تداول 24 ألف طن بضائع بمواني البحر الأحمر    حملات مكثفة لتطهير الترع والمصارف بالفيوم حفاظًا على الزراعة وصحة المواطنين    عاجل- موسكو تجمع الكبار: السيسي و«شي جين بينج» يؤكدان دفء العلاقات الثنائية وتكامل الرؤى    ستيف ويتكوف: ترامب يؤمن بالسلام عبر القوة ويفضل الحوار على الحرب    محمد صلاح يفوز بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي    الأرصاد: غدًا طقس شديد الحرارة نهارًا معتدل ليلًا    حريق في عدد من المنازل بعزبة البهنساوى ببنى سويف بسبب ارتفاع درجات الحرارة    الزمالك يتقدم على المقاولون بهدف في الشوط الأول بدوري الكرة النسائية    الدوري الألماني.. توماس مولر يشارك أساسيا مع بايرن في لقائه الأخير بملعب أليانز أرينا    ترامب يوجه رسالة إلى الصين: الأسواق المغلقة لم تعد مجدية    الزمالك يحدد جلسة تحقيق جديدة مع زيزو    النيابة تصرح بدفن جثة شاب غرق بترعة أبيس في الإسكندرية    حقيقة إغلاق بعض بيوت الثقافة التابعة للهيئة العامة    بشرى ل"مصراوي": ظهرت دون "مكياج" في "سيد الناس" لهذا السبب    شهادات مزورة ومقر بدون ترخيص.. «الطبيبة المزيفة» في قبضة المباحث    مصرع عنصرين إجراميين في مداهمة بؤرًا خطرة بالإسماعيلية وجنوب سيناء    الضرائب: 9 إعفاءات ضريبية لتخفيف الأعباء وتحفيز الاستثمار    محافظ الشرقية يطمئن على نسب تنفيذ أعمال مشروعات الخطة الإستثمارية للعام المالي الحالي بديرب نجم    أمين الفتوى: المعيار الحقيقي للرجولة والإيمان هو أداء الأمانة والوفاء بالعهد    السديس في خطبة المسجد الحرام يحذر من جرائم العصر الرقمي والذكاء الاصطناعي    «المستشفيات التعليمية» تنظم برنامجًا تدريبيًّا حول معايير الجودة للجراحة والتخدير بالتعاون مع «جهار»    تكنولوجيا التطبيب "عن بُعد".. إطلاق مشروع التكامل بين مراكز زراعة الكبد والجهاز الهضمي    عقب أدائه صلاة الجمعة... محافظ بني سويف يتابع إصلاح تسريب بشبكة المياه بميدان المديرية    البابا لاون الرابع عشر في قداس احتفالي: "رنموا للرب ترنيمة جديدة لأنه صنع العجائب"    الشباب والرياضة تنظم الإحتفال بيوم اليتيم بمركز شباب الحبيل بالأقصر    التموين تعلن آخر موعد لصرف الدعم الإضافي على البطاقة    استلام 215 ألف طن قمح في موسم 2025 بالمنيا    قناة السويس تدعو شركات الشحن لاستئناف الملاحة تدريجيًا بعد هدوء الهجمات    وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يؤديان صلاة الجمعة بمسجد الدكتور عبد الحليم محمود    جامعة القاهرة: أسئلة امتحانات الترم الثاني متنوعة لضمان العدالة    تنفيذ فعاليات حفل المعرض الختامي لأنشطة رياض الأطفال    المستشار الألمانى يطالب ترامب بإنهاء الحرب التجارية وإلغاء الرسوم الجمركية    مروان موسى: ألبومي الأخير نابع من فقدان والدتي    أحمد داش: جيلنا محظوظ ولازم يوجد صوت يمثلنا    المنظمات الأهلية الفلسطينية: غزة تواجه أوضاعا خطيرة بسبب القيود الإسرائيلية    "موسم لا ينسى".. صحف إنجلترا تتغنى ب محمد صلاح بعد جائزة رابطة الكتاب    جدل فى بريطانيا بسبب اتفاق ترامب وستارمر و"الدجاج المغسول بالكلور".. تفاصيل    هل يجوز الحج عن الوالدين؟ الإفتاء تُجيب    رئيس جامعة الإسكندرية يستقبل وفد المجلس القومي للمرأة (صور)    رئيس الوزراء يؤكد حِرصه على المتابعة المستمرة لأداء منظومة الشكاوى الحكومية    5 نصائح للتخلص من الشعور بالحر في العطلة الأسبوعية    الزمالك في جولته الأخيرة أمام المقاولون في دوري الكرة النسائية    10 لاعبين يمثلون مصر في البطولة الأفريقية للشطرنج بالقاهرة    محمد عبد الرحمن يدخل في دائرة الشك من جديد في مسلسل برستيج    دمياط: قافلة طبية تحت مظلة حياة كريمة تقدم العلاج ل 1575 شخصا    أبو بكر الديب يكتب: مصر والمغرب.. تاريخ مشترك وعلاقات متطورة    13 شهيدا وهدم للمنازل.. آخر تطورات العدوان الإسرائيلي في طولكرم ومخيميها    المتحف المصري الكبير يستقبل 163 قطعة من كنوز الملك الذهبي توت عنخ آمون    سائح من ألمانيا يشهر إسلامه داخل ساحة الشيخ المصرى الحامدى بالأقصر..فيديو    كاف اعتمدها.. تعرف على المتطلبات الجديدة للمدربين داخل أفريقيا    ضبط دقيق مجهول المصدر وأسطوانات بوتاجاز مدعمة قبل بيعها بالسوق السوداء بالمنوفية    محافظ القليوبية يستقبل وفد لجنة الإدارة المحلية بمجلس النواب لتفقد مستشفى الناس    حفيدة الشيخ محمد رفعت: جدى كان شخص زاهد يميل للبسطاء ومحب للقرآن الكريم    تحقيقات موسعة في العثور على جثة متعفنة داخل منزل بالحوامدية    الموافقة على الإعلان عن التعاقد لشغل عدة وظائف بجامعة أسيوط الأهلية (تفاصيل)    إعلام إسرائيلي: تفاؤل أمريكى بإمكانية التوصل إلى اتفاق بشأن قطاع غزة    بسبب الأقراص المنشطة.. أولى جلسات محاكمة عاطلين أمام محكمة القاهرة| غدا    التنمر والتحرش والازدراء لغة العصر الحديث    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عالم إفريقيا كما رآه حلمى شعراوى
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 05 - 2019

تكاد تكون سيرة حلمى شعراوى الذاتية التى يضعها بين أيدينا والتى أصدرتها دار العين اليوم نادرة من نوعها لأنها بحكم مسيرته هى الملف الذى أسقطته مصر من حساباتها حينما وضعت 99٪ من أوراق مصيرنا فى يد الولايات المتحدة الأمريكية فى نهاية السبعينيات مع كامب ديفيد ولم تسترده وأتحدث هنا عن إفريقيا إلا مع العقد الثانى من الألفية الجديدة.
ثلث صفحات سيرة شعراوى أو أكثر هى عن هذه المسيرة التى بدأت فى 5 شارع أحمد حشمت بالزمالك مقر ما كان يسمى وقتذاك بالرابطة الإفريقية، مقر حركات التحرر الإفريقية وأصبحت الآن الجمعية الإفريقية، والتى خرج من جنباتها زعماء ورؤساء تولوا رئاسة بلادهم، فى زمن عبدالناصر.
وإذا كانت سيرة شعراوى تجول فى حياته وتجاربه وبعضا من مشاعره، فإنها فى الحقيقة تؤرخ لجانب مهم من تاريخ مصر فى لحظة من لحظات إدراكها التاريخية لذاتها الإفريقية، ولروحها المتشابكة مع القارة منذ فجر تاريخ قطعه استعمار شرقى عثمانى، وغربى فرنسى إنجليزى، فانقطعت السبل بين طريق دارو فى صعيد مصر وتمبكتو فى مالى، وتاه المصريون أزمانا عن أفريقيانتهم.
المسألة الثانية فى هذه الرحلة أنها قد وفرت لصاحبها، ولتلاميذه من بعده والذى يحرص دائما على أن يرفدهم بخلاصة خبراته أقول وفرت معرفة بجذور القضايا الإفريقية الممتدة منذ ولادة دول الاستقلال الوطنى، وحتى وقتنا الراهن، وهى معرفة مقرونة بخبرات ميدانية وعلاقات شخصية عمقها صاحبها بقراءات ومتابعات، جعلت شعراوى يمتاز بنوع من الخبرات هى قليلة نسبيا فى مصر حاليا، وإن كانت قيد تشكل جديد لجيل جديد يتفاعل راهنا فى أطر جديدة سواء فى مؤتمرات الشباب التى تحرص مصر أن تكون بعضويتها حضور إفريقى لافت، أو منتديات وزارة الشباب خاصة المدرسة الإفريقية، وأخيرا ما يقدمه شعراوى نفسه فى إطار مركز البحوث العربية والإفريقية، وخاصة مجموعة أفريقانيون التى تلتئم شهريا لمناقشة القضايا الإفريقية، وتعد بدورها معملا جاذبا لتكوين الخبرات المصرية الجديدة فى المجال الإفريقى.
