عيار 21 الآن بعد الارتفاع الجديد.. سعر الذهب والسبائك بالمصنعية اليوم السبت في الصاغة    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    واشنطن بوست: أمريكا دعت قطر إلى طرد حماس حال رفض الصفقة مع إسرائيل    "جمع متعلقاته ورحل".. أفشة يفاجئ كولر بتصرف غريب بسبب مباراة الجونة    كولر يرتدي القناع الفني في استبعاد أفشة (خاص)    الأرصاد الجوية: شبورة مائية صباحًا والقاهرة تُسجل 31 درجة    مالكة عقار واقعة «طفل شبرا الخيمة»: «المتهم استأجر الشقة لمدة عامين» (مستند)    وكالة فيتش تغير نظرتها المستقبلية لمصر من مستقرة إلى إيجابية    37 قتيلا و74 مفقودا على الأقل جراء الفيضانات في جنوب البرازيل    العالم يتأهب ل«حرب كبرى».. أمريكا تحذر مواطنيها من عمليات عسكرية| عاجل    حسين هريدى: الهدف الإسرائيلى من حرب غزة السيطرة على الحدود المصرية الفلسطينية    حي شرق بمحافظة الإسكندرية يحث المواطنين على بدء إجراءات التصالح    ارتفاع جديد.. أسعار الحديد والأسمنت اليوم السبت 4 مايو 2024 في المصانع والأسواق    رئيس المنظمة المصرية لمكافحة المنشطات يعلق على أزمة رمضان صبحي    جوميز يكتب نهاية شيكابالا رسميا، وإبراهيم سعيد: بداية الإصلاح والزمالك أفضل بدونه    بعد انخفاضها.. أسعار الدواجن والبيض اليوم السبت 4 مايو 2024 في البورصة والأسواق    مصطفى بكري عن اتحاد القبائل العربية: سيؤسس وفق قانون الجمعيات الأهلية    التموين تتحفظ على 2 طن أسماك فاسدة    دفنوه بجوار المنزل .. زوجان ينهيان حياة ابنهما في البحيرة    صوت النيل وكوكب الشرق الجديد، كيف استقبل الجمهور آمال ماهر في السعودية؟    توقعات الفلك وحظك اليوم لكافة الأبراج الفلكية.. السبت 4 مايو 2024    هيثم نبيل يكشف علاقته بالمخرج محمد سامي: أصدقاء منذ الطفولة    رشيد مشهراوي ل منى الشاذلي: جئت للإنسان الصح في البلد الصح    المتحدة للخدمات الإعلامية تنعى الإذاعى أحمد أبو السعود    معرض أبو ظبي للكتاب.. جناح مصر يعرض مسيرة إبداع يوسف القعيد    حسام موافي يوضح خطورة الإمساك وأسبابه.. وطريقة علاجه دون أدوية    برش خرطوش..إصابة 4 من أبناء العمومة بمشاجرة بسوهاج    سبت النور.. طقوس الاحتفال بآخر أيام أسبوع الآلام    فوزي لقجع يكشف حقيقة ترشحه لرئاسة الاتحاد الأفريقي    هبة عبدالحفيظ تكتب: واقعة الدكتور حسام موافي.. هل "الجنيه غلب الكارنيه"؟    «صلت الفجر وقطعتها».. اعترافات مثيرة لقاتلة عجوز الفيوم من أجل سرقتها    حازم خميس يكشف مصير مباراة الأهلي والترجي بعد إيقاف تونس بسبب المنشطات    هييجي امتي بقى.. موعد إجازة عيد شم النسيم 2024    عرض غريب يظهر لأول مرة.. عامل أمريكي يصاب بفيروس أنفلونزا الطيور من بقرة    250 مليون دولار .. انشاء أول مصنع لكمبوريسر التكييف في بني سويف    أحمد ياسر يكتب: التاريخ السري لحرب المعلومات المُضللة    كندا توقف 3 أشخاص تشتبه في ضلوعهم باغتيال ناشط انفصالي من السيخ    السودان وتشاد.. كيف عكرت الحرب صفو العلاقات بين الخرطوم ونجامينا؟ قراءة    مصرع طفلين إثر حادث دهس في طريق أوتوستراد حلوان    احتراق فدان قمح.. ونفوق 6 رؤوس ماشية بأسيوط    برلماني: تدشين اتحاد القبائل رسالة للجميع بإصطفاف المصريين خلف القيادة السياسية    تقرير: 26% زيادة في أسعار الطيران السياحي خلال الصيف    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر وتثبت تصنيفها عند -B    وكالة فيتش ترفع نظرتها المستقبلية لمصر إلى إيجابية    توفيق عكاشة: الجلاد وعيسى أصدقائي.. وهذا رأيي في أحمد موسى    عضو «تعليم النواب»: ملف التعليم المفتوح مهم ويتم مناقشته حاليا بمجلس النواب    دينا عمرو: فوز الأهلي بكأس السلة دافع قوي للتتويج بدوري السوبر    شيرين عبد الوهاب : النهاردة أنا صوت الكويت    أول تعليق من الخطيب على تتويج الأهلي بكأس السلة للسيدات    دعاء الفجر مكتوب مستجاب.. 9 أدعية تزيل الهموم وتجلب الخير    دعاء الستر وراحة البال .. اقرأ هذه الأدعية والسور    «البيطريين» تُطلق قناة جديدة لاطلاع أعضاء النقابة على كافة المستجدات    سلوي طالبة فنون جميلة ببني سويف : أتمني تزيين شوارع وميادين بلدنا    طبيب يكشف سبب الشعور بالرغبة في النوم أثناء العمل.. عادة خاطئة لا تفعلها    أخبار التوك شو| مصر تستقبل وفدًا من حركة حماس لبحث موقف تطورات الهدنة بغزة.. بكري يرد على منتقدي صورة حسام موافي .. عمر كمال بفجر مفاجأة    «يباع أمام المساجد».. أحمد كريمة يهاجم العلاج ببول الإبل: حالة واحدة فقط بعهد الرسول (فيديو)    فريق طبي يستخرج مصباحا كهربائيا من رئة طفل    المفتي: تهنئة شركاء الوطن في أعيادهم ومناسباتهم من قبيل السلام والمحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في كتاب سامي عمارة الجديد «القاهرة - موسكو».. ستالين اعتبر ثورة يوليو «انقلاب ضباط مغامرين»
نشر في الشروق الجديد يوم 14 - 03 - 2019

الكتاب يجيب عن السؤال الشائك: هل أودى جمال بالبلاد إلى التهلكة حين أعلن تأميم القناة فى عام 1956؟
رسائل بولجانين لفرنسا وإنجلترا وإسرائيل تهدد ب «حرب عالمية ثالثة» وقصف العواصم بالصواريخ
انطباعات عبدالناصر فى زيارته الأولى لموسكو: البعض يظن أننا نسعى لانتزاع معونات من الأمريكيين والبعض يؤكد أنكم تدركون حقيقة أننا صادقون
أناتولى: موسكو ظلت تتابع عبدالناصر وتعتبره ديكتاتورًا عسكريًا حسب وصف الشيوعيين المصريين له
برقية من السفير السوفيتى فى تل أبيب: بن جوريون طلب وساطة القيادة السوفيتية لتدبير لقاء مع عبدالناصر
قاده التاريخ إلى الانخراط فى بعض تفاصيله والتاريخ هنا هو تاريخ العلاقات المصرية السوفيتية فعلى مدى نحو نصف قرن، عايش خلالها السوفيت، وكان قريبا ومشاركا فى الأحداث بشكل أو بآخر، حيث كان القدر بحسب تعبيره «كريما»، وتحديدا منذ تخرج سامى عمارة فى مدرسة الألسن العليا قسم اللغة الروسية ليجد نفسه ملتحقا بالعمل فى وزارة السد العالى، قبل إيفاده للعمل فى مكتب السد العالى التابع لسفارة الجمهورية العربية المتحدة فى موسكو، ثم مترجما مع أول مجموعة من الخبراء العسكريين الروس، الذين دعاهم الزعيم الراحل جمال عبدالناصر للإشراف على إعادة بناء القوات المسلحة فى أعقاب هزيمة يونيو 1967.
