لعل أول ما يتبادر إلى ذهن القارئ مع بداية دخوله إلى عالم عمل أدبي جديد، هل أحداثه من وحى خيال المؤلف، أم نتاج لتجربة واقعية مر بها أو كان شاهد على أحداثها. وهو السؤال الذي تختلف إجابته من عمل إبداعي إلى آخر. فبعض الأعمال الأدبية قائمة على خيال محض، بينما أعمالاً آخرى تأتى اقتباساً من الواقع الذي يفوق في أحياناً كثيرة خيال المؤلف ذاته، وبعضها يكون مزيجاً بين الاثنين. وربما أبرز مثال على النوع الأخير، هو ما حدث مع الأديب نجيب محفوظ، وقصته الفريدة «الكرنك»، حيث استوحى فكرتها من تجربة أعتقال الروائي سعيد الكفراوي. لتصبح هذه التجربة نواة لواحدة من أبدع القصص التى كتبها محفوظ، مازجاً فيها بين الواقع والخيال، لتحظى القصة بنجاح كبير، ويتم تحويلها إلى عمل سينمائي عام 1975، حمل نفس الاسم، وقام ببطولته كل من: الفنان نور الشريف، شويكار، سعاد حسني. وفي السطور التالية، تستعرض «الشروق» الشرارة الأولى لبداية إحدى تلك الأعمال الأدبية التي حققت نجاحاً ملحوظًاً على الساحة الأدبية خلال الفترة الماضية، للوقوف على بدايتها وطرف الخيط الذي قاد أصحابها إلى تأليفها. ولاستكشاف هل كانت بذرتها محض خيال، أم واقعًا، أم جاء مزيجاً بين الإثنين. البداية كانت عند الكاتب والروائي، وليد علاء الدين، وروايته الأحدث «كيميا» الصادرة عن دار الشروق، وهي واحدة من أبرز وأغرب القصص الواقعية التي قادت المؤلف لكتابتها. حيث جاءت فكرتها عن طريق الصدفة، حينما كان «علاء الدين» يطالع بعض الكتب ويجمع المعلومات، استعدادًا للسفر إلى مدينة "قونية" بتركيا، في بعثة صحفية، لإعداد كتاب جديد بعنوان «رحلة عن ضريح مولانا جلال الدين الرومي»، بمناسبة الاحتفال بالمئوية الثامنة له، والتي نظمها اليونسكو2007. ويروي «علاء الدين» في حديثه ل«الشروق»، أنه أثناء إنشغاله بدراسة الأعمال التي تتناول حياة «الرومي»، استوقفه الحضور الهامشي لفتاه تُدعى «كيميا»، وكانت زوجة للدرويش الصوفي شمس الدين التبريزي، بخاصة مع ما قراءه في روايتى «بنت مولانا» و«قواعد العشق الأربعون»، اللذان أظهرها بصورة مخالفة للحقيقة، حيث جاءت كفتاة أحبت بل أُغرمت بالتبريزي، وهو ما رأه ينافي الحقيقة متسائلًا: كيف تعشق فتاة عمرها 12 عاماً، رجل تجاوزال62 عاماً؟! وكيف يبدأ هذا العشق، وكيف تترك علاء الدين الرومي، وهو من يعشقها وطلب من أبيه الزواج بها. وهو ما استوقف الكاتب كثيرًا ليقرر الكتابة عنها ومحاولة إنصافها بعد مرور 8 عقود على وفاتها. ويستكمل: عند زيارتي لضريح «الرومي»، وجدت قبوراً عديده حوله، منها قبر زوجاته وأبنائه وجيرانه وأحبابه، لكنى لم أإجد قبراً ل«كيميا»، فسألت المرشد السياحي عن السبب، فقال لي «لم يكن لها أهمية، فربما تجده في مقابر الصدقة، فشعرت بطعنة خنجر، فأياً كانت هذه الفتاة فمن الطبيعي أن يكون للإنسان ولروحه قيمة، فما بالنا بفتاة تربت في بيت «الرومي»، وكبرت وأهداها إلى رفيقه شمس التبريزي، ثم تموت ولا يوجد لها قبراً بجواره، ومن هنا بدأت فكرة البحث عن حقيقة «كيميا»، لكي أصحح الأكاذيب التي أُشيعت عنها في التاريخ لصالح أسطورة الرومي وشمس التبريزي ولأثبات حقيقة علاقتهم بها.