وثائق موسكو وشهادات المعاصرين تتهم السادات بخيانة الحلفاء السوفيت قصة احتجاز الخبراء السوفيت فى مطار القاهرة واتهامهم بسرقة «ذهب المصريين» سفير روسى لسامى عمارة: ارجع لمذكرات الشاذلى لتعرف حقيقة طرد الخبراء مراسل «لوموند»: كيسنجر سخر من سذاجة السادات غير المعقولة وقال لو طلب ثمنا قبل طرد السوفيت لكُنا دفعنا غاليًا جدًّا بريماكوف: كيسنجر التقى السادات سرّا على مدار بضعة أشهر قبل اندلاع الحرب فينوجرادوف: التقيت السادات 35 مرة خلال حرب أكتوبر... وعوضنا مصر عن 80% من الأسلحة التى فقدتها فى سيناء بالمجان أول سفير بعد عودة العلاقات يصف مبارك: قومى التوجه وطنى الميول براجماتى النزعة كتبت وفاة جمال عبدالناصر نهاية حقبة ذهبية من تاريخ العلاقات المصرية السوفيتية، لتبدأ مرحلة جديدة اعتراها الكثير من الغموض، مع تصدر الرئيس السادات للمشهد خلفا لجمال، لتكون فترة رئاسته تدشينا لحقب تدهور علاقات البلدين منذ إعلانه عن قراره طرد الخبراء السوفيت فى يوليو 1972، وحتى ذروة الأحداث بقرار طرد السفير السوفيتى فى القاهرة، فلاديمير بولياكوف، فى سبتمبر 1981 أى قبل اغتيال السادات ببضعة أسابيع.. ولالتباس الروايات وتباينها.. يقرر الدكتور سامى عمارة مؤلف كتاب «القاهرةموسكو.. وثائق وأسرار» الصادر عن دار الشروق يقرر عدم اقتصار إبحاره فى حنايا التاريخ، على الوثائق السوفيتية التى اطلع عليها فى أرشيف وزارة الخارجية الروسية، وإنما امتد بحثه ليشمل مصادر أخرى ذات صلة وثيقة وخاصة الاستشهاد بالكثير مما صدر عن شهود عيان تلك الحقبة التاريخية ومنهم يفجينى بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق فى كتابه «الشرق الأوسط. على المسرح وما وراء الكواليس»، والجنرال فاديم كيربيتشينكو، فى كتابه الذى أصدره تحت عنوان «من أرشيف رجل ال«كى جى بى» مهام سرية»، وكذلك السفير السوفيتى الأسبق فلاديمير فينوجرادوف الذى سجل الكثير من وقائع ذلك الحدث فى العديد من مؤلفاته حول مهمته فى القاهرة، وآخرون ومنهم الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المصرية المسلحة فى ذلك الحين. تتطابق إلى حد بعيد روايات المصادر التى يستند إليها عمارة فى تناولها لواقعة احتجاز عدد من الخبراء والجنود السوفيت فى مطار القاهرة فى رحلة عودتهم إلى موسكو «بدعوى تورطهم فى تهريب الذهب»، باعتبار تلك الواقعة كانت إرهاصة أولى على «خطط السادات للتوجه نحو الأمريكان على حساب علاقته بالسوفييت»، وهو ما يعبر عنه الجنرال كيربيتشينكو فى كتابه بقوله إن الاتصالات السرية بدأت مع الرئيس نيكسون مبكرا، مشيرا إلى بعض المشاهد الاستفزازية فى حق الخبراء الروس، ومنها واقعة احتجاز 71 خبيرا مع أفراد عائلاتهم فى مطار القاهرة فى 8 مايو 1972، وتفتيشهم قبيل عودتهم إلى الوطن بحثا عما قيل إنه «ذهب مصر». وقال إنه وعلى الرغم من أن السلطات المصرية لم تجد معهم سوى ما ابتاعوه