ويتجلى سخاء القدر مع سامى عمارة، حين يتيح له صديقه ميخائيل بوجودانوف، نائب وزير الخارجية الروسية ومسئول ملف العلاقات مع البلدان العربية، أن يطلع على مخزون ثمين من أرشيف وزارة الخارجية الروسية بما يحتوية من وثائق وملفات الخارجية الروسية عن الفترة 1952 1984، علاوة على ما صدر لاحقا من مذكرات لعدد من السفراء السوفيت فى القاهرة.
ويتضمن كتاب «القاهرة موسكو» الصادر عن «دار الشروق» كذلك الوثائق الخاصة بالكثير من تطورات مسيرة كانت عامرة بالأتراح والأفراح، ومنها ما يتعلق بالخلاف التاريخى بين ناصر وخروشوف، وبالتعاون المشترك بين مصر والاتحاد السوفيتى فى إفريقيا واليمن إبان ستينيات القرن الماضى قبل وقوع الواقعة فى يونيو 1967، بما فيها نصوص الكثير من الوثائق ومحاضر الجلسات التى كان الرئيس جمال عبدالناصر أحد أطرافها الرئيسية، ومن بينها ما يتعلق بقرار التنحى بعد هزيمة الخامس من يونيو 1967، وما أعقب ذلك من اتصالات مع القيادة السوفيتية التى ناشدته التراجع عن قراره، وما طرأ من لحظات فارقة مع رفيق العمر عبدالحكيم عامر بعد محاولة انقلاب فاشلة.
ولم يغفل الكتاب بطبيعة الحال ما صادفته علاقات البلديْن من عثرات وخلافات، ومنها: واقعة طرد الخبراء السوفيت فى عام 1972، وإفشاء الرئيس الراحل أنور السادات لأحد أهم أسرار حرب أكتوبر 1973 فى رسالة بعث بها إلى هنرى كيسنجر مستشار الأمن القومى الأمريكى فى السابع من أكتوبر، وما أعقب ذلك من أحداث بلغت ذروتها مع نهايات حكم الرئيس أنور السادات بطرد السفير السوفيتى، ثم العودة لاستئناف ما انقطع من علاقات دبلوماسية بين البلدين مع بدايات حكم الرئيس حسنى مبارك.
كيف اعتبر ستالين ثورة يوليو «انقلابًا عسكريًا»؟
فى مستهل حديثه عن قسوة التحول شرقا.. واللحاق ب«قطار الشرق السريع» يتساءل عمارة: لماذا اعتبرت القيادة السوفيتية ثورة يوليو 1952 انقلابا دبره ضباط مغامرون؟ وكيف قبل خروشوف عبدالناصر زعيما يمكن التعامل معه؟، كاشفا عن أن «الشطط» كان قد بلغ حد إيفاد من عُرف بميوله القديمة وتقاربه مع الأوساط الهتلرية سفيرا لمصر فى الاتحاد السوفيتى فى عام 1953، وهو الفريق عزيز باشا المصرى، ليكون ذلك بمثابة خطأ فادحا، لا يخفف من وطأته بحسب «ليونيد مليتشين» الكاتب والمؤرخ اليهودى الروسى أن مصر لحقت بقطار «الشرق السريع» فى عام 1943، أى قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
ويكشف المؤلف أن الاتحاد السوفيتى اعتبر ثورة يوليو 1952 انقلابا عسكريا، نتيجة تقديرات خاطئة من سفيره فى القاهرة، وبإيعاز مباشر من الشيوعيين المصريين الذين قال عنهم يفجينى بريماكوف إنهم أوغروا صدور القيادة السوفيتية ضد ناصر؛ تصفية لحسابات شخصية، والذى يؤكد فى كتابه «الشرق الأوسط.. على المسرح وفيما وراء الكواليس» (فى طبعتى 2006، و2012) أنه «لم يكن جميع الشيوعيين المصريين يؤيدون ما بدأته الثورة من إصلاحات، فيما حال تطرف هذه القوى دون حسن تقدير الكثيرين منهم للخطوات الأولى للقيادة الجديدة»، وأن «سفارة الاتحاد السوفيتى فى القاهرة كانت تبلغ القيادة السوفيتية فى موسكو بمثل هذه التقديرات السلبية غير المرتبطة بالواقع المصرى»، ويستشهد كذلك بما كتبه خروشوف فى «مذكراته حول الحياة والسلطة»، حول هذه المسألة:
«لم نكن نستطيع تحديد ماهية اتجاهات السياستين الداخلية والخارجية لحكومة عبدالناصر خلال الأيام الأولى لتوليها السلطة فى مصر، وكنا أقرب إلى الميل إلى اعتبارها وعلى ما يبدو، نتاج واحد من الانقلابات العسكرية المشهورة التى طالما عرفناها وتعودنا عليها؛ ولذا فلم نكن ننتظر منها شيئا يذكر. وعموما فلم يكن أمامنا إلا أن ننتظر لنرى ما يمكن أن تتخذه القيادة المصرية الجديدة من قرارات».
