تعقيدات وتقاربات ثم تصعيد عسكري وإغلاق الحدود وقطع العلاقات، هذا هو حال الخلاف الجزائري المغربي الذي شهد العديد من المحطات والصراعات القوية بين الجارتين الشركاء في الأرض والاقتصاد والتاريخ. الخلاف بين البلدين بدأ منذ الاستعمار الفرنسي واشتعل عقب استقلال الجزائر 1962، وتظل منطقتي "تندوف وبشار" هما كلمتي السر في الخلاف القائم حتى الآن، والذي من المتوقع أن يشهد انفراجة قريبة بعد دعوة ملك المغرب محمد السادس، خلال كلمته بمناسبة الذكرى ال43 ل"المسيرة الخضراء"، باستعداده لتجاوز الخلافات التاريخية بين البلدين، كدعوة صريحة للحوار المباشر مع الجارة الهامة. الصراع بين البلدين هو الأشهر داخل القارة السمراء، والذي دائما مايشهد تطورا سلبيا ترصد الشروق خلال السطور القادمة محطات ذلك الصراع.. الاستعمار الفرنسى ومناجم الحديد: الخلاف بدأ منذ الاستعمار الفرنسي للجزائر، وبالتحديد عام 1950، عند قيام فرنسا باحتلال منطقتي "تندوف وبشار" عقب اكتشاف مناجم "الحديد والفوسفات" وإدخالهم ضمن المقاطعات الفرنسية للجزائر، مما أزعج بالطبع الدولة الجارة المغرب التي كانت تسيطر على المنطقتين منذ عصر الدولة السعدية. بدأت وقتها الحكومة المغربية مفاوضات مباشرة مع فرنسا وباءت كلها بالفشل، وعقب فشل تلك المفاوضات، فتحت الرباط خط تفاوض جديد مع السلطات الجزائرية لاستعادة أراضيها عقب حصول الجزائر على الاستقلال، ووقعت في يوليو 1961، مع رئيس الحكومة الجزائرية المؤقتة فرحات عباس، اتفاقًا ينص على حل مشكلة الحدود وترسيمها بين البلدين عقب الاستقلال، وعلى إثر ذلك بدأت المغرب في دعم الثورة الجزائرية بالسلاح لمساعدتها للحصول على الاستقلال. استقلال الجزائر ورفض الاتفاق عام 1962 حصلت الجزائر على استقلالها رسميًا، وهو ما دعى الحكومة المغربية لتذكير جارتها بالاتفاقية المبرمة بين البلدين، وهو ما رفضه أحمد بن بلة أول رئيس للجزائر، وجيش التحرير الوطني الجزائري، رافضًا التنازل عن أي أرض "حُررت بدماء الشهداء"، وأنه كان من الأولى للمغرب أن تحمل السلاح ضد فرنسا لاسترجاع حقها لأن الجزائر لا تحارب بالنيابة عن أحد. وعلى إثر ذلك زار ملك المغرب وقتها الحسن الثاني، الجزائر في 1963، مذكرا نظيره الجزائري بالاتفاق الموقع مع الحكومة الجزائرية، وطالبة أحمد بن بلة، تأجيل مناقشة الأمر إلى حين استكمال بناء مؤسسات الدولة الحديثة في الجزائر، حسبما ذكر المستشار الراحل للملك عبدالهادي بوطالب. عودة من الزيارة وبداية التصعيد كانت بداية تصعيد الأزمة بشكل غير مسبوق على يد إعلام البلدين، وقالت وسائل الإعلام الجزائرية وقتها أن المغرب لديها أطماع توسعية في المنطقة، ورفض حزب الاستقلال المغربي وقتها الحملة الإعلامية الجزائرية على المغرب. لترد وسائل الإعلام المغربية عام 1963 وتنشر جريدة مغربية خريطة "للمغرب الكبير"، والتي كانت تضم ثلث الجزائر حتى "عين صالح والصحراء الغربية" التي كانت وقتها خاضعة لإسبانيا وموريتانيا المستقلة. التصعيد العسكري في تطور سريع للأحداث شنت عناصر من القوات الجزائرية في أكتوبر 1963، هجوما على منطقة "حاسي بيضا" قتل فيه 10 جنود من الجيش المغربي، وعقب مراحل من مفاوضات بدأتها المغرب وصل الجانبان إلى طريق مسدود، وأغلقت أبواب التفاوض والعمل الدبلوماسي، وبدا أن الدولتين يجهزان لشن الحرب. حرب الرمال عام 1963 بدأت تعزيزات البلدين العسكرية على طول الحدود، واستمرت المناوشات العسكرية بينهما حتى اشتعال الحرب في أكتوبر من نفس العام، التي استمرت حتى 5 نوفمبر من العام نفسه، وكان تدخل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية، السبب وراء توقف الحرب، وتوقيع اتفاق نهائي لإطلاق النار في 20 فبراير 1964، وفي عام 1972 اتفقا على ترسيم الحدود بينهما. الصحراء الغربية وبداية صراع جديد عام 1974 وقعت موريتانيا والمغرب اتفاقا بخصوص تقسيم الصحراء الغربية، مما أزعج الجزائر التي قامت بدعم الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب "البوليساريو" الرافضة للسيادة المغربية على الصحراء، ورغم كل الدعم المُقدم من الجزائر للجبهة الصحراوية، صرحت أنه فقط تدعم فكرة تصفية الاستعمار وليس لديها أي مطاع أخرى، وأن الشعب الصحراوي له الحق في تقرير مصيره وفق مبادئ الأممالمتحدة. انفراجة في العلاقات شهد عام 1988 عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، إثر لقاء بين الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري وقتها الشاذلي بن جديد، وساعد ذلك على دعم عملية التفاهم على تسوية نزاع الصحراء الغربية عبر إجراء استفتاء بإشراف أممي. تفجير فندق آسني كان حادث تفجير فندق آسني بمدينة مراكش عام 1994، هو الحلقة النهائية في العلاقات بين البلدين؛ حيث وجهت وقتها السلطات المغربية اتهامات مباشرة للمخابرات الجزائرية، بوقوفها وراء عملية التفجير، وفرضت تأشيرات دخول على المواطنين الجزائريين، وردت الجزائر بإغلاق الحدود مع المغرب كإجراء تأديبي. انفراجة جديدة دون فتح الحدود وصل إلى العاصمة الجزائرية عام 2005 العاهل الأردني محمد السادس والتقى بالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، على هامش المشاركة في القمة العربية ال17، وبدأ الجميع يتحدث عن تحسن في العلاقات بين البلدين وعودة الرباط لاتحاد المغرب العربي، ورحبت وسائل الإعلام في البلدين بالأمر، ولكن الوضع ظل كما هو، حتى إعلان الملك المغربي بفتح حلقات حوار جديدة لإنهاء الخلاف وفتح الحدود.