كراهية السلطان لأعضاء لجنة التفاوض سببت عدم حماسته لتشكيلها رجال الخدمة المدنية البريطانيية انزعجوا من حدوث تغيير لا يحمي مصالحهم رفضت استقالة الحكومة لأن (المحرضين سيتباهون بإسقاطها وسيهاجمون الجديد بحماسة) تخوفات بريطانية من وجود القوات المصرية في السودان بسبب (فيروس الوطنية) تواصل "الشروق" على مدار شهر مارس عرض مجموعة من الكتب، الحديثة والقديمة، التي تروي جوانب مختلفة لتأريخ وتوثيق أحداث ثورة 1919 من الأسباب إلى المآلات. وأول كتاب نتجول بين صفحاته هو ترجمة كاملة لوثيقة إنجليزية عن أحداث ثورة 1919 ضمن الأرشيفات الوطنية للمملكة المتحدة في لندن، ينتمي إلى وزارة المستعمرات في مجلد بعنوان "لجنة ملنر 1919-1920". لجنة ملنر هي لجنة شُكلت في 22 سبتمبر 1919 من قبل الحكومة البريطانية، للوقوف على أسباب ثورة 1919 في مصر. المجلد الأصلي يسجل الأحاديث التي أجراها أعضاء اللجنة مع شخصيات ذات نفوذ في مصر، وداخل المجلد وثيقة مكونة من 70 صفحة فولسكاب مكتوبة على الآلة الكاتبة عنوانها "الأحاديث التي أجراها اللورد ملنر خلال رئاسته اللجنة الخصوصية المنتدبة لمصر". الكتاب هو أحدث ما نشر في السوق المصرية عن ثورة 1919، صدرت طبعته الأولى عن دار الشروق 2019، ويقع الكتاب في 173 صفحة، من القطع المتوسط، أعدته وحررته منى عبدالعظيم أنيس مديرة قسم التحرير بدار الشروق، وترجمه للعربية د. صلاح أبو نار، وكتب مقدمته المفكر والمؤرخ المستشار طارق البشري. ****** يستمر ملنر في رواية مذكراته بعد أن أمضى في القاهرة نحو شهرين من لحظه وصوله في 3 ديسمبر 1919. بعد أن استعرض ملنر، في الحلقة السابقة بعض انطباعاته عن السلطان فؤاد، والتنظيم القوى لحزب الوفد، وتعاطف أعضاء النيابة العامة مع المتهمين بالتظاهر، يستمر في لقاءاته مع بعض الشخصيات المصرية من أجل فهم أوضح وأشمل للأحداث وأسبابها. كما يقدم ملنر لأول مرة لمحة عن الأوضاع الاقتصادية بنقله أن ارتفاع أسعار القمح قفزت 4-5 أضعاف، كما يلتقي ملنر لأول مرة مع شيخ من شيوخ الأزهر، كما يفسر أسباب القلق البريطاني من الوجود المصري في السودان. الحوار مع فيشر : من أبرز من التقى معهم ملنر في تلك الفترة، هو Ficher فيشر رجل يهودي من أصول نمساوية ولد وعاش في مصر وهو رائد من رواد الزراعة، ومن رعايا بريطانيا ( ما سمعته من فيشر أدى إلى هز الاقتناع الذي كنت قد توصلت إليه تدريجيا، بأن الاتجاه السليم هو الانسحاب التدريجي من مصر، ووضع المسئولية في أيدي أبناء البلاد). وفي رأي فيشر فإن ثورة 1919 التي يصفها ب(التحريض) كانت معادية تماما لمصالح غالبية صغار ملاك الأرض والفلاحين الذين يشكلون العمود الفقري للرخاء في مصر. العودة لحوارات السلطان: من جديد عاد ملنر لتدوين لقاءاته مع السلطان فؤاد، استنتج منها أن الأخير يريد إعادة تأسيس السلطة، على الرغم من شك ملنر في قدرته على ذلك، كما ظهر عدم حماسة السلطان لخطة ملنر الخاصة باختيار وفد مصري للتفاوض مع بريطانيا، بالنظر لكراهية السلطان للأشخصات الذين سيكون مضطرا لاختيارهم. لقاء مع الأسقف الكاثوليكي البريطاني: التقى ملنر مع الأسقف كورييه Bishop Courier الذي أخبره بوجود ما لا يقل عن 30 ألف قبطي كاثوليكي في مصر، كجماعة ثرية ومستقلة ومتعاطفة مع البريطانيين، إلا أنهم أثاروا القلق بشأن عدم وجود مدارس لأولادهم، فهم لا يرغبون في إرسالهم إلى المدارس الحكومية، ولا يريدون تعلم الفرنسية كلغة أوروبية