من أقراط ودبل وحُلى للاستخدام الشخصى، فإن الغرض المراد منه «تشويه صورة السوفيت» كان قد تحقق، وهو ما جعله يتوقع احتمالات ما هو أخطر وتمثل لاحقا فى قرار طرد الخبراء السوفيت فى الثامن من يوليو من نفس العام. أما عميد خبراء الشرق الأوسط فى أروقة القيادة السوفيتية ثم الروسية، يفجينى بريماكوف، فيقول فى كتابه «الشرق الأوسط على المسرح وما وراء الكواليس»: «فى النصف الأول من نوفمبر 1970 (أى بعد وفاة الرئيس عبدالناصر بأقل من شهرين، وصل إلى القاهرة كمال أدهم مدير المخابرات السعودية، موفدا من قبل العاهل السعودى فيصل. قال له إن الأمريكيين يعربون عن قلقهم من استمرار وجود الروس فى مصر. وفهم السادات أن الأمريكيين يطرحون شروطهم لتحسين العلاقات مع مصر، ليعلن السادات ودون تردد عن استعداده لإنهاء «الوجود السوفيتى فى مصر». ويكمل القصة السفير السوفيتى فى القاهرة آنذاك فينوجرادوف، والذى يشير فى مذكراته إلى أن السادات تسلم فى يوليو عام 1972 رسالة من الرئيس الأمريكى نيكسون؛ فى إشارة إلى اعتبار ذلك بداية الخطوات العملية نحو التخلص من الخبراء السوفيت. وقال فينوجرادوف إنه التقى الرئيس السادات فى السابع من يوليو 1972 لتسليمه رسالة من القيادة السوفيتية، وحين فرغ من مهمته فوجئ به يسأله عما إذا كان يريد الحديث عن شىء آخر. وحين أجابه بالنفى، باغته بقوله إنه اتخذ قرار إنهاء مهمة الخبراء العسكريين السوفيت فى مصر، ويضيف السفير السوفيتى أنه قال للسادات إنه إذا لم يكن لديه ما يقوله غير ذلك، فإنه سوف ينقل إلى موسكو ما قاله حول إنهاء مهمتهم، وإنه أومأ إليه فى إشارة إلى انصرافه، وغادر المكان». وفى محاولة من سامى عمارة للسعى وراء المزيد من المعلومات وتوثيقها من جانب أحد أبرز سفراء روسيا فى القاهرة الباقين على قيد الحياة، بهدف التدقيق والتوثيق، يفاجئه السفير بقوله: «ليس لديَّ أدق وأكثر تفصيلا مما أورده الفريق الشاذلى فى مذكراته». أما الفريق سعد الدين الشاذلى رئيس أركان القوات المسلحة (مايو 1970 ديسمبر 1973) فيقول فى كتابه «مذكرات حرب أكتوبر 1973 تحت عنوان «قرار الاستغناء عن الوحدات السوفيتية» ص 167: «إن قرار السادات بطرد المستشارين والوحدات السوفيتية لم يكن قرارا عفويا، وإنه جرى اتخاذه بمشاركة عناصر من الداخل والخارج يحرص الرئيس على إخفائها». واستطرد الشاذلى ليقول على نحو أكثر صراحة ومباشرة: «إن وصول الأمير سلطان وزير الدفاع السعودى إلى القاهرة قادما من أمريكا واتصاله بالسادات قبل أن يقوم السادات بإبلاغ الفريق صادق يوم 7 بقراره بطرد المستشارين والخبراء والوحدات السوفيتية، يوحى إيحاء قويا بأن المملكة العربية السعودية والولاياتالمتحدة قد لعبتا دورا مهما فى دفع السادات إلى اتخاذ قراره هذا». ويقول إريك رولو مراسل «لوموند» الفرنسية وسفير فرنسا لاحقا فى تونس، فى مقال نشرته «الأهرام» فى 11 ديسمبر 2012: «أسرَّ السادات