فى كتابه «القرآن وعلم النفس» الصادر فى اثنتى عشرة طبعة عن دار «الشروق»، يبحر عالم النفس محمد عثمان نجاتى (1914 2000 م)، عبر عشرة فصول، فى كتاب الله مفصلا كيف عالج النص القرآنى المحكم، إدراك الإنسان ودوافعه، وانفعالاته، وصولا إلى أنماط الشخصية، بل والعلاج النفسى. فى السطور التالية، نورد ما لخصه نجاتى من سمات لشخصية المؤمن فى القرآن الكريم: ذكر الله سبحانه وتعالى المؤمنين فى كثير من الآيات فى معظم سور القرآن، ووصف سلوكهم فى كثير من مجالات حياتهم؛ فى عقيدتهم، وعبادتهم، وأخلاقهم، وعلاقاتهم مع غيرهم من الناس، وفى علاقاتهم الأسرية، وفى حبهم لطلب المعرفة، وفى حياتهم العملية وسعيهم فى طلب الرزق، وفى سماتهم البدنية. ويحدد نجاتى تسعة مجالات عامة من مجالات السلوك، التى وردت فى القرآن حين تحدث عن سمات المؤمنين. والمجالات التسعة هى: العقيدة، والعبادات، والعلاقات الاجتماعية، والعلاقات الأسرية، والسمات الخلقية، بالإضافة إلى الانفعالية والعاطفية، والعقلية والمعرفية، فضلا عما يتعلق بالحياة العملية والمهنية، وصولا إلى السمات البدنية. ويذهب مؤلف الكتاب إلى أن كل مجال من تلك المجالات العامة لسمات المؤمنين، يضم سمات أخرى فرعية كثيرة تتعلق كل منها بناحية خاصة معينة من السلوك. فالسمات التى تتعلق بالعقيدة تضم: الإيمان بالله، وبرسله، وكتبه، وملائكته، واليوم الآخر، والبعث والحساب، والجنة والنار، والغيب، والقدر. أما تلك التى تتعلق بالعبادات فتشمل: عبادة الله، وأداء الفرائض من صلاة وصيام وزكاة، وحج وجهاد فى سبيل الله بالمال والنفس، وتقوى الله، وذكره دائما، واستغفاره، والتوكل عليه، وقراءة القرآن. وتضم السمات المتعلقة بالعلاقات الاجتماعية: معاملة الناس بالحسنى، والكرم والإحسان، والتعاون، والتماسك والاتحاد، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والعفو، والإيثار، والإعراض عن اللغو. فى الجانب الأسرى، يجد نجاتى سمات المؤمن متمثلة فى: الإحسان إلى الوالدين وذى القربى، وحسن المعاشرة بين الأزواج، ورعاية الأسرة والإنفاق عليها. وعلى المستوى الأخلاقى، يحصى الكتاب عدة سمات، هى: الصبر، والحلم، والصدق، والعدل، والأمانة، والوفاء بعهد الله وعهد الناس، والعفة، والتواضع، والقوة فى الحق وفى سبيل الله، وعزة النفس، وقوة الإرادة، والتحكم فى أهواء النفس وشهواتها. وحين نصل إلى الجانب الانفعالى والعاطفى، يرصد المؤلف عدة سمات للمؤمن، هى: حب الله، والخوف من عذاب الله، والأمل فى رحمة الله، وحب الناس وحب الخير لهم، وكظم الغيظ والتحكم فى انفعال الغضب، وعدم الاعتداء على الغير وعدم إيذائهم، وعدم حسد الغير، وعدم العجب بالنفس، والرحمة، ولوم النفس والشعور بالندم فى حالة ارتكاب ذنب ما. على المستوى العقلى والمعرفى، نجد المؤمن يتسم بالتفكير فى الكون وخلق الله، وطلب المعرفة والعلم، وعدم اتباع الظن وتحرى الحقيقة، وحرية الفكر والعقيدة. أما فى مجال الحياة العملية والمهنية، فهناك: الإخلاص فى العمل وإتقانه، والسعى بنشاط وجد فى سبيل كسب الرزق. السمات البدنية للمؤمن، بحسب ما ترصده الكتب من واقع ما ورد فى القرآن الكريم: القوة، والصحة، والنظافة، والطهارة. ويعلق نجاتى بالقول: «إذا فكرنا فى مجموعة هذه السمات التى وصف القرآن بها المؤمنين، فإننا نستطيع أن نتمثل فى ذهننا صورة دقيقة نابضة بالحياة للإنسان المؤمن الذى يؤمن بربه إيمانا صادقا، ويعبده حق عبادته، ويتمسك فى حياته الخاصة وحياته الأسرية والاجتماعية، وفى عمله المهنى بالمثل الإنسانية العليا وبالأخلاق الفاضلة الكريمة، ويكون فى عمله مثال الإخلاص والأمانة والإتقان. إن صورة الإنسان المؤمن كما يصفه القرآن هى صورة الإنسان الكامل فى هذه الحياة فى حدود الإمكانات البشرية، والتى يريد الله سبحانه وتعالى منا أن نسعى بكل جهدنا إلى تحقيقها فى أنفسنا».