ومن المفارقات، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تهرب من حضور قمة واشنطن برغم أنه من الثابت أن اسرائيل دولة نووية شرق أوسطية، بينما سعت الصين لإرضاء قمتي واشنطنوطهران، وذلك في سياق رسالة مزدوجة سعت في ارسالها إلي كل من طهران بوقوفها معها ضد فرض عقوبات جديدة عليها، ورسالة اخري إلي واشنطن بأن الصين هي الدولة العظمي، التي لها مصالح استراتيجية علي المستويين الإقليمي والعالمي. وجاءت هذه التطورات في ظل مرحلة فارقة بالنسبة للملف النووي الإيراني. فمن ناحية، أعلنت الولاياتالمتحدة استراتيجيتها النووية والتي تقوم علي عدم استخدام أمريكا للسلاح النووي ضد دولة غير نووية، باستثناء إيران وكوريا الشمالية، الأمر الذي اعتبرته ايران تهديدا نوويا مباشرا، وقدمت بذلك شكوي رسمية إلي الأممالمتحدة. من جانب آخر، أعلن البيت الأبيض الأمريكي أنه قد تم التوصل إلي "تحالف دولي قوي" ضد البرنامج النووي الإيراني، بما في ذلك الصين وروسيا، في إطار توجه دولي لاستمرار الضغط علي إيران للتخلي عن برنامجها لصناعة أسلحة نووية. استراتيجيات متناقضة.. وفاشلة يبدو التوجه العام لقمتي واشنطنوطهران في اتجاه منع انتشار الأسلحة النووية، والمواد النووية بوجه عام، ففي مؤتمر واشنطن أكد الرئيس أوباما علي توجه دولي يقوم علي ثلاث ركائز : 1.. تكليف الدول التي تمتلك أسلحة نووية بالعمل علي تخفيض مخزونها منها، 2.. منع انتشار الأسلحة النووية عن طريق قرار تتخذه الدول بعدم السعي لامتلاك أسلحة نووية، 3.. لكل دولة الحق في الحصول علي الطاقة النووية السلمية، ولم يلمح أحد في واشنطن إلي وجود أي تناقض بين الدعوة لنزع الأسلحة النووية، وامتلاك اسرائيل لترسانة نووية تهدد أمن الشرق الأوسط والعالم. وبالمناسبة، فقد رحبت اسرائيل بموقف أوباما في هذا الصدد وأشادت به. وفي الحديث عن قمة الأمن النووي الثانية، بكوريا الجنوبية في 2012، تقرر أن يتم فيها التركيز علي البرنامج النووي في كوريا الشمالية. والحقيقة ان قمة واشنطن عموما عقدت في ظل "دعوة أمريكية ضمنية" بأن قوة الردع النووية الأمريكية لن يتم الاستغناء عنها، وأنها ستلتزم بالدفاع عن أمن الولاياتالمتحدة، وأيضا أمن الحلفاء والأصدقاء، الأمر الذي يكفيهم مؤنة البحث عن امتلاك الأسلحة النووية. وكقاعدة عامة، ارتكزت قمة واشنطن علي منع طموحات باقي أطراف المجتمع الدولي من الحصول علي قوة الردع النووي، مع احتفاظ الولاياتالمتحدة، والكبار في العالم باستمرارية "الردع الاستراتيجي". علي النقيض من ذلك، فإن الخلفية التي صدرت علي أساسها توصيات قمة طهران، تفترض مسبقا، وهو فرض صحيح واقعيا، أن النظام الدولي لا يتعامل بقواعد واحدة في مجال ملكية الدول للأسلحة النووية، من هنا جاءت توصية قمة طهران "بدراسة الأبعاد القانونية للأمر أو التهديد بالاستفادة من الأسلحة النووية، من دولة ضد دولة أخري"، كما ركزت قمة طهران علي نزع أسلحة الدمار الشامل في منطقة الشرق الأوسط، وجعل شمولية معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية هو الأساس في الحيلولة دون نشوب أي حرب أخري في العالم، كذلك، اعتبار اسرائيل من اكبر الدول التي تشكل تهديدا نوويا في الشرق الأوسط، وبالتالي طالبت القمة بعدم التمييز في مجال امتلاك الأسلحة النووية. وفي هذا السياق يلاحظ دفاع بغداد، ودمشق، وبيروت عن حق إيران في امتلاك الطاقة النووية، ودعوة سوريا جميع الدول الأطراف في معاهدة عدم الانتشار النووي إلي وقف التعاون مع اسرائيل في المجال النووي، ودعوة كوبا إلي جدية نزع أسلحة الدمار الشامل في العالم، وأخيرا تركيز إيران علي أن الوثائق الدينية تحرم استخدام الأسلحة النووية، وهو ما أكد عليه المرشد الأعلي علي خامنئي بقوله "الأسلحة النووية حرام في ديننا" وفي محاولة لتشكيل (تكتل دولي جديد)، يمتلك رؤية مختلفة، حول الأسلحة والطاقة النووية، تقرر تحويل قمة طهران إلي مؤتمر سنوي، داعيا دول العالم للمشاركة في قمته التالية في منتصف أبريل 2011. ولكن، بمنظور شامل، فقد فشلت قمتا واشنطنوطهران في رسم خطة دولية واستراتيجية حقيقية (لجعل العالم يتوقف عن انتاج المواد النووية القابلة للانشطار، وحظر التقنيات الذرية بوجه عام وشامل) وهذه الحقيقة الأساسية تفقد المؤتمرين مصداقيتهما أمام المجتمع الدولي وشعوب العالم. فما تم التوصل إليه، ليس أكثر من كلمات، ومفردات، وألفاظ، ووعود لامعني حقيقي لها، في واقع تنتشر فيه الأسلحة النووية، والمواد القابلة للانشطار، بسهولة تعرفها الدول النووية، وتعرفها حاليا العديد من دول العالم. فالكثير من الدول أصبحت تعرف الآن التكنولوجيا النووية ذات القابلية للاستخدام الحربي، فاليابان وصلت إلي ذلك بالفعل، واسرائيل دولة نووية، ويقول ويليام فاف الكاتب والمحلل الأمريكي "إن العالم الذي يعيش في ظل نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية، والدول صاحبة حق الفيتو في مجلس الأمن، تبحث فيه الدول دوما عن" الردع النووي "في مواجهة العدوان والاجتياح الذي يمكن أن تتعرض له من الولاياتالمتحدة أو أية دولة أخري". ومن هنا يكون التساؤل: أين الجدول الزمني العالمي لإزالة الأسلحة النووية، والتخلص منها؟ إن التقارير التي تصدر من الدول الغربية عن صعوبة وتعقد التقنيات التي تساعد في صناعة أسلحة نووية مبالغ فيها جدا لأن الموقف الحالي مختلف تماما، فالحصول علي المفاعلات النووية، والخبرات، والتكنولوجيا والمعدات، كلها أصبحت الآن متاحة بصورة غير مسبوقة، واليورانيوم المخصب يباع في السوق العالمي، مثله مثل البضائع والسلع الأخري، وهناك من لديه الاستعداد ليبيع، ومن لديه الاستعداد ليدفع كي يحصل عليه بأي ثمن، لكي تستمر تجارة الموت في العالم. حديث التبادل التوجه العام الذي تخطط له الولاياتالمتحدة هو التحكم في تطوير دول العالم لقدراتها النووية، الأمر الذي يتوقع أن يتم بحثه خلال اجتماع الحد من الانتشار النووي، المقرر عقده في مايو القادم في الأممالمتحدةبنيويورك. ومن المهم هنا ملاحظة أن وفدا إيرانيا برئاسة وزير الخارجية الإيراني منوشهر