إلى واشنطن بنيَّته فى الابتعاد عن الاتحاد السوفيتى فور بدء الإسرائيليين الجلاء عن سيناء جزئيًّا. وإذ لم ترد إليه أصداء إيجابية، تخيَّل أن الأمريكيين سيثقون به لو أنه أقدم على تنفيذ عرضه بلا إملاء شروط مسبقة. فما كان منه إلا أن قام بعملية أدهشت المصريين والرأى العام العالمى على حد سواء. ففى الثامن من يوليو 1972، استدعى السادات سفير الاتحاد السوفيتى بالقاهرة وأفهمه أن الخبراء الروس، البالغ عددهم عشرين ألف خبير (التقديرات الروسية تقول إن العدد 8 آلاف، وحسب مصادر أخرى يرتفع العدد حتى 15 ألفًا وهو الرقم الأكثر واقعية)، مطالبون بمغادرة مصر بكامل عتادهم وأمتعتهم فى غضون 48 ساعة. لكنه خسر مرة أخرى تلك المقامرة الكبرى. وقد سخر هنرى كيسنجر من سذاجته غير المعقولة، ووصف مسعاه بأنه «خطأٌ فادحٌ»، مضيفًا: «لو أنه قد حاول وضع ثمن لمبادرته تلك قبل أن يشرع فى تنفيذها، لكُنا دفعنا فيها ثمنًا غاليًا جدًّا». ورغما عن مرارة الموقف واشتعال مشاعر الغضب المكتوم الذى اعتمل فى النفوس، فإن القطيعة لم تبلغ مداها، ونجح الطرفان فى الحفاظ على شعرة معاوية، بدليل النتائج التى حققتها زيارة الدكتور عزيز صدقى رئيس الوزراء المصرى لموسكو فى أكتوبر 1972، والتى استعرضها الشاذلى فى كتابه ووصفها بأنها حققت نجاحا كبيرا، «وتمثل ذلك فيما وعد السوفيت به مصر بإمدادها باسلحة متقدمة لم يسبق إمدادنا بها من قبل، ومنها: أسراب ميج 23، وسوخوى 20، ولواء صواريخ سطح سطح لمدى 300 كم». ولكن ماذا عن شكل العلاقة بين السادات والسوفييت خلال حرب أكتوبر؟، يجيب عن ذلك فلاديمير فينوجرادوف الذى أشار فى مذكراته إلى أن الرئيس السادات استدعاه فى الرابعة من بعد ظهر السادس من أكتوبر 1973، أى بعد العبور بقرابة الساعتين ليعلنه أن القوات المصرية نجحت فى عبور القناة بمعدات وأسلحة سوفيتية فيما طالب بالمزيد من الأسلحة، وهو ما قامت موسكو بالاستجابة إليه، ومنها صفقة الأسلحة التى تعاقد عليها الرئيس الجزائرى بومدين فى موسكو فى أكتوبر 1973. وأضاف السفير فينوجرادوف فى مذكراته أنه التقى السادات خلال أيام الحرب 35 مرة، فضلا عن زيارة ألكسى كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتى لمصر فى 16 أكتوبر، أى قبل أن تضع الحرب أوزارها. وكان الكثيرون من الخبراء السوفيت فندوا فى أكثر من مناسبة ما روجته الأجهزة الإعلامية المصرية نقلا عن قيادات سياسية وعسكرية حول تقصير موسكو فى إمداد مصر بأحدث الأسلحة، وأكدوا تعويضها بالمجان عن 80% من الأسلحة التى فقدتها فى سيناء فى يونيو 1967، فضلا عن أنهم كانوا أول من قاموا بتدريبهم على العبور «وهو ما يؤكده سامى عمارة باعتباره عاصر تلك الأحداث من موقعه كمترجم مع الخبراء العسكريين السوفيت الملحقين ب«الفرقة 19 مشاة» فى دهشور، خلال مناوراتها فى منطقة ترعة الخطاطبة اعتبارا من إبريل عام 1968. وبحسب مؤلف كتاب «القاهرةموسكو.. وثائق