القضاء الإداري بالمنصورة يقبل طعنين ويستبعد 32 من سباق النواب بالدقهلية    مصر تتعاون مع قطر لإدخال 80 ألف خيمة إيواء إلى غزة    للحد من تلوث الهواء.. تنفيذ حملات مفاجئة لفحص عوادم السيارات في الشرقية    العرابي: القمة المصرية الأوروبية ترسيخ للتعاون السياسي وجذب الاستثمارات    رجال الأعمال المصريين تبحث سبل تشجيع التجارة البينية وزيادة الصادرات لإفريقيا    عاجل- الجالية المصرية في فرنسا تنحت تمثالًا للرئيس السيسي احتفاءً بجهوده الوطنية ودعمه للمصريين بالخارج    الصين تدعو الحكومة اليابانية إلى الوفاء بالالتزامات بشأن التاريخ وتايوان    يلا شوووووت بث مباشر.. مباراة بيراميدز وفاركو اليوم في الدوري المصري الممتاز    أفشة مطلوب لحل أزمة الإسماعيلي    إصابات بالجملة تضرب الأهلي.. وتأكد غياب هؤلاء عن السوبر المصري (تفاصيل)    مصرع عامل بصعق كهربائي داخل مغسلة سجاد بالدقهلية    عميد آثار الفيوم يشهد فعاليات المؤتمر الدولي "تحدّيات حماية التراث الثقافي"    11 يوما تفصل الملك الذهبي عن الظهور للعالم.. ماذا تضم كنوز توت عنخ آمن المعروضة بالمتحف الكبير؟    نائب وزير الصحة يتفقد المنشآت الطبية ببئر العبد لمتابعة جودة الخدمات في شمال سيناء    «وزير الخارجية الروسي»: موسكو جاهزة للتحرك وفق قمة ألاسكا الأخيرة    "أزهر بودكاست" يوثق الدور الوطني للأزهر الشريف في الدفاع عن الوطن وحماية هويته (فيديو)    «طلاب من أجل مصر» جامعة سوهاج تنظم لقاءً حاشدًا بعنوان «من القلب إلى القلب» بمشاركة رئيس الجامعة    الصين تكمل بناء أول مركز بيانات تحت المياه يعمل بطاقة الرياح في العالم    غدًا.. بدء عرض فيلم «السادة الأفاضل» بسينما الشعب في 7 محافظات    رجل ينهي حياة طليقته أثناء انتظارها خروج أبنائها من المدرسة بالمنوفية    أسماء مصابي حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    «تعليم البحيرة» تعلن جداول إمتحانات شهر أكتوبر لصفوف النقل    الجالية المصرية ببروكسل تستقبل الرئيس السيسي بالأعلام والهتافات    رئيس فرنسا السابق يدخل لمحبسه.. والسجناء يهتفون «مرحبًا ساركوزي»    هنا الزاهد: بلعب شخصية خطيبة أحمد عز في "The Seven Dogs"    «شعري ابيض خلاص».. حامد الشراب يؤكد نهاية «مسرح مصر» للأبد| خاص    وزير الثقافة يتفقد قصر روض الفرج ويتابع فعاليات ملتقى شباب المخرجين    الدفاع الروسية: استهداف منشآت البنية التحتية للطاقة الأوكرانية    انتشار الجدري المائي في المدارس يقلق أولياء الأمور.. الأعراض والأسباب    ضبط 3 تشكيلات عصابية تخصصت في سرقة السيارات والشقق والدراجات النارية بعدة محافظات    851.4 مليار جنيه تمويلات من الجهات الخاضعة للرقابة المالية خلال 8 أشهر    وكيل تعليم الفيوم يشهد فعاليات تنصيب البرلمان المدرسي وتكريم الطالبات المتميزات على منصة "Quero"    هآرتس: كل عصابات إسرائيل بغزة تفككت وحماس وحدها القادرة على الحكم    ذكرى إغراق المدمرة إيلات| القوات البحرية تحتفل بعيدها الثامن والخمسين.. شاهد    "الابتكار في إعادة تدوير البلاستيك".. ورشة ببيت ثقافة إطسا| صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 21-10-2025 في محافظة الأقصر    دار الإفتاء توضح حكم تصدق الزوجة من مال زوجها دون إذنه    تعرف على حالة الطقس في الكويت اليوم الثلاثاء    موعد إجراء قرعة حج الجمعيات الأهلية لاختيار الفائزين بالتأشيرات    المستشفيات التعليمية تستضيف فريقًا إيطاليًا لجراحات قلب الأطفال