وينتقل عمارة فى إطار رسمه لصورة ثورة يوليو فى عيون السوفيت إلى ما كتبه الروسى أناتولى فى مقالته التى نشرها تحت عنوان «ناصر خروشوف.. تاريخ العلاقات» فى مجلة «ابوزريفاتل» الروسية عام 1993، حيث قال يجورين:
«إن القيادة السوفيتية اعتبرت استيلاء الجيش على السلطة فى مصر مغامرة لن ينجم عنها سوى نظام قمعى تعسفى؛ نظرا إلى أن الجيش المصرى لن يكون من هذا المنظور جيشا ثوريا؛ ولأن الجيوش بطبيعتها أداة من أدوات العنف».
وأضاف:
«إن موسكو ظلت وعلى مدى ثلاث سنوات تتابع عبدالناصر الذى كانت تعتبره دكتاتورا عسكريا حسب وصف الشيوعيين المصريين له»، ويتابع المستشرق الروسى:
«إن التقديرات السوفيتية لم تكن فى البداية موضوعية انطلاقا من إغفالها المدى الذى يمكن أن تمضى إليه جيوش البلدان النامية على النقيض من مثيلاتها فى البلدان الأكثر تقدما. ولذا كان من الطبيعى أن تستغرق دراسة شخصية عبدالناصر بعض الوقت من خلال متابعة خطواته وما يتخذه من قرارات ومواقف فى مواجهة الداخل والخارج ولا سيما فى تعاملاته مع قيادات كل من بريطانيا والولايات المتحدة».
وذلك ما أسفر لاحقا عن تغيرات جذرية كانت مقدمة لعقد أول اتفاقية عسكرية بين البلدين، وكانت الحكومة السوفيتية قد أعلنت فى أكثر من مناسبة عن تأييدها للجهود التى تبذلها مصر من أجل التوصل إلى اتفاق حول جلاء القوات البريطانية من الأراضى المصرية، وهو مايكشف عنه بيان الخارجية الروسية الصادر فى 16 إبريل 1955، والذى كشفت موسكو من خلاله عن موقفها صراحة من انحيازها إلى شعوب الشرق الأوسط، وكذلك البيان الصادر فى 13 فبراير 1956، والذى يؤكد سعى موسكو منذ أولى سنوات تقاربها مع مصر على رصد كل ما من شأنه الخروج على الشرعية الدولية فى إطار محاولاتها الأولية لتسوية النزاع العربى الإسرائيلى.
مثل هذه البيانات الصادرة عن أعلى المستويات فى العاصمة السوفيتية لم تكن سوى نتاج للاتصالات الأولى التى جرت بين عبدالناصر ودميترى شيبيلوف مبعوث القيادة الحزبية السوفيتية إلى القاهرة فى يوليو 1955، وما أسفر عنها من خطوات أكدت صحة توجهات الطرفين وصدق نواياهما والرغبة المشتركة فى إقامة علاقات سليمة على أسس من التكافؤ والمساواة والمصلحة المتبادلة.
