«كتاب يجب أن يقرأه كل صحفى ومواطن واع»، هكذا أوصَت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية فى إيجاز بالاهتمام بقراءة كتاب «الرقابة والتعتيم فى الإعلام الأمريكى»، وهو الكتاب الذى ترجمه إلى العربية «أحمد محمود» وأصدرته دار «الشروق» فى 311 صفحة، وقد اشترك فى تأليفه بيتر فيليبس مع مشروع «مراقب»، وهو مشروع معروف قدّم على مدى ثلاثين عاما أخبارا تتسم بالمصداقية الشديدة التى يحتفى الكتاب بقيمتها بقوله: «تخيلوا الأخبار الصادقة على أنها معلومات إعلامية تسهم فى حياة الفهم الاجتماعى السياسى للناس، تقدم هذه الأخبار المعلومة للمجتمع وتحافظ على توازنه وتوعّيه، والخبر الصادق يقول الحقيقة للسلطة ويتحدى الأنظمة الإخبارية الفوقية المهيمنة التابعة لشركات الترفيه الضخمة، والخبر الصادق يمكّن الشرائح الرئيسية من العاملين فى الولاياتالمتحدة ويحعلهم واعين ومطلعين وفاعلين باستمرار»، ويتابع: «الخبر الصادق يصل إلى أعماق النفس ويساعدنا فى العثور على جوهر العمل المشترك، والخبر الصادق ينظم التحرك نحو تحسين الحياة الإنسانية، ويشكل سياسة المساواة، ويتصدى لمروجى فكرة الهيمنة الكونية من المحافظين الجدد». جمع مشروع «مراقب» أبرز القصص الإخبارية من وجهة نظره التى تجاهلتها وسائل الإعلام الإخبارية التابعة للشركات الضخمة داخل التيار السائد آنذاك، واستطاع أن يلم عبر تجربته الواسعة والجسورة بالأسباب وراء فشل وسائل إعلام الشركات الضخمة المهيمنة فى مهمتها الأساسية الخاصة بمحاسبة أصحاب النفوذ، وفى هذا الصدد يقول أستاذ الصحافة فى جامعة تكساس روبرت جينسن ،الذى كتب مقدمة الكتاب، إن صحفيى الشركات الضخمة يتفقون على أنه ينبغى عليهم العمل كمراقبين للسلطة بيد أنهم يغضبون من الإشارة إلى عدم قيامهم بذلك، ففى مجتمع تتركز فيه سلطة ضخمة فى الدولة المعسكرة والشركات الضخمة المتوحشة تكون مهمة الصحفى عندها واضحة، وهى حسب العبارة التى قالها يوما الصحفى الشهير كارل ماركس فى القرن التاسع عشر: «النقد الذى لا يعرف الرحمة للنظام القائم»، غير أن المراقبين الصحفيين الموجودين فى التيار السائد فى الوقت الراهن ،الذين هم فى أغلب الأحيان بلا أسنان أكثر منهم بلا رحمة، ينتهى بهم الحال إلى النباح أكثر من العض، وذلك حسب تعبير جينسن، الذى اعتبر أن كتاب «الرقابة والتعتيم فى الإعلام الأمريكى» يذكرنا أن مهمة الصحافة الجوهرية فى أية ديموقراطية لا تتغير، وهى ذلك النقد الذى لا يرحم النظام القائم، ومراقبة المؤسسات القوية، ودور الصحافة كمراقب. شملت القصص المراقبة فى عامى 2005 و2006 موضوعات حول مستقبل الجدل حول الإنترنت الذى تتجاهله وسائل الإعلام، وزيادة الجوع والتشرد فى الولاياتالمتحدة، والإبادة الجماعية فى الكونغو، وتأكيد أخطار الأغذية المعدّلة وراثيا، والحرب الجوية الموسعة فى العراق التى أودت بحياة آلاف المدنيين، وإعفاء البنتاجون من قانون حرية المعلومات، والبنك الدولى يمول الجدار العازل بين إسرائيل وفلسطين، وعدد آخر من القصص التى رصدها برنامج «مراقب» الذى أمضى فيه نحو 200 من أعضاء هيئة التدريس والطلاب آلاف الساعات فى بحثها، ومن بين القصص الإخبارية المراقبة التى تناولها الكتاب أيضا قصة حول اتهام شركة هاليبرتون ببيع التكنولوجيا النووية إلى إيران، وهى القصة التى نشرت تحت عنوان «هاليبرتون تدخل سرا فى تعامل تجارى مع عضو بارز فى فريق إيران النووى»، وذكرت مصادر من شركة تشينى السابقة هاليبرتون أنه فى يناير من عام 2005 باعت هاليبرتون مكونات مفاعل نووى أساسية لشركة نفط إيرانية، وقال الصحفى صاحب القصة، ويدعى جيسون ليبولد، إن مصادره فى هاليبرتون لديها معلومات أكيدة تتعلق بتعاملات تجارية بين كل من هاليبرتون وأورينتال أويل كيش، وهى إحدى كبرى شركات النفط الخاصة بإيران، وبالإضافة