تبدأ "الشروق" من اليوم، وعلى مدار شهر مارس، عرض يوميات ثورة 1919، التي اندلعت أولى مظاهراتها في 9 مارس بالتحديد، وذلك لإطلاع الأجيال الشابة على أحداث هذه الثورة التي تعتبر أول حراك شعبي سياسي واجتماعي في تاريخ مصر الحديث، شاركت فيه كل فئات وطوائف المجتمع. الكتاب الذي نعتمد عليه لاسترجاع هذه الأحداث هو "تاريخ مصر القومي 1914 -1921" للمؤرخ الكبير عبدالرحمن الرافعي، الذي يروي في قسم كبير منه يوما بيوم حالة مصر بعاصمتها وأقاليمها وشوارعها وجامعتها في فترة الثورة. ************ وبحسب الرافعي ف"لم يكن الظن بادئ الأمر أنها ثورة" فقد اعتبرها الكثيرون مجرد احتجاجات طلابية في الجامعات، ستنتهي برصاصات قوات الاحتلال الانجليزي، لكن ما جرى كان مفاجئا وخارجا عن كل تصورات وتوقعات الجميع. ما قبل الثورة : قبل بدء شهر مارس 1919 وتطور الأحداث لقيام الثورة، كانت حركة الوفد بقيادة سعد زغلول، تلقى تأييدا من قبل حسين رشدي باشا رئيس الوزراء، الذي شجع على تأليفه وكانت خطوات الوفد تسير باتفاق معه، وكانت الوزارة تنال استئناسا من قبل الرأي العام لمشاركة الشعب شعوره ومكنته من رفع صوته في مؤتمر الصلح. طلب سعد من رشدي باشا في 13 نوفمبر 1918، الذهاب لدار الحماية في لندن، وما يدل على تمام الاتفاق بين الوفد والوزارة، رفع رشدي باشا في اليوم ذاته تقريرا إلى السلطان فؤاد، يعرض عليه أن يعهد إليه وإلى زميله عدلي يكن باشا بالسفر إلى لندن للتحدث إلى الحكومة البريطانية في شأن مستقبل مصر السياسي. ووافق السلطان حينها على القرار وعهد إلى رشدي وعدلي القيام بهذه المهمة، وفي اليوم ذاته قابل رشدي باشا السير ونجت وأفضى إليه بهذه الفكرة، وطلب الترخيص أيضا للوفد بالسفر إلى لندن. انتهت المقابلة على أن يعرض السير ونجت الأمر على الحكومة البريطانية، الذي سمح لرشدي وعدلي بالسفر، إلى أن جاء رد الحكومة البريطانية برفض ترخيص سفر سعد وصحبه إلى لندن، أما بالنسبة لزيارة رشدي وعدلي فلم يكن الوقت مناسبا لها؛ لانشغال وزير الخارجية البريطانية المستر بالفور بمفاوضات الصلح، وأنه سيغيب هو بعض زملائه عن لندن والسفر لباريس لقرب انعقاد المؤتمر بها. رأى رشدي باشا رد الحكومة البريطانية بمثابة رفضا لطلبه فقدم استقالته في الأول من ديسمبر، لكن السلطان فؤاد لم يقبل الاستقالة، وطلب من رشدي باشا التريث في الأمر وتدخل السير ونجت وأشار على السلطان بألا يقبلها إلى بعد مراجعة الحكومة البريطانية، التي ردت بتأجيل قبول الاستقالة. لكن أصر رشدي باشا على الاستقالة في 23 سبتمبرن وكان إصراره تأييدا للحركة الوطنية وأكسبها قوة وحماسة، وظهر الإصرار أكثر عند تقديمة الاستقاله مرة أخرى في 30 ديسمبر يستعجل فيها السلطان فؤاد، قبول الاستقالة وأنه يستحيل عليه أن يقبل أي تأخير جديد. مارس واستهلال الثورة : وبدأ شهر مارس 1919 والأفق السياسي ينذر بهبوب العاصفة، فكانت تسوده حالة من هياج الأفكار، والأحوال تدل على إصرار الحكومة البريطانية على تثبيت حمايتها التي فرضتها 1914، كان الرأي العام حينها على استئناس من بقاء وزارة رشدي باشا في الحكم، وعلى اطمئنان أن تنجح المساعي في تمثيل مصر في المؤتمر ما بقيت وزارة رشدي، لأن عدم قبول السلطان استقالتها معناه إمكان تنفيذ وجهه نظرها من هذه الناحية ومعناه أيضا أن السلطان متفق مع الوزارة في سياستها. قبول الاستقالة : قبل السلطان فؤاد استقالة وزارة رشدي باشا هذه المرة، وبدا من كتاب القبول أن في الأفق وزارة جديدة ستؤلف، وأن المطلوب من رشدي باشا الاستمرار في إدارة الأعمال إلى أن يتم تأليف الوزارة الجديدة. أدرك حينها الرأي العام أن تأليف هذه الوزارة سيكون طبعا على أساس تثبيت الحماية البريطانية، وعدم تمثيل مصر في مؤتمر الصلح، مدركا أنه لم يكن هناك موجب لقبول الاستقاله إذا كان برنامجها نفس برنامج رشدي باشا، فقبولها معناه أن السراي اعتزمت الانفصال عن الأمة وأن الوزاة الجديدة ستصطدم مع أماني الشعب، فكان القبول نقطة تحول في سياسة السراي. الوفد والاحساس بالخطر : فكان الوفد أول من شعر بالخطر من هذا التحول، فمنذ بدء التفكير في تأليفه، كان تحت دعم وتأيد وتعاون من قبل وزارة رشدي باشا، وأوجس خيفة من تأليف وزارة جديدة تأخذ ضده موقف التحدي والمناوأة، الذي بدا جليا في الكتاب الذي رفعه إلى السلطان في اليوم التالي 2 مارس 1919. وغدا حلقة جديدة.....