بادر الرئيس الأمريكى باراك أوباما نهاية الشهر الماضى وخلال ترأسه لجلسة استثنائية لمجلس الأمن الدولى، إلى الدعوة لتوقيع معاهدة لوقف بيع المواد الانشطارية فى مارس المقبل. واعتبرت القاهرة كما يقول الخبير الدولى فى الملف النووى السفير نبيل فهمى إن دعوة أوباما جاءت بمثابة الفرصة السانحة لتلبية دعوات متماثلة دأبت القاهرة على ترديدها منذ سنوات دعت خلالها إلى إقامة منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط. ويقول فهمى إن مصر تحاول استثمار تلك الدعوة الأمريكية فى اتجاهين هما نزع السلاح النووى وعدم ازداوجية المعايير فى هذا الشأن، وعدم استثناء طرف من الأطراف فى إشارة لإسرائيل ثم اعتماد نهج ضمان حق الاستفادة من التقنية النووية السلمية لكل دول العالم. فى المقابل، ترفض إسرائيل التوقيع على الاتفاقية المقترحة متذرعة بحجج لا تنتهى آخرها دعواها بمحاولة ايران لامتلاك القنبلة النووية. ورغم أن البرنامجين النوويين لكل من إيران وإسرائيل يثيران قلق كل دول الشرق الأوسط بما فيها مصر فإن القلق الناجم عن استراتيجية الغموض التى تتعامل بها تل أبيب مع برنامجها النووى منذ عشرات السنين هى الأكثر إثارة لقلق القاهرة. وفى حديثه ل«الشروق» يقول محمد مجاهد الزيات الخبير فى الملف الايرانى والذى شارك ضمن وفد مصرى مؤخراً فى مؤتمر عقد «إن إسرائيل تعمل على ابتزاز دول المنطقة وعلى رأسها مصر بشأن صفقة تتعلق بعملية سلام الشرق الأوسط مقابل الإعلان عن موقفها النووى». ويضيف الزيات «بالتأكيد المخاوف المصرية من المشروع الإسرائيلى أكثر من البرنامج الايرانى، فالأول استكمل كل المكونات منذ فترة طويلة، من رءوس نووية غواصات متقدمة، وطائرات حديثة مجهزة للنقل النووى، فضلاً عن صورايخ حمل الرءوس النووية. وثبت لدينا فى مصر ووفقا لتقارير دوليه أن إسرائيل تواصل العمل على تطوير هذا البرنامج وتجرى تجارب سواء بالاشتراك مع دول أخرى مثل الهند لتوزيع المسئولية فى حال توجيه اتهامات لديها أو التنصل من تلك المسئولية عندما تجرى تلك التجارب فى الخفاء مثلما فعلت ذلك مرة فى سابقة غريبة أجرت خلالها تجربة فى حدود المنطقة كشف عنها بعد الانتهاء منها». ويضيف الزيات «نحن علمياً أمام برنامجين غير متعادلين، برنامج امتلك كل مقوماته وآخر يسعى إلى امتلاك ومحاصر والأخر يرفض الإفصاح والتوقيع على عدم الانتشار. وبالتالى فإن معاهدة وقف بيع المواد الانشطارية ليست فى صالح إسرائيل لأنها تعنى التفتيش للتحقق من ذلك وهو ما لم توافق عليه إسرائيل، ومن المؤكد أن أمر مقلق أيضا للقاهرة». وفى هذا السياق أعربت مصادر مصرية رسمية ل«الشروق» عن أن قلق مصر من البرنامج العسكرى النووى الإسرائيلى تفاقم بعد الكشف عن مساعٍ إسرائيلية رسمية تطلب فيها حكومة بنيامين نتنياهو من الولاياتالمتحدةالأمريكية التوسع فى بناء مفاعلات نووية جديدة، ومساعيها لمزيد من وسائل التهديد النووى، حيث حصلت على وسائل نقله الكاملة من طائرات وغواصات نووية على وجه التحديد حيث حصلت إسرائيل على غواصتين حديثتين من ألمانيا، نهاية الشهر الماضى. وتضيف المصادر أن القاهرة تابعت باهتمام وقلق قيام إسرائيل بتجديد ثلاث غواصات نووية أخرى كانت لديها بالفعل إحداها تتمركز بشكل دائم فى المياه الدولية للخليج العربى، والثانية فى البحر المتوسط، والثالثة قبالة سواحل إسرائيل، والأخيرتان فى قاعدة الغواصات بحيفا. وتقول تقارير إسرائيلية أخيرة، إن تلك الترسانة من