ولعلى فى هذا السياق لا أنس أن أشير إلى حرص الرجل الممتد على إقامة شبكات تفاعل مع العاملين بالدراسات الإفريقية فى كل أنحاء مصر حاليا، بل ويخصص جائزة سنوية للدراسات الشابة المتميزة فى هذا المجال.
أما المسألة الثالثة فهى ضرورة الإشادة بالاهتمام بالتوثيق فى هذه السيرة؛ والحرص على هيكلتها، وتقسيمها تقسيما مريحا للقارئ بشكل جاذب، بل أنه وفى إطار كل قسم خصوصا وأن عمل حلمى شعراوى فى رئاسة الجمهورية (1960 1974)، قد أعطاه فرصه توثيق تفاعلاته مع كل المؤسسات المصرية المتداخلة مع السياسات المصرية فى إفريقيا مقدما مشاكلها فى الماضى، وتقييمه لها، وطبيعة علاقتها وتفاعلاتها فى هذا الزمن البعيد نسبيا، ولكنه وفى ذات الوقت لا يبخل علينا بتقديم رؤى للواقع المعاش فى مصر راهنا.
***
وفى هذا السياق يكشف شعراوى وثيقة هامة تشير إلى أن مصر عبدالناصر لم تترك التفاعل مع إفريقيا رهين تنسيقا غائبا أو آليات بيروقراطية تتصارع أحيانا كما نعرف، بل أنها قد صاغت سياستها وفق تخطيط مركزى منذ يناير1956 صدر به قرارا جمهوريا، بتشكيل اللجنة العليا للشئون الإفريقية تابعة لرئاسة الجمهورية، وهى اللجنة التى صاغ منطلقاتها وآليات عملها عبدالمنعم القيسونى (19871916) وزير المالية والاقتصاد ثم التخطيط وقتذاك، حيث نشرت مجلة روز اليوسف خبر إنشاء اللجنة ومجالات عملها، إذن نجاح مصر فى فترة عبدالناصر فى إفريقيا يعود بالأساس إلى تكوين هذه اللجنة تابعة لرئاسة الجمهورية فيكون النظام قد نجا من تقاتل البيروقراطية فيما بينها أو تقاعسها، أو تفريغ السياسيات من مضمونها كما نشهد حاليا أحيانا.
المسألة الرابعة أن كاتب هذه السيرة بذل جهدا بحثيا منظما فى كتابتها فهو لم يعتمد على الذاكرة فقط، ولكنه أيضا حرص على الرجوع لكتابات ومراجع ووثائق عن هذا الفترة أنعش بها ذاكرته من ناحية، وأخرج سفرا مميزا من ناحية أخرى لم يركن فيه إلى تمجيد الذات كما فعل أقرانه فى سير ذاتية نعلم أن حجم الواقعى فيها قد يكون قليلا.
***
أما عن السيرة لمن لم يقرأها فتروى خطوة حلمى شعراوى الأولى فى هذه الرابطة الإفريقية التى كانت مصادفة عام 1956 وقبل تخرجه من الجامعة بعام وذلك بصحبة صديقه الذى كان يقابل قريبه «عبدالعزيز إسحق» يصفه شعراوى بنصف الصعيدى باعتباره من محافظة المنيا القابعة فى مصر الوسطى.
وحينما يطلق حلمى شعراوى هذه الصفة على إسحق ينقل لنا تقدير مصرى ممتد تاريخيا للهويات الثانوية فى مصر، وهو أمر يكرره كثيرا فى سيرته الذاتية، فربما هنا يقوم بهوايته فى الاهتمام بالأنثروبولوجيا التى طرق بعض أبوابها فى صدر شبابه من بوابة الفلكلور وهو الرجل خريج قسم الاجتماع كلية آداب القاهرة عام 1958.
رحلة شعراوى فى رحاب الرابطة الإفريقية، جعلته يلتقى بأفارقة رموز فى بلدانهم أو مجتمعاتهم المحلية، وأيضا بدبلوماسيين مصريين عاملين فى سفاراتنا بإفريقيا فيصف لنا كيف كان لهؤلاء إدراكا ووعيا بأهمية أدوارهم متجاوزين مسألة مهام الوظيفة إلى رحاب المسئولية الوطنية، كما يعدد أسماء هؤلاء الأكاديميين المعنيين بتدشين معهد البحوث والدراسات الإفريقية، كما عدد بعد ذلك أسماء وممثلى حركات التحرر الوطنى فى القاهرة بجدول لم ينس فيه أحد رغم أنه قد كتب سيرته ما بين2016 2018 أى بعد خمسين عاما تقريبا من الحدث.
