رأت صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية أن السياسة الخارجية الأمريكية أضحت تعاني من حالة فوضى كبيرة على خلفية استقالة وزير الدفاع جيم ماتيس، احتجاجا على قرار الرئيس دونالد ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا. واستهلت الصحيفة افتتاحيتها الأسبوعية بالقول إن عطلة هذا الأسبوع لم تجلب أجواءً هادئة في واشنطن، بل لوحظ زيادة التوترات داخل البيت الأبيض بنحو بدا معه الرئيس الأمريكي أكثر قلقا وتوترا حيث دفع إعلانه عن سحب قواته من سوريا، وزير دفاعه إلى تقديم استقالته فضلا عن إغلاق الحكومة بشكل جزئي ليل الجمعة، بعد رفض ترامب إسقاط طلبات تمويل الجدار الحدودي بين الولاياتالمتحدةوالمكسيك، مما غذى الشعور بزيادة التخبط والانحراف في أداء السياسة الأمريكية. وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الإغلاق هو الثالث من نوعه في هذا العام، وذلك بعد أن أجل الكونجرس مداولاته بشأن تلبية طلب ترامب بتخصيص 5 مليارات دولار لبناء جدار على الحدود مع المكسيك. وقالت: "إنه لأمر استثنائي أن الولاياتالمتحدة، وهي الدولة الوحيدة بين الديمقراطيات الغربية، لا تزال تخضع لمثل هذه الإغلاقات، بتكلفة باهظة للجمهور ولموظفي الحكومة نفسها. ويشير الأمر إلى أن العامين المقبلين في رئاسة ترامب قد يكونا أكثر حزبية من ذي قبل. لكن بالنسبة لحلفاء واشنطن - والمتنافسين- فإن أهم التطورات المترتبة على ذلك هي سوريا واستقالة ماتيس". كما اعتبرت الصحيفة أن:" فقدان الحزب الجمهوري السيطرة على الأجندة المحلية في الكونجرس ربما يجعل ترامب أكثر تعرضا للنقد فيما يخص سياسته الخارجية، فضلا عن أن رحيل ماتيس وجه ضده ضربة قوية. فقد حرص ماتيس طويلا على تقدير حلفاء الولاياتالمتحدة وإظهار الحزم مع الأعداء في الوقت نفسه. وكان آخر من أُطلق عليهم لقب "الكبار" في إدارة ترامب. وحاول مواجهة عداء الرئيس لحلف الناتو ومنع قرار خفض عدد القوات في أفغانستان". ومضت "فاينانشيال تايمز" تقول في افتتاحيتها إنه "بعد عامين من محاولته الحد من استهتار الرئيس، شعر ماتيس بالحرج من أمر ترامب بنشر أفراد عسكريين على الحدود مع المكسيك لمنع ما أطلق عليه لفظ "غزو" اللاجئين. لكن قرار ترامب الأخير بسحب 2000 جندي أمريكي في سوريا بدا وكأنه القشة الأخيرة. فقد كانت لهجة وتوقيت خطاب استقالته قاسية ومدمرة؛ حيث أشار إلى أهمية الدفاع عن مبدأي "احترام الحلفاء" وإظهار الحزم مع الخصوم". وتابعت:"أن سحب القوات الأمريكية من سوريا يُشكل بالفعل تخليًا عن الحلفاء الرئيسيين، ومنهم قوات سوريا الديمقراطية التي يقودها الأكراد في الحرب ضد تنظيم داعش الإرهابي"، مشيرة إلى استقالة بريت مكجورك، المبعوث الأمريكي إلى التحالف المناهض لداعش، يوم الجمعة الماضية على خلفية نفس القرار، زاعما أن تصريح ترامب بهزيمة داعش إلى حد كبير هو محض خيال. فرغم أن التنظيم الإرهابي فقد معاقله الرئيسية، إلا أنه لا يزال يشن هجمات مميتة على غرار هجمات حرب العصابات، لذلك يمكن جدا أن يعود داعش من جديد" //وفقا لمكجورك//. وأخيرا، اعتبرت الصحيفة الأمريكية أن قرار واشنطن بإعلان الانسحاب من سوريا يشير في مجمله إلى رغبة واشنطن من الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط - ويمنح نصرا رمزيا لطهران وموسكو. فتركيا فائز آخر. وفي الحقيقة، فإن نفوذ واشنطن في سوريا يتضاءل منذ أن فشل الرئيس السابق باراك أوباما في دعم "خطه الأحمر" بشأن هجمات الأسلحة الكيميائية. واستمرت سياسات الضعف بما سمح لإيران وروسيا بالتدخل من أجل دعم نظام بشار الأسد المميت. ويظل قرار الانسحاب الأمريكي يحرم واشنطن من التمتع بأي نفوذ متبقي. ومما أصبح جليا أكثر من أي وقت مضى أن مصير سوريا لن يتم تحديده من قبل الدبلوماسية التي تقودها الولاياتالمتحدة، ولكن من قبل الأسد والرئيس الروسي فلاديمير بوتين.