إلى ذلك فقد عملت هاليبرتون خلال عامى 2004 و2005 على نحو وثيق مع سيروس ناصرى رئيس مجلس إدارة أورينتال أويل كيش للمشروعات النفطية فى إيران، كما أن ناصرى عضو مهم فى فريق تطوير الطاقة النووية فى إيران، وقد استجوبت السلطات الإيرانية ناصرى فى أواخر يوليو من عام 2005 بشأن ادعاء تزويده هاليبرتون بأسرار إيران النووية، واتهم مسئولو الحكومة الإيرانية ناصرى فى أواخر يوليو من عام 2005 بشأن ادعاء تزويده هاليبرتون بأسرار إيران النووية، واتهم مسئولو الحكومة الإيرانية ناصرى بقبول مليون دولارأمريكى كرشوة من هاليبرتون مقابل تلك المعلومات. لفت الكتاب إلى ما وصفها بالقوة ذات النفوذ التى تشكل صحافة الشركات الضخمة المعاصرة، وهى الحدود الأيديولوجية التى يعمل الصحفيون فى إطارها، وبعبارة أخرى فإن أحد الأمور التى يجب تذكرها عند الصحفيين الأمريكيين هى أنهم أمريكيون حيث جرى تعليمهم وتنشئتهم داخل نسق من المعتقدات المقبولة على نطاق واسع فى أروقة السلطة والمؤسسات الفكرية التى تخدم السلطة فى الولاياتالمتحدة، ويطرح الكتاب تساؤلا حول ماهية المكونات الأساسية لهذه الأيديولوجيا الأمريكية السائدة، ورأى أن هناك ثلاثة أفكار جوهرية تشبه الماء الذى نسبح فيه، وهو الاعتقاد بأن الادعاءات واضحة وبعيدة عن الشك ما لم يبذل أحدا جهدا منسقا لتحليل هذه «الحكمة التقليدية» وتحديها، ومعظم صحفيى الشركات الضخمة ليسوا على استعداد لمعارضتها، الأمر الذى يساعد على تفسير ما هو موجود فى الصحف اليومية والمجلات الإخبارية والبرامج الإخبارية التليفزيونية، ففى قلب هذه الأيديولوجية هناك تأكيدات على أن الرأسمالية هى السبيل الطبيعى إلى تنظيم الاقتصاد وبالتالى فهى حتمية، وأن الولاياتالمتحدة «الفريدة بين الدول» مُحبة للخير بطبعها فى سياستها الخارجية والعسكرية، وأن أية حلول سياسية «قابلة للتطبيق»، ومن ثم تستحق أن تؤخذ فى الاعتبار، تحددها برامج الحزبين الديموقراطى والجمهورى، ولا يعنى تعريف هذه الأفكار على أنها أيديولوجيا جوهرية الإشارة إلى أنه قُضى على الأفكار المعارضة كلها فى الولاياتالمتحدة وأن أحدا لا يفكر خارج هذه الحدود، فهناك جماعات سياسية تقدم رؤى بديلة، ولكنها تُدفع بصورة عامة إلى الهامش ونادرا ما تكون موجودة ضمن ما قد نسميه الطيف السياسى المرئى أى مجموعة الأشخاص والجماعات والأفكار التى يُسمح لها بالوصول على نحو دائم ومحترم إلى منابر التيار السائد، بما فى ذلك وسائل إعلام الشركات الضخمة، ويضيف الكتاب فى هذا الصدد: «غير أن الولاياتالمتحدة ليست دولة فاشية بل هى ديموقراطية ليبرالية وتعددية ورأسمالية، وفى مثل هذه الدول تتحقق الرقابة الاجتماعية فى المقام الأول من خلال توجيه الرأى العام، بالقمع والعنف المستخدمين بحكمة وإن كانا مدخرين باستمرار لوقت الأزمات». يميل الكتاب إلى أن نقد صحافة الشركات الضخمة لا يتم تناوله فى إطار نظرية المؤامرة التى تشير إلى تحكم عُصبة صغيرة فى العقل العام، إنما هو تحليل لكيفية ميل أدوات تثقيف الناس وتسليتهم بما فى ذلك المدارس والجامعات والصحافة ووسائل الترفيه إلى تكرار هذه الأيديولوجيا وإبعاد غالبية السكان عن الأفكار «الخطيرة»، وأى شخص عمل داخل هذه المؤسسات يعرف أن هناك بعضا من حرية المقاومة، ولكن نظام الثواب والعقاب للعاملين الأذكياء يبقى الغالبية العظمى من الأشخاص على النهج. يضم «الرقابة والتعتيم فى الإعلام الأمريكى» فصولا أخرى متفرقة إلى جانب عرض أهم 25 قصة خضعت للرقابة، ومنها فصل حول أخبار الوجبات السريعة وإساءة معاملة الأخبار، وأسوأ التلاعبات الإعلامية وكيفية التغلب على التلفيق، ومجموعة الهيمنة الكونية وإعلام الشركات الضخمة الأمريكية، والبحث عن ثغرات للديموقراطية الإعلامية، وفصل حول الصراع المستمر بين الإصلاح الإعلامى والديموقراطية.