كانت البادرة الأولى لاستخدام الأسلحة الكيمائية خلال معارك الحرب العالمية الأولي (1914-1918)، وكان غاز الخردل من أخطر ما انتجت تلك الحرب؛ وهو الغاز الذي ظهرت آثاره في بلجيكا في الأيام الماضية، ما أدى إلى قلق المواطنين. دفع ذلك المتحدث باسم الحكومة البلجيكية للتصريح بأن اكتشاف آثار غاز الخردل من ذخيرة الحرب العالمية الأولى قبالة الساحل البلجيكي يجب ألا يسبب أي قلق، وكانت صحيفة "هيت لاتست نيوز" البلجيكية، ذكرت أنه تم اكتشاف آثار غاز الخردل على ضفة رملية، حيث كانت هناك 35 ألف طن من أسلحة الحرب العالمية الأولى المهملة منذ مئة عام؛ فيما رد فيليب دي باكر الوزير البلجيكي، الذي تشمل حقيبته الوزارية بحر الشمال، خلال تحقيق برلماني، بأن عمليات التفتيش الأخيرة التي جرت أواخر عام 2018، عثرت على آثار تلوث في موقعين من بين 23 موقعا تم فحصها. متى بدأ استخدام غاز الخردل؟ وشهدت الحرب أول استخدام على نطاق واسع للأسلحة الكيميائية الحديثة في ساحات المعركة مع استخدام القوات الألمانية 168 طنا من غاز الكلور في معركة إيبر. وفي 22 أبريل 1915، خيّم ضباب أخضر فوق ساحة المعركة شمال إيبر في بلجيكا أدى إلى اختناق نحو خمسة آلاف جندي فرنسي وشكل أول استخدام للأسلحة الكيميائية في الجبهة الغربية للحرب العالمية الأولى، وفقا لوكالة فرانس برس. في خضم سير الحرب، كان غاز الخردل ينجرف إلى الخنادق، معرّضًا الجنود لخطر الإصابة بالحروق والعمى والأضرار التنفسية. اعتقد البعض أنّ استخدام الغازات كسلاح أكثر إنسانية من غيرها من أشكال التسلُّح التقليدية، من منطلق أنّها قد تتسبّب بشلل الجنود دون قتل. ذاق مليون رجل جحيم هجمات غاز الخردل وغيره من الغازات، إذ قضى فيها نحو مئة ألف جندي نَحْبَه، وابتكر الكيميائي الألماني فريتز هابر عددًا من المواد السامة التي استُخدِمت كأسلحة في المعارك؛ ورغم فوز هابر بجائزة نوبل عن بحثه السابق تركيب الأمونيا (النشادر)، إلّا أن زملاءه نبذوه في سنوات لاحقة بسبب اسهاماته فيما عُرِف آنذاك بحرب الكيميائيين، بحسب مجلة (nature). بحسب فرانس برس أطلق استخدام الألمان لغاز الكلور سباق تسلّح كيميائي تعاون فيه قادة عسكريون وعلماء من أجل تطوير أسلحة أكثر فتكا، وسرعان ما طوّر الباحثون الفرنسيون غاز الفوسجين عبر دمج رائحة "القش المتعفّن" بتركيبة الغاز ما صعّب عملية اكتشافه، وجعلوه قادرا على التسبب بالاختناق بعد ساعات من استنشاقه. ونسخ الألمان ما توصّل إليه الباحثون الفرنسيون وسط سعي الجانبين للتوصل إلى عناصر سامة تتسرب إلى الخنادق والمخابئ. لكن الغاز الأسوأ والأكثر فتكا كان غاز الخردل وهو عبارة عن بخار زيتي استخدمه الألمان للمرة الأولى في يوليو 1917، ودائما في إيبر. والغاز المعروف ب"ملك غازات المعارك" يعمل باللمس وليس بالاستنشاق وهو يتغلغل في الملابس ويتسبب بحروق بالغة. وقال بروفسور الدراسات الاستراتيجية في جامعة ليدز البريطانية إدوارد سبايرز مؤلف كتاب "تاريخ من الأسلحة الكيميائية والبيولوجية إن غاز الخردل "لم يكن دائما فتاكا لكن أثر حروقه كان طويلا وتطلّب علاجا طويل الأمد". وأضاف سبايرز إن غاز الخردل "أبطأ كل شيء وكان لابد من العمل على تطهير مناطق برمتها من التلوث" قبل محاولة دخولها. وتابع سبايرز "في غالبية مجتمعات الدول التي لجأت إليها أصبحت الأسلحة الكيميائية ذميمة، لكن لم يتم إزالتها من الترسانة العالمية". وفي 1926 استخدمتها القوات الفرنسية والاسبانية ضد المغاربة في جبال الريف. على الرغم من أن استخدامها لم يتوقف إلا أن الغازات السامة لم تستخدم على نطاق واسع إلا في معارك الحرب العالمية الأولى. واتُّهم الرئيس السوري بشار الأسد لأكثر من مرة باستخدامها ضد فصائل معارضة ومدنيين في سوريا.