وتمضى الأيام سريعة ليتخذ خروشوف قراره حول استبعاد مولوتوف من منصبه كوزيرٍ للخارجية السوفيتية، واستبداله بدميترى شيبيلوف مبعوثه السابق، الذى اكتشف أن عبدالناصر شريكٌ يمكن الوثوق به وزعيمٌ تنتظره آفاق واعدة؛ ولذا لم يكن غريبا أن تكون مصر فى مقدمة البلدان التى اختارها شيبيلوف لزيارتها فى أول جولة خارجية ضمت كذلك سوريا ولبنان، فيما اعتذر عن القيام بزيارة مماثلة لإسرائيل استجابة لدعوة رسمية من قيادتها.
ويقول المؤرخ الروسى مليتشين إن شيبيلوف فاجأ خروشوف بإبلاغه بسر كان عبدالناصر يختزنه للرد على رفض البنك الدولى والإدارة الأمريكية تقديم ما طلبته مصر من قروض لبناء السد العالى. ونقل عنه اعترافه:
«أن عبدالناصر أسَرَّ إلى خروشوف بأنه ينتوى الإعلان عن تأميم قناة السويس».
لماذا تأجلت زيارة ناصر لموسكو؟
يظل الجدل محتدما حول حقيقة ملابسات ومقدمات أول زيارة يقوم بها زعيم عربى للعاصمة السوفيتية.. زيارة رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبدالناصر لموسكو فى إبريل 1958، والتى تأجلت أكثر من مرة بعد أن كان مقررا القيام بها قبل ذلك التاريخ بكثير.
وفى الطريق لهذه الزيارة التاريخية، ينقل عمارة روايتين للخطوة التى يراى انها مهدت الطريق نحو التقارب الحقيق فى العلاقات بين البلدين، ألا وهى صفقة الأسلحة التشيكية، أولى الروايتين تذهب إلى ان مدينة براغ التشكية كانت مقرا للمباحثات السرية حول الصفقة، حيث اختارت القيادة المصرية وفدها برئاسة حافظ إسماعيل مدير مكتب وزير الحربية عبدالحكيم عامر فى ذلك الحين. ومن منطلقات السرية والتمويه، انطلق أعضاء الوفد إلى يوغوسلافيا التى قضوا بعاصمتها يومين، سافروا بعدهما عن طريق البر إلى براغ. أما الوفد السوفيتى فقد اقتصر على عدد من المستشارين التشيك انضم إليهم نظراؤهم من موسكو، أيضا فى إطار من السرية والكتمان الشديدين.
غير أن هناك رواية أخرى تحمل رأيا مغايرا حول هذه القضية بما يتعلق منها بالعلاقة بين عبدالناصر وموسكو، أوجزها محمد حسنين هيكل فى كتابه «ملفات السويس.. حرب الثلاثين سنة».
وتقول هذه «الرواية» إن هذه العلاقة تعود إلى إبريل 1955 يوم التقى عبدالناصر مع شواين لاى رئيس وزراء الصين فى الهند، وكان فى طريقه لحضور مؤتمر عدم الانحياز فى باندونج. ومضى هيكل ليسرد ما دار فى لقاء عبدالناصر مع شواين لاى، وتحديدا سؤاله الذى توجه به إليه صراحة:
«هل يقبل الروس أن يبيعوا لمصر سلاحا؟».
ويتعهد شواين بأنه سيفاتح ماوتسى تونج وسوف يطلب منه الاتصال بخروشوف مباشرة. وتمضى الأيام ويعود عبدالناصر إلى القاهرة، وترد موسكو بالموافقة على التباحث مع مصر بشأن توريد السلاح؛ لكن شريطة إحاطة هذه القضية بالسرية والكتمان الشديدين. وقال هيكل إن الاتصالات بدأت فى المعادى وسط أجواء تكتنفها أقصى درجات السرية بين الملحق العسكرى السوفيتى ومساعد رئيس هيئة أركان الجيش المصرى.
