بين الإثنين. البداية كانت عند الكاتب عمرو عزت، وكتابه الأحدث «غرفة 304»، الصادرة عن دار الشروق، وعن قصة الكتاب الذي ظل يداعب خياله لمدة تقارب ال15 عاماً. ويروي عمروعزت، في حديثه ل«الشروق»، أنه لم يتخذ قرارًا بتدوين تجربته في الاختباء عن سلطة والده طوال 35 عاماً، إلا بعد مشاركتة فى ورشة كتابية نظمتها مؤسسة "Media in Co-operation and Transition"، حيث طلب منه كتابة موضوعات بعيدة عن فن الرواية والقصة القصيرة، ليجد أن فكرة تدوين تجربته مع والده هى الفكرة الأنسب لهذه المشاركة. وأضاف صاحب «غرفة 304»، أن تجربته تتشابه إلى حد بعيد مع آلاف الشباب غيره، لأنها تمثل العلاقة القائمة بين الآباء والأبناء. وتابع: «بدأت فى تسجيل تلك السنوات، التى قضيتها في الاختباء من سلطة والدي، ولا يعرف هو عنها شيئا، بالرغم من الصدف العديدة التى كانت تجعله يكتشف بعض ملامحها وأسرارها مع الوقت. ويختتم الكاتب والباحث عمرو عزت، «علاقتي بوالدي كان فيها من الحب والاحترام والصراحة، بقدر ما كان فيها من الاختباء والمناورة الكثير أيضاً. لكنني قررت في لحظة أن أحكي له كيف اختبأت منه خلال ال35 عامًا، وما حدث معي خلال تلك الفترة، والتي كنت حينها أبدي فيها الامتثال التام، ولكن في حقيقة الأمر كان اختفاء ظاهره الامتثال، وهو الأمر الذى كان مريحاً ومرضياً لكلينا. وبعد نشر التجربة أبدى والدي إعجابه الشديد بما قرأ. وغرفة «304»، هو سيرة اختفاء عن الأب، ومناورة معه وحوله، يتناول الأبوة والآباء العديدين فى ساحات الدين والسياسة والثورة والعمل والكتابة والحب والزواج، ويجمع بين صفحاته بين التفاصيل الشخصية والأفكار والشهادات عن الحياة السياسية والاجتماعية والدينية».