بمعهد القلب    وزير الصحة يبحث مع السفير الفرنسي تنفيذ خطة لتقديم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    عضو الجمعية المصرية للحساسية: ضعف المناعة والتدخين أبرز محفزات ارتكاريا البرد    هل الاحتفال بمولد سيدنا الحسين بدعة؟.. أمين الفتوى يجيب    أسامة نبيه: لا حديث عن منتخب 2005 بعد الآن.. وعلينا التركيز على المستقبل    الخميس.. محمد ثروت ومروة ناجى بقيادة علاء عبد السلام على مسرح النافورة    اليوم، ختام تعديل رغبات الانضمام لعضوية اللجان النوعية بمجلس الشيوخ    تامر أمين عن سرقة مجوهرات نابليون من اللوفر: اللي يشوف بلاوي غيره يحمد ربنا على نعمة مصر    مباريات اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    نيويورك تايمز: إدارة ترامب تضغط على نتنياهو لعدم تقويض الاتفاق مع حماس    ما حكم الاحتفال بالموالد مثل مولد سيدنا الحسين والسيدة زينب؟ وما حكم أفعال بعض الناس خلال الموالد من الذبح والنذور وغيرها من الطقوس ومظاهر الاحتفال؟ وما حكم تشبيه بعض الأفعال الخاصة فى الاحتفالية بمناسك الحج؟    المشرف على رواق الأزهر عن جدل مولد السيد البدوي: يجب الترحم عليهم لا الرقص عند قبورهم    الدماطي: ياسين منصور الأنسب لرئاسة الأهلي بعد الخطيب.. وبيراميدز منافسنا الحقيقي    إصابة 13 شخصا إثر انقلاب ميكروباص فى العياط    ميدو: كنا نسبق الكرة المغربية.. والعدل في الدوري سبب التفوق    مع اقتراب دخول الشتاء.. أبراج تبحث عن الدفء العاطفي وأخرى تجد راحتها في العزلة    بالصور.. بدء التسجيل في الجمعية العمومية لنادي الزمالك    أسعار الذهب في مصر اليوم الثلاثاء 21 أكتوبر 2025    خليل الحية للقاهرة الإخبارية: نشكر مصر على جهودها في وقف إطلاق النار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أغثنا يا شيخ رفاعة
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 10 - 2009

اكتشف العلامة الجليل الشيخ رفاعة الطهطاوى، أن العرب يعانون من «اللخبطة» بالنسبة لموضوع عفة النساء، لأن منشأ «العفة» أو«اللخبطة» إنما يعود إلى التربية الجيدة أو الخسيسة وليس إلى السفور أو الاختلاط.
وبعد تجربته الفريدة فى فرنسا فى بدايات القرن التاسع عشر، وجد أن من واجبه كشيخ فى الأزهر وواعظ وإمام الدين للبعثة الدراسية التى ذهبت للعلم هناك، أن ينبه أذهان المسلمين والعرب بصفة عامة إلى أن السفور لا يفضى بالتبعية إلى التبذل والخروج عن مقتضيات العفاف.. فقد شاهد الفرنسيين يحافظون مثلنا على «العرض» ويسمونه «شرفا»، ويقسمون به عند المهمات.
وبعد مائة وستين عاما على رحلته الثرية وإسهاماته العظيمة فى مجالات العلم والدين، ظهر فضيلة مفتى الديار المصرية فى برنامجه الإعلامى التنويرى يتلقى اتصالات الجمهور، وكانت فى غالبيتها من النساء.
كان يجيب على أسئلتهن بأبوته المعهودة وأسلوبه المستنير بما يرد الطمأنينة إلى نفوسهن القلقة، وبصوت مضطرب خائف سألته أم مصرية شابة عن رأيه فيما فعله زوجها عندما مزق فى ثورة غضبه ثوب طفلته لأنه مكشوف الذراعين.. فسألها فضيلته: وكم عمر ابنتك التى مزق زوجك ثوبها؟ فأجابته: عمرها سنتان يا مولانا! فرد عليها فى حسم: عليك باصطحاب زوجك إلى طبيب نفسى ليعالجه! ثم قام فضيلته بالتنبيه إلى انتشار أعداد هائلة من شرائط الكاسيت تزيد على مليون ونصف المليون لشيوخ ودعاة وأدعياء دين يروجها ويتداولها الناس من العامة والبسطاء فتعيد تشكيل عقولهم على نحو مخرب للعقول والأرواح بل وللرؤية الدينية الصحيحة.