متقي سيشارك في الاجتماع، وستعلن إيران عن وجهات نظرها خلاله. وعلي الرغم من استمرار تبادل الاتهامات والتهديدات بين إيرانوالولاياتالمتحدة في ظل أجواء مؤتمري واشنطنوطهران، إلا أن عدة مؤشرات في اتجاه آخر لاحت في أفق التعاملات الدولية مع الملف النووي الإيراني علي الوجه التالي: 1- إعلان إيران أنها وهي ترفض كلية التهديدات الأمريكية، إلا أن المباحثات الممكن إجراؤها حول صفقة تبادل اليورانيوم لا تزال قائمة. 2- إعلان تركيا استعدادها للوساطة بين إيران والقوي الكبري، والسعي لتسوية الأزمة النووية الإيرانية عبر التفاوض والدبلوماسية، وليس العقوبات، واقتراح أنقرة أن تتم عملية تبادل اليورانيوم الإيراني منخفض التخصيب علي الأراضي التركية، مقابل وقود مخصب بنسبة 20% تقدمه الدول الكبري، والذي تحتاجه إيران، كما تقول، لمفاعلها للأبحاث الطبية. 3- إعلان وزارة الخارجية الأمريكية اهتمام واشنطن بصفقة تبادل اليورانيوم التي طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية علي طهران في العام الماضي، شريطة تحديثها للأخذ في الاعتبار قدرات التخصيب التي اكتسبتها إيران مؤخرا. 4- إعلان مسئول أمريكي سابق تمرس في عدة إدارات أمريكية أن الوقت قد فات بالنسبة للولايات المتحدة، لمنع إيران من تطوير قنبلة نووية، وأن إدارة الرئيس أوباما أضاعت 15 شهرا بين أحاديث عقوبات "صارمة" أو "خانقة" مما أعطي إيران رسالة خاطئة حول حقيقة التوجه الأمريكي تجاه خطط إيران النووية. 5- وأخيرا تأكيد جيمس كارتري نائب رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أنه أبلغ مجلس الشيوخ الأمريكي أن جميع الخيارات تجاه إيران هي قيد النظر، بينما اعترف الجنرال مايك مولين رئيس هيئة الأركان المشتركة أن وضع استراتيجية بشأن إيران هو تحد معقد ومحير. حديث التصعيد من المفترض أن مؤتمر واشنطن الذي تبني وجهة نظر جماعية ضد "الإرهاب النووي" توصل إلي توافقات دولية لمنع وصول المواد النووية للجماعات الارهابية، أو الجماعات المشتبه في قيامها بنشاطات يتم النظر إليها علي أنها ارهابية. وقد أجمعت عدة دوائر تحليلية علي أن إيران كانت هي الحاضر الغائب في قمة واشنطن. وبعد يومين من انتهاء المؤتمر، أدلي مسئول أمريكي بتصريحات فحواها أنه من التصورات الخطيرة أن إيران توصلت إلي سلاح نووي، وأنه من المتوقع ان تكون قد نقلته إلي حزب الله، إضافة لما لديه من أسلحة ومدفعية وصواريخ، أكثر مما لدي كثير من دول المنطقة. واستكمالا لحديث التصعيد، نشرت محطة سي ان ان الأمريكية أن قائد المنطقة الوسطي في الجيش الأمريكي سلم الرئيس الأمريكي باراك أوباما، خطة عسكرية لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وذلك بناء علي معلومات استخباراتية، تؤكد أن ايران بصدد انتاج صاروخ باليستي في 2015، سيكون قادرا علي الوصول إلي الأراضي الأمريكية مما يعد تهديدا مباشرا للأمن القومي الأمريكي، نظرا لقدرة الصاروخ علي حمل رءوس نووية، وليس فقط مواد نووية، الأمر الذي يحتم العمل علي