وأسرار»: «ضرب هؤلاء مثالا على ذلك إمداد مصر بأحدث محطات المراقبة والرادار، والتى نجحت إسرائيل فى الاستيلاء على إحداها فى الزعفرانة فى 9 سبتمبر 1969، ما كان سببا فى إقالة اللواء أحمد اسماعيل رئيس أركان القوات المسلحة آنذاك، وقيام الطيارين السوفيت بحماية سماء القناة طوال الفترة التى استغرقها بناء حائط الصواريخ، إلى جانب إمداد مصر بصواريخ سكود المتطورة، بوصفه سلاح ردع مع أطقم روسية ظلت موجودة فى مصر حتى بعد السادس من أكتوبر». وفى معرض تناوله لتحول السادات غربا صوب واشنطن كتب يفجينى بريماكوف أحد أبرز خبراء روسيا وقبلها الاتحاد السوفيتى لشئون الشرق الأوسط فى كتابه المشار إليه عاليه: «أن هنرى كيسنجر التقى السادات سرّا على مدار بضعة أشهر قبل اندلاع الحرب». وأشار بريماكوف إلى: «أن كيسنجر يقول فى مذكراته إن السادات كان على علم بلقاءين سريين فى بداية 1973 بين مستشاره للأمن القومى حافظ اسماعيل وبينى». وفى هذا الصدد نتوقف بالكثير من التفصيل عند أخطرها، على حد اعتقادنا، وهى الرسالة التى بعث بها مستشار الأمن القومى المصرى بتكليف من الرئيس السادات إلى هنرى كيسنجر فى السابع من أكتوبر 1973. وكان محمد حسنين هيكل قد أشار إلى أن عدد الرسائل التى جرى تبادلها بين السادات وهنرى كيسنجر مستشار الأمن القومى الأمريكى فى الفترة ما بين 7 أكتوبر وحتى 5 نوفمبر 1973، وصل إلى أكثر من تسعين رسالة، وكان قد تعهد فى أولها صباح يوم 7 أكتوبر؛ أى بعد أقل من 24 ساعة على بدء العمليات العسكرية يوم 6 أكتوبر، بأن القوات المصرية «لا تعتزم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة» كانت أول مرة ربما فى التاريخ كله يقول فيها طرف محارب لعدوه نواياه كاملة. أما كيسنجر فيقول فى كتابه «الأزمة» إنه «نقل لسفير إسرائيل فى واشنطن سيمحا دينتز نص الرسالة التى يتعهد فيها الرئيس السادات بعدم تعميق مدى الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة وكانت تلك خدمة جليلة لإسرائيل فى أوقات حرب عصيبة». استئناف العلاقات ودونما تمهيد ينتقل بنا سامى عمارة إلى مرحلة استئناف العلاقات بين القاهرةوموسكو عام 1984، مذكرا القارئ بأن سبب تلك القفزة فى التتابع الزمنى، والفجوة فى الأحداث، مرجعها ما نبه إليه فى مقدمة كتابه من أن عدم توفر الوثائق والمواد الأرشيفية حال دون «سلاسة السرد الزمنى».. ليكون الانتقال المفاجئ إلى مذكرات ورسائل السفير ألكسندر بيلونوجوف سفير الاتحاد السوفيتى هو الذى اختارته موسكو ليكون أول سفرائها فى القاهرة بعد الاتفاق حول استئناف العلاقات، وما دونه فى كتابه «سفير فى بلاد الأهرامات» ولقاءاته مع مبارك والعديد من رجالات حكمه، وفى صدارتهم الدكتور أسامة الباز الذى حظى بتقدير متميز من جانب السفير السوفيتى، وكذلك حديثه عن المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة، وزير الدفاع آنذاك، والذى