تساءلنا أنا ومن كانوا يشاهدون البرنامج: إلى أى مدى يمكن أن يسهم منتجو الشرائط المجهولة المصدر والمكشوفة الغرض فى إثراء الأطباء النفسيين ومراكمة هموم علماء الاجتماع..
علينا أن نعترف كمثقفين أننا أسهمنا فى استشراء المرض الاجتماعى الذى دخل بالمصريين إلى مرحلته الحرجة، أولا لأننا ظننا أنها مسألة تخصص، فتركنا كل من رفع صوته بكلمات: قال الله وقال الرسول يتحدث كيفما شاء، بدون محاسبة مباشرة من الأفاضل من «أهل الذكر» من جهة التخصص، وهؤلاء كانوا يتحسسون كلماتهم وينتقون عباراتهم، بحيث لا يجد فيها المواطن البسيط ضالته الروحية والفكرية بسهولة ويسر. وكذلك لم تتم مواجهة المخربين بقوة من قبل المفكرين وأهل العلم من منطلق الشعور بالمسئولية الوطنية تجاه «العقل الجمعى» لمجتمعنا من أن تنفذ إليه الأفكار الهادمة فتفعل فعلها فى أذهان الناس. فالقداسة لا تقتصر على الحوار الدينى، وإنما للوطن قداسته التى ما كان ينبغى لنا أن نتهاون فى حمايته، ليس من مناطق الحدود الجغرافية فقط وإنما وهذا هو الأهم من حيث ثقافته وعقله اللذين شهدت الدنيا لهما بالرقى والنهضة.
فى مقال للسوسيولوجى «آصف بيات» يؤكد أن المد الناصرى فى الستينيات والذى امتد تأثيره إلى شبه الجزيرة العربية وبقية أنحاء الوطن العربى، وإلى الدوائر الأبعد فى آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية، قد أصاب الحكام بالفزع من أن تتزعزع العروش، فكان الرد المناسب حتى لا تتكرر الحركة الثورية مستقبلا أن يكون الخطاب الوهابى هو المهيمن على الساحة السياسية، وهو الظهير الصحراوى المحاصر لكل فكر حداثى حضارى، ساعده فى ذلك ظروف الأزمة الاقتصادية التى دفعت بمئات الآلاف من المصريين إلى الهجرة طلبا لتحسين الأحوال المعيشية، دون أن يدركوا بالطبع أنهم يغادرون موقعهم «الثقافى الفاعل» الذى احتلته الثقافة المصرية لآلاف السنين ليقيموا تحت الهيمنة الثقافية لثقافة البداوة، التى استطاعت بقوة المال والمقدس الثقافى البدوى أن تنفذ إلى عقول المهاجرين المصريين وقلوبهم، ومنهم إلى عناصر «الضمير الجمعى» الذى طالما كنا نباهى الأمم بصلابته واستحالة اختراقه.
ومن المذهل أن المجتمعات العربية التى كانت تتلهف على تقليد المصريين فى الزى والكلام وطريقة التفكير والروح الوطنية، إذا بها تتنكر فى يوم وليلة لكل ما كان، بمجرد أن سمعت برحلة السادات للقدس. فانهالت على المصريين برغم رفضهم لاتفاقية كامب ديفيد باللوم والتقريع حتى بعد اغتيال السادات، وأصر هؤلاء على أن يدفع المصريون ثمنا باهظا بإسقاطهم من مكانتهم السياسية والثقافية العليا، ليعتذروا عن شموخهم المعتاد وكبريائهم النبيل. وفى نفس الوقت كان الخوف من يقظة المارد المصرى الذى طالما اغتر أعداؤه بمظهره الهادئ المسالم يملأ قلب الصديق قبل العدو. ألا يمكن أن يهب المصريون كما فعلوا كثيرا فى الماضى من كل كبوة مهما بلغت قوتها، لينهضوا نهضة تستعصى على التفسير؟ ألم يتحولوا من ولاية عثمانية تابعة إلى أكبر إمبراطورية ضاربة فى الشرق هددت الآستانة نفسها فى مدى زمنى لا يزيد على عشرين سنة؟
وقد بدأ الاتجاه إلى استلاب المجتمع المصرى من منطقة ضعفه/قوته التى ينطلق منها المجتمع فى صياغة مشروعه للنهضة وهو المرأة.. فإذا كانت نساء مصر فى الماضى القريب قد قدمن أروع النماذج فى العلم والترقى والفن والثقافة، منذ تحررت من الزى التركى شكلا ومن الوضع الاجتماعى المتدنى موضوعا، وربت شعبا طيب الأعراق، فإنه يكفى أن ينجح أعداء المجتمع فى سرقة عقول نسائه حتى يضمنوا ارتداد مصر إلى الوراء.