إنهاء المشروع النووي الإيراني الذي يهدد أمن أمريكا ومصالحها في الشرق الأوسط. غير أن هذه الأنباء تناقضت مع ما نشرته صحيفة نيويورك تايمز بعدها بأيام، نقلا عن مسئولين أمريكيين أن وزير الدفاع روبرت جيتس حذر البيت الأبيض من أن الولاياتالمتحدة تفتقر إلي استراتيجية فعالة من تقدم ايران المطرد نحو امتلاك قدرات نووية. وقد أرسلت مذكرة جيتس السرية إلي الجنرال جيمس جونز مستشار الأمن القومي للرئيس أوباما في يناير الماضي، وأثارت جهدا مكثفا داخل وزارة الدفاع (البنتاجون) والبيت الأبيض، ووكالات المخابرات الأمريكية لوضع خيارات جديدة أمام الرئيس، وشملت تلك الخيارات سلسلة من البدائل العسكرية التي يتم بحثها إذا أخفقت الدبلوماسية والعقوبات في إجبار إيران علي تغيير نهجها. وقدر تقرير أمريكي أن القوات البرية الإيرانية تصل إلي 220 ألف فرد، وقوات المقاومة البرية التابعة للحرس الثوري تقدر بنحو 130 ألف فرد، وان لدي إيران ما بين 1800 إلي 1900 دبابة، وأن لدي الجيش الأمريكي "بنك أهداف" في مواجهة إيران، يقوم بتحديثها بصورة دائمة، بما في ذلك دراسة الطبيعة الجيولوجية للمنطقة. ومع أن هناك من يحذر من المسئولين الأمريكيين من أن أي عمل عسكري جديد ضد إيران سيكون (الثالث) ضد دولة إسلامية، فإن مسئولين آخرين يرون عكس ذلك، منهم علي سبيل المثال سارة بالين، المرشحة السابقة لمنصب نائب الرئيس التي قالت صراحة "إنه لو أن أوباما يريد أن يظل رئيسا للولايات المتحدة، فعليه أن يؤكد أنه سيشن ضربة عسكرية ضد إيران". وقال دانيال بابيس، أحد المحافظين الجدد "هجوم عسكري علي إيران من شأنه أن يعيد لأوباما بريقه المفقود". حديث العقوبات دلائل عديدة تشير إلي أن حديث العقوبات ضد إيران ما زال أسلوبا مفضلا من جانب أطراف دولية متعددة، علي الرغم من العقبات التي تضعها روسيا والصين في هذا الصدد. ولكن تقريرا أمريكيا نشرته مؤسسة واشنطن لسياسة الشرق الأدني في مارس 2010 جاء فيه أن إيران تتهرب من قوانين العقوبات الأمريكية عن طريق إنشاء شركات وهمية، ووسطاء في البلدان التي يمكن ان تصدر إليها بضائعها بصورة قانونية في معظم الحالات، وان دبي تعد أشهر محاور إعادة التصدير من وإلي إيران، بمشاركة الآلاف من الشركات الإيرانية، وهناك شبكات إعادة تصدير في ماليزيا، وهونج كونج، وتايلاند، وسنغافورة، وأوروبا، وتسمح هذه الشركات للإيرانيين بشراء التكنولوجيا الأمريكية والأوروبية. وذكر التقرير أن إحدي الشركات الصينية استخدمت وكيلا مقره في تايوان لتحويل أكثر من 100 من أجهزة قياس الضغط التي لها تطبيقات تجارية ونووية علي حد سواء إلي إيران، وتضليل البائع السويسري حول الوجهة النهائية للبضاعة. بالإضافة إلي ذلك، ليس لدي الأممالمتحدة فريق مراقبة مستقل لتعقب امتثال طهران للقرارات التي اتخذتها المنظمة ولا يقوم الاتحاد الأوروبي أو الدول الأخري بإيفاد محققين إلي الخارج للقيام بعمليات فحص نهاية الاستخدام، ولا يتم تخصيص موارد كبيرة للتحقيق، أو مقاضاة انتهاكات مراقبة التصدير.