ولعل إشارة شعراوى إلى مجلة نهضة إفريقيا التى كانت صادرة عن الرابطة الإفريقية، مهمة من زاوية اهتمام الرابطة بإتاحة الفرصة لتلاقى الذهنيات الإفريقية على صفحات المجلة سواء كانت مصرية أم من ربوع القارة، وذلك فى جدل مهم حول تجليات القارة الثقافية بتنوعاتها من ناحية، وقضاياها المصيرية من ناحية أخرى، وهى تجربة تبدو لنا درسا مهما وصالحة للتكرار متى توافرت إرادة سياسية فى الجمعية الإفريقية الراهنة، أو القائمين على تفعيل أدوات غير رسمية للاهتمام بالقارة الإفريقية.
ويمكن القول أن مؤتمر الشعوب الأفرو أسيوية كان نقطة فارقة فى مسيرة شعراوى حتى أن تاريخ انعقادها لا يفارق ذاكرته فى 31 ديسمبر 1957، ففى هذا المؤتمر قابل زعماء حركات التحرر الوطنى الإفريقى وامتدت صداقته بهم، كما أنه قد انبثق عن هذا المؤتمر قرار لعبدالناصر بتشكيل سكرتارية الشعوب الأفرو آسيوية فى ربيع 1958 برئاسة يوسف السباعى (1917 1978)، وهو الرجل الذى تولى حقيبة الثقافة المصرية فيما بعد.
***
وإلى جانب الرابطة الإفريقية كان هناك بيت شرق إفريقيا وهو درس ثان لنا هذه الأيام وهو البيت الذى رعى فيه شعراوى قيادات سياسية واجتماعية من إرتيريا والصومال وغيرهما؛ وكانت مخرجات هذه الفترة على المستوى التوثيقى، مجموعة من الأوراق عبارة عن محاضر لقاءاته برموز حركة التحرر الإرتيرى عام 1958 ولكنه تخلص منها للأسف فى فترة لم يذكرها، وسرعان ما كفر عن ذنبه الكبير هذا فى حق المؤرخين، وذلك بتسجيل 13 شريطا مسجلا مع 13 قيادة إرتيرية تم نشر مستخلصاتها فى دراسة بمجلة السياسية الدولية 1977وكتابه «إفريقيا قضايا التحرر والتنمية».
رحلة شعراوى فى بيت شرق إفريقيا استمرت قرابة العامين، حتى صدر قرار تعيينه عام 1960 باحثا فى الشئون الإفريقية برئاسة الجمهورية المصرية، وبهذه الصفة بدأ شعراوى تعميق صلاته بعالم مصر الإفريقى وتعمقت قدراته فيما يتعلق بتقدير المواقف بشأن المجريات السياسية هنا أو هناك التى وإن كنت أوافق على أكثرها إلا أن تقييمه لدور صلاح سالم فى السودان اختلف عليه فقد وقع شعراوى فى التقييم العام الذى يسود مصر عن أن سالم مسئول عن انفصال السودان بينما هو كان مجرد كبش فداء للفشل المصرى الناتج عن تطلعات النخب السودانية نحو الاستقلال عن كل من مصر وبريطانيا أكثر منه فشل لصلاح سالم عضو مجلس الثورة المصرى.
لعب أصدقاء شعراوى أدوارا مفصلية فى مسيرته فكما كان صديقه فتحى صالح يذهب لمقابلة قريبه فى الرابطة الإفريقية عبدالعزيز إسحق فيدلف شعراوى إلى طرق باب الاهتمام بإفريقيا إلى أن يكون من رموز العاملين فى شئونها بمصر، فإن صديقه الآخر عبدالحميد حواس يذهب إلى مركز شرباص دمياط وتلعب والدته الدور الأهم فى زواجه من السيدة الجليلة توحيدة توفيق هذه السيدة العظيمة التى وقفت إلى جانب شعراوى محتملة مسيرة صعبة لرجل عنيد تأثرت تركيبته الوجدانية فى رأيى بكونه كان قريبا يوما من سلطة كاريزمية، لعبدالناصر ومحمد فايق كل بطريقته، ولكنه حافظ دوما على روح متسامحة وخلق نبيل جعلته أخا وصديقا للجميع، فقد وضعنا نحن تلامذته ومريديه فى زمرة أولاده الدكاترة أيمن ومى اللذين ورثا قبسا من ضياء روح والديهما النبيلين، وورثا أكثر عن شعراوى ربما انحيازه لضعفاء المصريين من الفقراء، فأعطوا ولا يزالون الكثير فى مجال العمل الأهلى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.