وبغض النظر عن حقيقة تباين الرؤى و«الحكايات» تجاه البداية الحقيقية لاتصالات الجانبين حول «صفقة الأسلحة التشيكية»، فإن الواقع يقول إن هذه الصفقة كانت البداية العملية للتقارب المصرى السوفيتى، وهو ما نجد تفاصيله فيما جرى لاحقا من اتصالات تكشف بعضا من جوانب اتصالات الجانبين، وخاصة مجموعة من الرسائل التى بعث بها «دانييل سولود» السفير السوفيتى فى القاهرة فى اغسطس وسبتمبر من العام 1955، وحملت عبارات «سرى» وسرى للغاية» والتى اطلع عليها سامى عمارة فى أرشيف الخارجية الروسية، ويكشف فى إحداها السفير السوفيتى عن اسباب اعتذار عبدالناصر للدعوة الت تلقاها لزيارة موسكو، وأوجزها فى مخاوف عبدالناصر من أنه «فى حال التقارب المكشوف وتوسيع التعاون الاقتصادى بين مصر والاتحاد السوفيتى يمكن أن يوقف الإنجليز إجلاء قواتهم من منطقة قناة السويس.. كما أن الولايات المتحدة وإنجلترا تحذران الآن الحكومة المصرية من العواقب الوخيمة لتقارب مصر مع الاتحاد السوفيتى وتلجآن إلى التهديدات السياسية والاقتصادية وغيرها من مختلف أنواع التهديدات».
وتحمل الرسائل فى صياتها كذلك، العديد من المؤشرات الإيجابية فى العلاقة الوليدة بين البلدين، إذ يقول سولود فى إحداها أنه «من الممكن أن يسفر التعاون الاقتصادى التدريجى بين مصر والاتحاد السوفيتى عن نتائج إيجابية للغاية بالنسبة إلى الحكومة المصرية من مختلف وجهات النظر».. ويستشهد بحديث لعبدالناصر فى مؤتمر باندونج للتدليل على تغير صورة الاتحاد السوفيتى فى نظر مصر، حيث قال: «إن الحقائق تؤكد أن الحكومة المصرية أخطأت التقدير.. وأنها تخلص الآن إلى أن الحكومة السوفيتية تكن لمصر وقيادتها أخلص مشاعر الصداقة».
تأميم قناة السويس، وإنذار خروشوف
هل أودى جمال بالبلاد إلى التهلكة حين أعلن تأميم القناة فى عام 1956، وكان من الممكن الانتظار لعشر سنوات فقط كى تتسلم مصر القناة دون التورط فى معركة خاسرة؟ سؤال برع المؤلف فى الإجابة عليه من واقع إبحاره فى الوثائق السوفيتية، ليرصد إلى جانب «توطد العلاقات بين البلدين نتيجة الموقف المشرف للقيادة السوفيتية من أزمة التأميم والعدوان الثلاثى على مصر»، تفاصيل المعركة التى شنها الغرب على مصر، متمثلا فى فرنسا وبريطانيا وأمريكا، علاوة على إسرائيل، بهدف « تكبيل الإرادة المصرية».
ومن بين ما يستشهد به عمارة لتبرئة ساحة عبدالناصر من تهمة التورط فى معركة خاسرة، يأتى ما أوجزه وزير الخارجية السوفيتية دميترى شيبيلوف فى خطابه بتاريخ 21 أغسطس 1956 الذى ألقاه فى «مؤتمر لندن بشأن مسألة قناة السويس»، حين فضح ما بذلته الولايات المتحدة من محاولات غير مباشرة بهدف تدويل قناة السويس بما يُفقد مصر السيادة على القناة، وينال من مشروعية امتلاكها، وامتلاك حق السيادة عليها، مؤكدا «إن بعض الدول الغربية حاولت قبل إعلان الجمهورية المصرية (أى قبل ثورة يوليو 1952) إقناع الحكومة المصرية بمد امتياز قناة السويس من عام 1966 حتى عام 2008 إلا أن مصر رفضت كل هذه الاقتراحات».