كتب عنه يقول: «التقيت الكثيرين.. لكننى لم ألتقِ المشير أبوغزالة وزير الدفاع، على الرغم من أنه كان فى البداية فى صدارة قائمة الشخصيات التى كنت أريد لقاءها ولاسيما بحكم منصبه؛ لمناقشة قضايا استئناف التعاون العسكرى بين البلدين، لكنه لم يكن يتعجل استقبالى. غير أنه وبعد أن اقتصرت دائرة المسئولين عن هذه القضايا على الرئيس ومستشاره أسامة الباز فقد وجدت أن اللقاء معه غير مفيد. وكان أبوغزالة، وعلى الرغم من أنه تلقى تدريباته العسكرية فى الاتحاد السوفيتى، لا يكن مشاعر المودة تجاه بلادنا. بل على العكس، فبعد أن قضى بضعة أعوام فى الولاياتالمتحدة فى منصب الملحق الحربى، تحول تماما بتوجهاته وميوله صوب الولاياتالمتحدة. عموما لقد تولد لدى هذا الانطباع استنادا إلى شهادات من تعاملت معهم من أعضاء السلك الدبلوماسى الأجنبى وكذلك من المصريين. وكان أبوغزالة من موقعه نائبًا لرئيس الحكومة ووزيرا للدفاع يمتلك تأثيرا كبيرا ليس فقط على الحد من تطوير التعاون مع الاتحاد السوفيتى، بل أيضًا فى قضايا أخرى. ولم يكن وحده فى هذا الشأن». ويتوقف بيلونوجراف كثيرا عند ثانى لقاءاته مع الرئيس الأسبق مبارك، والذى كان فى 28 أكتوبر 1984، وتطرق فيه مبارك إلى انتقاد الرئيس السورى السابق حافظ الأسد، متهما إياه بتجاهل المصالح العربية وبتدبير الدسائس ضد عرفات وحركة المقاومة الفلسطينية، وبالسعى وراء مآربه الذاتية فى لبنان. لكنه سرعان ما تحول إلى انتقاد القذافى؛ حيث راح يشوح بيديه فى نشاط واضح، مطلقا فى حق الزعيم الليبى الكثير من الأوصاف غير الطيبة، مبررا ذلك بعدم توقفه عن المؤامرات ضد مصر. وقال: «يجب علينا تأديبه كما ينبغى إذا ما أقدم على أى مغامرة عسكرية مثل تفكيره فى قصف السد العالى.. ما كان الاتحاد السوفيتى يجب أن يمده بكل هذه الأسلحة التى حصل عليها. وفى معرض تسجيل بيلونوجوف لتقديراته حول حالة العلاقات السوفيتية المصرية توقف عند شخصية مبارك. قال: «من واقع لقاءاتى مع مبارك وانطباعاتى حول شخصيته يمكن القول إنه قومى التوجه وطنى الميول، براجماتى النزعة، يدرك معنى وأهمية العلاقات مع الاتحاد السوفيتى، لكنه من منطلقات الحرص الذاتى والظروف الموضوعية يفضل الوتيرة المتدرجة ببطء لتحسن العلاقات مع بلادنا. ولذا فإنه يكون من الأفضل أن تتسم العلاقات مع مصر بأكبر قدر من الهدوء فى إطار إظهار الحرص على تبنى وجهة النظر التى تقول بالاستعداد للنظر فى القضايا التى ورثناها عن الماضى إلى جانب ما يجد من قضايا جديدة. أما عن الزيارات على مستوى القمة فلم يحن الوقت بعدُ للقيام بها». هذه هى التوصيات التى بعث بها بيلونوجوف إلى قيادته فى موسكو وتبعها بالسفر إلى هناك للقاء أندريه جروميكو وزير الخارجية السوفيتية فى ذلك الحين. ونعود إلى ما كتبه السفير بيلونوجوف حول تقديره لأوضاع العلاقات السوفيتية المصرية، من منظور لقائه الثالث مع الرئيس الأسبق مبارك. قال