فى كتابه «القرآن وعلم النفس» الصادر فى اثنتى عشرة طبعة عن دار «الشروق»، يُبحر عالم النفس محمد عثمان نجاتى (1914 2000 م)، عبر عشرة فصول، فى كتاب الله مفصًلا كيف عالج النص القرآنى المحكم، إدراك الإنسان ودوافعه، وانفعالاته، وصولًا إلى أنماط الشخصية، بل والعلاج النفسى. فى السطور التالية، نورد ما لخصه نجاتى حول انفعالات الإنسان فى القرآن الكريم، وفى مقدمتها: «انفعال الخوف». ويقرر المؤلف بداية، أن حكمة الله تعالى اقتضت أن يزوّد الإنسان والحيوان كذلك بانفعالات تعينهما على الحياة والبقاء. فانفعال الخوف، مثلًا، يدفعنا إلى تجنب الأخطار التى تهدد حياتنا. وانفعال الغضب يدفعنا إلى الدفاع عن النفس، وإلى الصراع من أجل البقاء. وانفعال الحب هو أساس تآلف الجنسين وانجذاب كل منهما إلى الآخر من أجل بقاء النوع. ويشير نجاتى إلى العلاقة بين دوافع الإنسان وانفعالاته، كبيرة، فالدوافع تكون عادة مصحوبة بحالة وجدانية انفعالية. فحينما يشتد الدافع ويعاق عن الإشباع فترة من الزمن تحدث فى الجسم حالة من التوتر. وتصاحب ذلك عادة حالة وجدانية مكدِّرة، وإشباع الدافع يكون مصحوبًا بحالة وجدانية سارة. ثم إن الانفعال يقوم بتوجيه السلوك مثل الدافع. فانفعال الخوف يدفع الإنسان إلى الهرب من الخطر، وانفعال الغضب يدفعه إلى الدفاع عن النفس، وقد يدفعه إلى العدوان، وانفعال الحب يدفعه إلى التقرب من موضوع حبه. وخلال سطور القرآن الكريم، يجد القارئ وصفا دقيقا لكثير من الانفعالات التى يشعر بها الإنسان، مثل الخوف، والغضب، والحب، والفرح، والكره، والغيرة، والحسد، والندم، والحياء، والخزى. ويذهب المؤلف إلى أن انفعال الخوف من الانفعالات المهمة فى حياة الإنسان، لأنه يعينه على اتقاء الأخطار التى تهدده مما يساعده على الحياة والبقاء. ولا تقتصر فائدة الخوف على وقاية الإنسان من الأخطار التى تهدده فى حياته الدنيوية، وإنما من أهم فوائده أيضا أنه يدفع المؤمن إلى اتقاء عذاب الله فى الحياة الآخرة، فالخوف من عقاب الله يدفع المؤمن إلى تجنب الوقوع فى المعاصى، وإلى التمسك بالتقوى والانتظام فى عبادة الله وعمل كل ما يرضيه. قال تعالى فى الآية الثانية من سورة الأنفال: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ». وبعدما يورد نجاتى، المعنى نفسه، متكررًا فى أكثر من آية قرآنية، يعلق قائلًا: «وانفعال الخوف حالة من الاضطراب الحاد الذى يشمل الفرد كله. وقد وصف القرآن هذا الاضطراب الشديد بالزلزال الشديد الذى يهز الإنسان هزًا شديدًا، فيفقده القدرة على التفكير والسيطرة على النفس». ومن أنواع الخوف التى ذكرها القرآن الكريم: الخوف من الله، والخوف من الموت، والخوف من الفقر. ويقول نجاتى: «الخوف من الله خوف هام فى حياة المؤمن، فهو يدفعه دائمًا إلى تقوى الله واسترضائه، واتباع منهجه، وترك ما نهى عنه، وفعل ما أمر به. ويعتبر الخوف من الله ركنًا فى الإيمان به، وأساسًا هامًا فى تكوين شخصية المؤمن». ويدلل الكتاب على أهمية الخوف من الله، بعدد من الآيات القرآنية، لعل أبرزها الآية رقم 13 فى سورة الزمر، حيث يخاطب المولى عز وجل رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، بالقول: «قُلْ إِنِّى أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّى عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ». ويعود نجاتى ليؤكد أن الإيمان الصادق بالله يؤدى إلى التخلص من الخوف من الموت «لأن المؤمن يعلم يقينًا أن الموت سينقله إلى الحياة الآخرة الخالدة التى ينعم فيها برحمة الله ورضوانه». وكذلك الأمر بالنسبة للخوف من الفقر «فالمؤمن الصادق الإيمان يعلم يقينًا أن الرزق بيد الله».