وينقل المؤلف نصوص العديد من الخطابات التى تكشف عن الموقف الصلب للقيادة السوفيتية، ووقوفها إلى جانب مصر، إلى حد التهديد الصريح والمباشر لقوى العدوان، كما كان الحال فى رسالة نيكولاى بولجانين رئيس الحكومة السوفيتية التى اعرب خلالها عن مواقف بلاده وقال فيها:
«إننا مصممون على دحر المعتدى بالقوة، والعمل من أجل إقرار السلام فى الشرق الأوسط»، محذرا مما وصفه ب «حرب عالمية ثالثة». وكان بولجانين بعث برسالة مماثلة إلى كل من جى موليه رئيس الحكومة الفرنسية، ودافيد بن جوريون رئيس وزراء إسرائيل، وهو ما اعتبره الكثيرون تهديدا مباشرا باحتمالات قصف هذه البلدان بالصواريخ السوفيتية. ويكلل الموقف السوفيتى ببيان موسكو الشهير الصادر فى 10 نوفمبر 1956 والمعروف «شعبيا» باسم «الإنذار السوفيتى»، والذى قالت فيه وكالة أنباء «تاس»:
«إنها مخولة بأن تعلن أن قيادة الاتحاد السوفيتى تؤكد أنه وفى حال عدم سحب فرنسا وبريطانيا وإسرائيل قواتها من الأراضى المصرية امتثالا لقرارات الأمم المتحدة حول وقف العدوان والانسحاب، فإن الهيئات السوفيتية المعنية لن تتردد إزاء السماح للمتطوعين من المواطنين الروس الراغبين فى السفر للقتال إلى جانب الشعب المصرى فى نضاله من أجل الاستقلال».
أول اتصال مباشر بين ناصر وخروشوف
يظل الجدل يحتدم حول حقيقة ملابسات ومقدمات أول زيارة يقوم بها زعيم عربى للعاصمة السوفيتية.. زيارة رئيس الجمهورية العربية المتحدة جمال عبدالناصر لموسكو فى إبريل 1958، والتى تأجلت أكثر من مرة، بعد أن كان مقررا القيام بها قبل ذلك التاريخ بكثير.
ولعل الجدل حول ملابسات الزيارة يمكن استخلاصه مما استهل به ناصر مباحثاته مع الزعيم السوفيتى خروشوف والوفد المرافق له:
«إن الانطباعات عن اللقاءات الأولى للوفد فى موسكو جعلت أعضاء الوفد ينقسمون إلى فريقين: الأول فهم من ردود أفعال الجانب السوفيتى أن هناك من يظن أننا مقدمون على التعاون مع الاتحاد السوفيتى من أجل انتزاع معونات ذاتية من الأمريكيين؛ والثانى يؤكد أنكم تدركون حقيقة أننا صادقون فى رغبة التعاون مع الاتحاد السوفيتى بعيدا عن أى مآرب ذاتية وانطلاقا من الرغبة فى تطوير الصداقة الحقيقية بين الاتحاد السوفيتى والجمهورية العربية المتحدة»، بحسب ما أوجزته السلطات السوفيتية من تفاصيل أودعتها الوثيقة التالية المؤرخة فى 30 إبريل 1958، والتى مُهِرَت بخاتم «سرى»، وهو ما رد عليه الزعيم السوفيتى «إن من فهم صدق رغبتنا فى توطيد أواصر الصداقة بين الاتحاد السوفيتى والجمهورية العربية المتحدة فهو محق فى استنتاجاته، أما من خلص إلى استنتاج مغاير بشأن كلماتنا حول الصداقة فيجب إدانته، ولو لم تكونوا مسلمين لكنا أنزلنا بهؤلاء العقاب على الطريقة الجورجية. وأوضح خروشوف هذا النوع من العقوبات على الطريقتين الجورجية والأرمنية، ويتمثل فى ملء «قرن حيوان كبير» بالخمر وإرغام المخطئ على احتسائها!».
ويذكر المراقبون السوفيت أن نتائج هذه الزيارة التى تعد الأولى من نوعها فى تاريخ البلدين، لزعيم مصرى عربى لموسكو، فاقت كل التوقعات. واعتبرها البعض ومنهم يفجينى بريماكوف رئيس الحكومة الروسية الأسبق إيذانا ببدء مرحلة نوعية جديدة فى تاريخ العلاقات ليس فقط بين الاتحاد السوفيتى ومصر، بل مع العالم العربى ومنطقة الشرق الأوسط والقارة الإفريقية أيضا. وبرغم ما يشبه الإجماع فى الساحتين المصرية والروسية، حول مدى إيجابية ما تحقق من نتائج، فإن هناك من المراقبين فى موسكو من توقف طويلا عند ما حرص الرئيس عبدالناصر على الإشارة إليه حول الظنون التى تراود البعض من أعضاء الوفد المصرى بشأن الأهداف الرئيسية للزيارة، وبما يمكن أن تعنى معه أن تكون العلاقات مع موسكو «علاقات اضطرار وليست علاقات اختيار».