الغواصات النووية الإسرائيلية أصبحت «أكثر سرعة، وأشد تدميراً»، ومزودة بأحدث الأنظمة الإلكترونية، ومزودة بنوعين من الصواريخ النووية، ولديها القدرة على البقاء فى أعماق البحر لمدة 50 يوماً، دون أن تكون فى حاجة للتزود بالوقود. فى المقابل تبقى إيران متأخرة جدا فى السباق النووى مقارنة بإسرائيل، فإيران لديها غواصات مصنعة محليا من النوع الخفيف. لكنها أعلنت عزمها الدخول فى مشروع تصنيع الغواصات الثقيلة خلال عامين، وفقا للأميرال أميرى معاون شئون الاكتفاء فى القوات البحرية الإيرانية فى تصريحات مع وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية قبل أسبوعين. وفى ذروة هذا المخاوف ترسم إسرائيل سياسة يرى الخبراء أنها تمثل السلوك الإسرائيلى، عبر عنها وزير الأمن القومى الإسرائيلى السابق شلومو بن عامى فى القاهرة قبل أسبوعين فى ورقته المقدمة للاجتماع الإقليمى للجنة الدولية لمنع الانتشار النووى، ويطرح فيها تساؤلاً حول أفق التعامل مع السيناريو المستبقلى تجاه إيران، وما إذا كان سيتم تطبيق سياسية رئيس الوزراء الإسرائيلى الأسبق مناحم بيجن تجاه المفاعل النووى العراقى «أوزيراك» الذى تم نسفه قبل ثلاثة عقود، وكذلك على سوريا قبل عامين عندما شنت طائرات إسرائيلية هجوما على موقع سورى بدعوى وجود منشأة نووية. ويجيب بن عامى عن تساؤله بالقول إن «الموقف الرسمى لإسرائيل هو بلا شك إذا فشل المجتمع الدولى فى وقف ايران وفشل فى الحفاظ على نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية الذى بنى على أنه لن يتكرر أبدا سيناريو هيروشيما، فلن يكون هاك خيار أمام إسرائيل سوى التمسك بدورها كملاذ للشعب اليهودى». ووفقا لسيناريو بن عامى الذى يؤكد فيه أن إسرائيل لن تقف مكتوفة الأيدى أمام ايران، فإن إيران تسعى إلى الدخول فى حوار متوازن مع الغرب لتقليل المخاطر من الصدام معه، ويعلق على هذا السفير محمد شاكر الخبير الدولى فى الملف النووى إن «إيران هى التى كشفت عن مفاعل قم بنسفها، ومن الصحيح أنها تأخرت على عادتها لكنها فى النهاية ستدخل الحظيرة الدولية للرقابة». ويضيف شاكر إن قلق مصر المتصاعد إزاء الملف الإسرائيلى مرده أن مصر والعالم كله أصبح أمام حقيقة كاملة وهى أن إسرائيل لديها هذا السلاح دون خضوعه للتفتيش أو الرقابة، بينما تبقى ايران تحت هذه المظلة حتى مع تلكؤها فى الإعلان عن الجديد فى برنامجها أو إبلاغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية. فيما يشير بن عامى إلى أن إسرائيل مستعدة لكل السيناريوهات، ويقول «يعتقد الإسرائيليون أن إلحاحهم اليائس لإقناع المجتمع الدولى بكبح ايران الراكض نحو إنتاج القنبلة النووية بحسب وصف أخير للاستخبارات العسكرية للدولة لن يحدث بالتأكيد الاستجابة المتوقعة مع نظام للجزاءات غير كاف مما يجعله غير فعال تماما ومع دبلوماسية دولية عديمة الجدوى تماما فى محاولة منع الإيرانيين من امتلاك تكنولوجيا تخصيب اليورانيوم، باتت إسرائيل محصورة فى زاوية لم تكن أبدا تريدها». وفى المقابل يجمع الخبراء على أن الحل لمواجهة هذا السيناريو يتجلى فى أن تصر القاهرة فى كل المحافل الدولية على موقفها الرسمى لإخضاع المنشآت النووية الإسرائيلية للتفتيش وتفعيل دور الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ودعم موقف الرئيس الأمريكى الداعى لإخلاء العالم من الأسلحة النووية وهو الموقف الذى جدد الالتزام به عقب فوزه بجائزة نوبل للسلام يوم الجمعة.