منذ أن تطأ قدماك أرض المتحف المصري، ترى دينا فتحي -خريجة كلية الآداب قسم الفلسفة بجامعة القاهرة- مفترشة أرض إحدى الزوايا الجانبية بالمتحف على مقربة من باب الخروج، بلوحاتها التي رسمتها بيدها، ومعها أقلامها، وتضع أمامها لوحتها الجديدة التي تعمل عليها من أمام أحد التماثيل التي لاقت إعجابها مقررة رسمها، وسط إقبال زوار المتحف من الأجانب والعرب مبدين إعجابهم بفنها. دينا، الفتاة الثلاثينية، نمت موهبة الرسم لديها منذ الصغر، وتحديدا عندما كانت طفلة بالمرحلة الابتدائية، عندما بدأت في رسم الشخصيات الكرتونية المحببة إليها، لتتذكر ضاحكة: "كنت بحب أرسم الشخصيات الكرتونية وأنا صغيرة، فرسمت بكار وتوم وجيري، وفي ثانوي، كنت بارسم على ضهر الكشكول، وأنا قاعدة مستنية حصة الدرس تبدأ". حلم دينا بدخول كلية الفنون الجميلة راودها منذ الصغر، إلا أنه كان للقدر وتنسيق الثانوية العامة خطط أخرى جعلتها لا تستطيع اللحاق بحلمها فالتحقت بكلية أخرى، وبالرغم من ذلك ظلت تتفنن وترسم الكثير من اللوحات، إلى أن دعاها يومًا دكتورها بكلية الآداب قسم الفلسفة لحضور ندوة حول "علاقة الفلسفة بالفن"، وطالباها بأن تجلب لوحاتها على "فلاشة" لعرضها على الحضور في الندوة. كان ياسر منجي، الدكتور التشكيلي بكلية الفنون الجميلة، من بين الحضور، الذين لاقت الرسومات إعجابهم، فنصحها بالتقديم في القسم الحر بكلية الفنون الجميلة، فكانت هذه المرة الأولى التي تجري فيها الرياح بما تشتهي السفن، لذلك لم تترد دينا لحظة وهمت بدفع رسوم الالتحاق بالقسم، التي كلفتها 2500 جنيه؛ لتلتحق بدبلومة مدتها 3 أشهر، وتضفي لشهادتها شهادة أخرى لطالما حلمت بها. 3 أشهر تلقت فيها دينا فنون الرسم بدءا من التخطيط بالقلم الرصاص مرورًا بالتظليل والطبيعة الصامتة والأجسام، انتهاء برسم الأشخاص و"البورتريه"، كانت خلال هذه الأشهر الثلاثة تحرص على زيارة المتحف المصري للتدريب على الرسم، لكنها لم تنقطع عن تلك العادة حتى الآن. وكأي موهبة لابد أن تمر بتحديات، فقد اعترض والدها على عملها بالرسم، قائلا لها: "الرسم ده يا بنتي مبيأكلش عيش"، لتقرر دينا التقديم في تعيينات الوزارة كمدرسة فلسفة بإحدى المدارس، الطلب الذي باء بالرفض كون الأولوية للأقدم سنًا، لم تيأس دينا وقدمت بعدد من المدارس كمدرسة إشراف اجتماعي حسب تخصصها الدراسي، إلى أن شارت عليها صديقتها بفكرة تكسب منها العيش وتمارس موهبتها أيضًأ، وهي تقديم سيرتها الذاتية كمدرسة رسم، وبالفعل تم قبولها بعد أن لاقت رسوماتها إعجاب إدارة المدرسة. بجانب عملها كمدرسة رسم، كانت دينا تعرض رسوماتها بإحدى المجموعات على "فيسبوك"، تدعى "عالم الفن"، حيث تضم فنانين وموهوبين من مختلف أنحاء العالم، لتلفت رسوماتها نظر معدة برامج بقناة النيل الثقافية، التي هاتفتها لإجراء مقابلة تلفزيونية توضح بها علاقة الفن بالفلسفة ببرنامج "يوم جديد"، وبعد انتهاء الحلقة نصحها مقدم البرنامج بإنشاء صفحتها الخاصة بها على "فيسبوك" لتعرض بها أعمالها أولا بأول، فكانت الصفحة "قلم رصاص". "إصرارها على حلمها" لاحظه والديها؛ مما أجبرهما على احترام رغبتها والإيمان بها: "ماما دلوقتي بتتمنى إني أرسمها"، وبعد 3 أشهر انتقلت دينا إلى مدرسة الحامدية الشاذلية للغات بالمهندسين، والآن هي تتم عامها الثامن كمدرسة رسم بالمدرسة. • طقوس الفتاة في الرسم داخل المتحف تذهب الفتاة المقيمة بشارع القومية بوراق العرب في الجيزة، لزيارة المتحف مرتين؛ لتنهي لوحة من لوحاتها، بعد أن تتجول ساعة أو أكثر، إلى أن تهتدي إلى تمثال يعجبها، مقررة رسمه، وأحيانًا أخرى قد تذهب للمتحف وتعود دون جدوى: "ممكن ألف المتحف كله، وأروح زي ما رحت زي ما جيت"، وبعد اختيار التمثال تجلس أمامه واضعة سماعات الأذن بأغاني عمرو دياب: "بحب عمرو دياب أوي وخصوصًا أغنية (تملي معاك)". "شهر 11 وش الخير"؛ هكذا قالت عنه دينا، فقد قامت فيه بندوة ومقابلة تلفزيونية وشاركت بمعرض أقيم بساقية الصاوي واختتمته ببدء عرض رسوماتها في جريدة القاهرة، حيث لاحظت صديقة أختها مساعد رئيس التحرير، أثناء اجتماعهن في إفطار رمضان، رسوماتها بمحض الصدفة، وطلبت منها نشر الرسومات بالجريدة، وتعاقدت معها لمدة 3 أشهر، ولكنها لم تستطع أن تكمل بسبب الدبلومة واعتذرت منهم مؤقتًا إلى عودة قريبة: "أحاول التوفيق بينها وبين الدبلومة والمجئ للمتحف لإشباع هوايتي.. أنا حلمي كبير والمشوار لسه طويل". 5 لوحات قامت بإنهائهم بعد ذهابها حوالي مرتين للمتحف عقب انتهاء الدبلومة بمنتصف رمضان، بغية التدريب والمران أكثر استعدادا لمعرض من المقرر إقامته بشهر 10 المقبل بالكلية. بجانب كل هذا، تقوم فتحي أحيانًا برسم بورتريهات مخصوصة مقابل مبالغ مالية، تختلف في مقاساتها وأيضًا أسعارها على حسب الحجم، ولكن المؤكد أنها تقوم بتخفيض 50 جنيهًا على كل لوحة؛ كونها تسعى للوصول للناس أكثر من الربح، فتبدأ ب150 وتنتهي ب300 جنيه، موضحة ارتفاع أسعار الخامات والألوان والأقلام والبرواز وخاصةً الورق الملون الذي يطلبه الكثير من الزبائن والذي يبرز ويضفي جمالا للبورتريه.