إن الرئيس المصرى قرر زيارة السفارة السوفيتية لتقديم واجب العزاء بمناسبة وفاة قسطنطين تشيرنينكو الأمين العام للحزب الشيوعى السوفيتى، ويخلص بيلونوجوف إلى أن اللقاء كان إيجابيًّا واختتمه مبارك بقوله إنه لا يعتزم التراجع عما بدأه من خطوات، وسوف يمضى قدما على طريق تطوير العلاقات مع الاتحاد السوفيتى، وطلب نقل تحياته وتهانيه إلى ميخائيل جورباتشوف الذى كان قد انتخب أمينا عامّا للجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى. ويتطرق السفير السوفيتى فى نهاية كتابه إلى الموقف من العلاقات المصرية الأمريكية، والتى أشار إلى أن القاهرة توليها أهمية بالغة وتسميها ب«العلاقات الخاصة». ومضى ليقول إن مبارك ورث عن السادات تركة مثقلة بمشاكل السياسة والتجارة والاقتصاد والأزمات الغذائية وربط مصر عسكريًّا بالولاياتالمتحدة. وأضاف أن ذلك لم يكن موجودا إبان عهد الرئيس ناصر. ويدون ما وصفه بارتباط نظام السادات بالأمريكيين: «لقد رسخ الأمريكيون مواقعهم فى جمهورية مصر العربية إبان سنوات حكم السادات. وظهر الموالون لهم فى الكثير من المؤسسات المصرية وتشكل لهم «اللوبى السياسى القوى»، فيما عملت فى مصر ما يقرب من أربعمائة شركة أمريكية (لم يكن يعمل منها فى مجال الإنتاج أكثر من 15 شركة)». «صحيح أنه لم تكن هناك للأمريكيين قواعد عسكرية فى مصر، يمكن أن يكونوا فيها أصحاب الأمر والنهى، لكنهم كانوا يتمتعون ببعض التسهيلات فى عدد من القواعد البحرية والجوية، ومنها قاعدة رأس بناس على البحر الأحمر، فضلا عن ألف ومائتين من الأمريكيين ممن كانوا يشكلون قرابة نصف تعداد قوات الأممالمتحدة فى شبه جزيرة سيناء المخصصة للإشراف على عملية السلام بين مصر وإسرائيل. كما أصبح ما يشبه التقليد إقامة المناورات العسكرية السنوية المشتركة مثل «النجم الساطع» للقوات البرية، و«رياح البحر» للقوات البحرية، وهو ما لم يكن ليروق موسكو وما كانت الصحافة تتناوله لدى الإشارة إلى زيارات سفن الأسطول السادس الأمريكى للموانئ المصرية». (ص 176). واعترف السفير السوفيتى بأنه لم يكن ليثير موضوع علاقات مصر مع واشنطن فى لقاءاته مع المسئولين المصريين، وإن كشف عما لمسه من توتر وحساسية لدى المصريين تجاه هذه العلاقات، مشيرا إلى ما كان يراودهم من مشاعر كراهية مشوبة بالتحفظ تجاه الأمريكيين. قال إن مبارك أو أى رئيس آخر جاء بعد السادات لم يكن أيضًا ليستطيع القطيعة مع الأمريكيين. وكشف عن أن رئيس مصر كان لا بد أن يدرك أن الاتحاد السوفيتى لن يأخذ على عاتقه تحمل أعباء الاقتصاد المصرى حتى لو أراد ذلك. وقارن بيلونوجوف بين ما يقدمه الأمريكيون لمصر من معونات تركزت فى الأساس فى مجال الاتصالات والبنوك وبناء الفنادق، فى الوقت الذى كان يركز الاتحاد السوفيتى فيه على المشاريع الإنتاجية وإقامة وتشييد المشروعات الاقتصادية الكبيرة مثل السد العالى ومصانع الحديد والصلب والألومنيوم.