أساسية. وأبدى الأسقف أسفه لعدم وجود أي مدارس إنجليزية في الخارج، بوصفها أفضل أسلوب لنشر النفوذ البريطاني. قضى ملنر 10 أيام في المطرية مع فيشر، الذي اعتبره منجم معلومات عن مصر، إلا أنه لم يدون أغلب المناقشات شديدة الأهمية، لعدم وجود ما يكفي من الوقت. الوضع الاقتصادي: لأول مرة منذ بداية كتابة يومياته، يرصد ملنر جانبا من الجوانب الاقتصادية والحياتية للمصريين غير لقاءاته ومباحثاته واجتماعاته، بعد أن التقى بهراري (عضو الطائفة اليهودية في مصر) في حديث مستفيض، رصدا فيه خطورة الوضع الاقتصادي خصوصا ما يتصل بسعر الغذاء، حيث ارتفع سعر القمح 4-5 أضعاف سعره قبيل الحرب، دون أي زيادة في الأجور لمواجهة هذا التضخم. تحذير آخر عبر عنه هراري لملنر بتخوفه من القوات المصرية في السودان، لأن ولاءها محل شك. أخذت الأوضاع تسوء مرة أخرى، بزيادة مضطردة خصوصا بعد محاولة اغتيال سري باشا، التي أصابته بالرعب، مع تصعيد الصحافة الوطنية للضجة (المثيرة للخزي) ضد مشروعات الري في السودان، وهو تصعيد وصفه ملنر (مواجهة واضحة مع تحريض عنيف). كما ساهم في ازدياد الأوضاع سوءا ندرة الغذاء في مناطق الصعيد، والارتفاع المضطرد في تكاليف الحياة في كل مكان، مع حالة (الهياج الراهنة التي حلت بالعقل العام) أصبحنا (بريطانيا) أمام موقف صعب يحتاج التغلب عليه إلى قدر كبير من الحصافة والابتكار. حوار مع شيخ من الأزهر: لأول مرة منذ وصوله إلى مصر يقابل ملنر أحد مشايخ الأزهر، بوساطة من رئيس تحرير الوطن، وقدم ملنر مذكرة تفصيلية بأقواله مع آخرين لكنه لم يوردها في يومياته، وإن وصفها بانها معلومات غنية ومفيدة، وأن أصحابها تركوا لديه انطباعا عميقا بالصدق والإخلاص. تخوف بريطاني من تخفيض رجال الخدمة المدنية : في لقاء ملنر مع مجموعة كبير من رجال الخدمة المدنية البريطنية في مصر، بينهم روز تايلور، وواطسون، وماكدونل، وويلسلي، وروبرتس، وبري، وبانريت ستيورات بدا لي ى أن الأمر الأكثر إزعاجا للذين كنت أحادثهم، هو توقعهم حدوث تغيير يقود لتخفيض كبير في أعداد رجال الخدمة المدنية البريطانيين، دون حماية مصالحهم وحقوقهم). تستمر لقاءات ملنر مع السلطان وهي لقاءات طويلة لم تسفر عن نتائج حاسمة، إلا أن أبرز ما دونه ملنر بشأنها هو عدم معارضة السلطان بشكل حاسم لاختيار وفد يشمل سعد زغلول للتفاوض مع انجلترا. إجراءات أللنبي للسيطرة: في لقاء مع الجنرال أللنبي في 22 فبراير 1920 يروي ملنر أن اللنبي مع خطورة الأوضاع، قال إنه سيتخذ إجراءات أقوى من أجل السيطرة على (التحريض) وعلى رأسها، إعادة فرض الرقابة على الصحافة، ومنع كل الاجتماعات ووقف جمع النقود للوفد. وعلى الرغم من موافقة ملنر على إجراءات اللنبي إلا أنه عاد ليقول (إن هذه الإجراءات ستجعل المفاوضات في هذه اللحظة مستحيلة). وهبة يعرض الاستقالة: في مواجهة الوضع الذي يزداد سوءا مع الأيام، عرض وهبة باشا (رئيس الوزراء) استقالته، وهو ما رفضه ملنر لأن (سقوط الوزارة الآن سيكون أمرا سيئا لأن المحرضين سوف يتباهون أنهم أسقطوها، ويستأنفون الهجوم على من يخلفه وبدرجة أعلى من الحماسة). في خلال لقاءاته الأخيرة، تعرض ملنر أكثر من مرة للوجود المصري في السودان، وهو ما عاد وفسره في لقاء مع كيون بويد Kewon Boyd (وجدته مدركا لخطر عدوى السودان بفيروس الوطنية المصرية، وهو يريد رحيل الجيش المصري من هناك وعزل المديرين المصريين من مناصبهم بأسرع وقت). وغداً حلقة جديدة......