ويفرد الجنرال فاديم كيربيتشينكو فصلا كاملا من كتابه «من أرشيف ضابط كى جى بى»، تناول فيه مباحثات عبدالناصر فى موسكو تحت عنوان «الزيارة الرئيسية»، وما أسفرت عنه من اتفاقات ارتقت بالعلاقة بين البلدين إلى ما هو أقرب إلى «الشراكة الإستراتيجية».
ويشير عمارة إلى ما قاله كيربيتشينكو حول أن عبدالناصر تردد طويلا فى اتخاذ قرار الزيارة فى إبريل 1958 على الرغم من أن علاقات البلدين كانت قد قطعت شوطا طويلا من اختبار الثقة، وبعد أن وقف الاتحاد السوفيتى إلى جانب مصر فى دحر العدوان الثلاثى وأمدها بالسلاح وأوفد إليها الخبراء العسكريين، إلى جانب التوصل إلى اتفاق مبدئى حول بناء السد العالى؛ حيث لم يوقِع البلدان اتفاقية بناء المرحلة الأولى للسد إلا فى ديسمبر 1958، أى بعد تلك الزيارة التاريخية.
بن جوريون يطلب وساطة خروشوف للقاء عبدالناصر
ونمضى مع الوثائق لنتوقف عند استمرار إسرائيل فى محاولاتها الرامية إلى الحد من تصاعد وتيرة التقارب المصرى السوفيتى، وتكرار إعرابها عن الرغبة فى استعادة علاقاتها الطيبة مع الاتحاد السوفيتى، فبحسب برقية ارسل بها السفير السوفيتى الجديد فى إسرائيل ميخائيل بودروف، فقد طلب منه دافيد بن جوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية فى 17 يونيو 1958، مخاطبة القيادة السوفيتية بطلب وساطتها من أجل تدبير اللقاء مع الرئيس جمال عبدالناصر.
وفى تبرير هذا الطلب، يقول نائب وزير الخارجية فلاديمير كوزنيتسوف فى برقية ارسلها إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى: نحن نعتقد أن طلب بن جوريون يستهدف على ما يبدو إفساد العلاقة بين الاتحاد السوفيتى والبلدان العربية، أما فى حال رفض الاتحاد السوفيتى طلب بيع الأسلحة إلى إسرائيل، فإنها سوف تستغل ذلك أمام الرأى العام لتبرير زيادة وارداتها من الأسلحة من الدول الغربية.
وتقول الوثائق إن اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى استجابت لتوصية نائب وزير الخارجية فلاديمير كوزنيتسوف وهو ما أبلغ به سفيره بودروف فى تل أبيب. لكن القيادة الإسرائيلية لم تتوقف عن محاولاتها؛ حيث عادت لتطلب فرصة اللقاء مع الزعماء السوفيت.. وأيضا دون جدوى.
وفى 25 نوفمبر 1958 أبلغ وزير الخارجية أندريه جروميكو اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السوفيتى أن: «بن جوريون رئيس الحكومة الإسرائيلية طلب من السفير السوفيتى فى تل أبيب فى 17 نوفمبر من العام الجارى اللقاء مع قيادات الحكومة السوفيتية.
ومن اللافت أنه ومنذ الإعلان عن قيام إسرائيل فى عام 1948، أى على مدى عشر سنوات، لم يزر موسكو أىٌّ من رئيس حكومة إسرائيل أو وزير خارجيتها، فضلا عن أنه لم يزرْ تل أبيب أيضا أىٌّ من القيادات السوفيتية.
اقرأ ايضًا: القاهرة موسكو.. حقائق وأسرار العلاقات المصرية السوفيتية فى كتاب جديد لسامى عمارة.. حافة الهاوية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.