وجاء الأمر تدريجيا بإعادة النظر فى مفهوم «الاحتشام» الذى فهمه الناس رجالا ونساء فى مصرفهما عميقا منذ قام مينا بتوحيد القطرين. وكنا أساتذة الدنيا فى تطبيق قواعد الأخلاق على حد قول بريستيد فى كتاب فجر الضمير،فإذا بالخطاب الجديد يقصر مفهوم الاحتشام على النساء دون الرجال وعلى الزى الخارجى دون العناية بالجوهر، ساهم فى هذا شحذ مستمر لثقافة (البحلقة) التى تسود المجتمعات التى ينشغل أفرادها بمراقبة الآخرين والتطلع المقتحم لخصوصياتهم، مما يتناقض مع التعاليم الإسلامية الراقية التى تأمر المؤمنين والمؤمنات بغض البصر. وبدأت الجماعات المتأسلمة فى اختبار قوة تأثيرها على جمهور النساء بالحث المستمر على ارتداء «الحجاب» الذى يكشف الوجه والكفين، ولا يمنع المرأة من الحركة الاجتماعية للتعليم والعمل، فضلا عن أنه لا يمثل مشكلة فى التواصل الاجتماعى، وأنه يشبه الطرحة التقليدية التى كانت المرأة المسنة تعتاد ارتداءها عند التقدم فى العمر. فلم تجد بعض النساء غضاضة فى ارتدائه، خاصة بعد أن صار الأزواج يعتبرونه علامة على تبعية الزوجة. وهو أمر لم يكن يمثل قلقا للنساء اللاتى حرصن على إرضاء الزوج، خاصة أن السؤال الاجتماعى كان يطارد الفتيات: لمن تظهرين زينتك إن لم يكن لزوجك؟ ثم تدرج خطاب الاحتشام من الحجاب إلى «الخمار» الذى يغطى أكبر مساحة من جسد المرأة فوق الثياب.. كما كف المجتمع عن التسامح مع فتياته غير المحجبات، واللاتى كن يرجئن التحجب إلى الزواج. وهبطت السن الملائمة للحجاب من الشباب إلى الطفولة. فأرغمت الصغيرات على ارتدائه مبكرا ليعتدنه. وبعد أن كان ارتداؤه اختياريا للصغيرات صار «إجباريا» فى الفصل الدراسى، وبعد أن كان الحجاب يتعايش مع السفور، صارت السافرات هن المسيحيات فى الأغلب.
وبقدر التشدد المتزايد مع النساء فى تطبيق الأوامر المتلاحقة بزيادة مساحة المختفى من الجسد، بقدر التسامح إن لم يكن «التحريض» للرجال على السيطرة على حركة الشارع فى اتجاه التخويف المستمر لفتياته، دون أن يتوقف أحد للسؤال: ألا يخجلنا كمجتمع إسلامى ذلك الاتهام المعلق على رؤوس رجالنا بأن عيونهم تندب فيها رصاصة، وأنهم يمارسون بالعين ما يعجزون عن ممارسته بالفعل، وأن جماعات المتحرشين جنسيا لم تظهر فى شوارعنا عندما كانت البنات يرتدين المينى جيب؟
وإذا كانت الكلمة المسموعة من العامة والدهماء هى لأصحاب الصرخات العالية فى الميكروفونات الصاخبة، ممن يفتقدون العلم الحقيقى بالدين، بينما تسد الغوغاء القلب والأذن عن حسن الاستماع للفاضلات الدكتورة زينب رضوان والدكتورة آمنة نصير والدكتورة سعاد صالح وعبلة الكحلاوى...إلخ.. اللواتى أفنين العمر فى تعلم الفقه وتعليمه مع المعتدلين من رجال الدين. فهل لنا إلا أن نذكر أننا قد تأخرنا حقا حتى استفحلت الأزمة ونحن نهون من حجم الإهدار الذى تعانيه طاقتنا الإنتاجية. ألم تتأخر زيارتك كثيرا لفصول البنات يا فضيلة الشيخ؟
أجل إن ذا يوم لمن يفتدى مصرا فمصر هى المحراب والجنة الكبرى. ولله الأمر من قبل ومن بعد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.