أحداث واقعية.. صورة صادمة.. إدانة لقانون الحمل بدون زواج شرعى.. والصمت من أجل العيش المخرجة مريم بن مبارك تنال جائزة «كان» بسيناريو كاشف للمستور اصبحت السينما المغربية اكثر جرأة فى تناولها لقضايا المرأة، وفى الفيلم الجديد «صوفيا» الذى تعرضه شاشة مهرجان القاهرة السينمائى، والفائز بجائزة افضل سيناريو بمهرجان كان السينمائى فى مسابقة «نظرة ما»، تثير المخرجة مريم بن مبارك جدلا جديدا بالشارع المغربى بقصة واقعية جاءت صورتها الانسانية المعذبة للتوحد مع مشاعر المشاهدين ونظرتهم لواقع بات مؤلما لأبطاله. فى الفيلم البديع الذى شاركت فرنسا فى انتاجه نرى صوفيا فتاة ذات ال22 عاما تعيش مع اسرتها التى تنتمى لطبقة متوسطة فى حى فقير بالدار البيضاء. تلد طفلا خارج مؤسسة الزواج فيعتبرها المجتمع خارجة عن القانون، بينما تمنحها إدارة المستشفى مهلة 24 ساعة لإحضار الوثائق الخاصة بالأب قبل إبلاغ السلطات عنها. تلك هى الحكاية التى يطرحها العمل والتى تحمل بين ثناياها تفاصيل من واقع الحياة اليومية بين جميع اطراف المأزق عبر سيناريو اتخذ من دقات زمن الواقع حبكة له، ومن انفاس الضحية حوارا غير من منطوق بمشاهد مؤثرة دراميا وكذلك فى الاداء الصادق. غاصت مريم بن مبارك فى مأساة بطلتها وافراد عائلتها ويبدو انه كان هناك تأثير كبير من علاقتها بأبطال الحكاية، فالقصة ليس بها قدر كبير من الخيال حيث بنيت على أحداث واقعية حصلت لفتاة قاصر رباها جد وجدة المخرجة مريم بن مبارك. هذه الفتاة التى وجدت حامل ثم تم تدبير زوج لها بعد ذلك. منذ المشهد الاول تدخل المخرجة مباشرة فى قلب الموضوع، وان كانت تضعك كمشاهد فى حيرة فصوفيا، إما أنها تكتشف فجأة أنها حامل وكانت تنكر حملها، وإما أنها كانت تعرف وظلت تتستر على حالتها تريد أن تتجنب الفضيحة، خاصة أن والدها قد عقد لتوه صفقة مع أحمد، أحد رجال الأعمال، وبموجب هذه الصفقة ستخرج الأسرة من أزمتها المالية وتستعيد عافيتها وسط طبقتها. وعندما تلاحظ ابنة خالتها «لينا «طالبة الطب ملامح الحمل وشحوب وجه صوفيا، تذهب بها إلى المستشفى، حيث تكتشف أنها على وشك أن تضع مولودها وتساعدها على ايجاد اب للطفل من اجل الاعتراف به وتسجيله بطريقة قانونية، حيث تستغل لينا معرفتها بالطبيب الشاب فى المستشفى، وتتمكن من إقناعه بالتغاضى عن الأوراق المطلوبة من «الزوج» الذى لا وجود له لكى يقبل بإدخال صوفيا وتوليدها، لكن يتعين على صوفيا مغادرة المستشفى على الفور بعد وضع مولودتها قبل أن يحضر رئيس القسم ويكتشف الوضع المخالف للقانون. لينا تصر على ضرورة أن يتحمل «الأب» مسئوليته، وتضغط على صوفيا لكى تعترف باسمه ومكانه، تقودها صوفيا إلى منزل شاب يدعى عمر، فى حى من أكثر أحياء المدينة فقرا، لكنه لم يكن موجودا وتستقبلهما شقيقته التى تنكر وجوده مرارا عندما تدرك ملامح الازمة بينما تتعاطف امه معهما. وهنا كان لا مفر إذن من عودة صوفيا ولينا إلى منزل الأسرة، وتنفجر مشاعر الغضب والثورة عقب علمهما بالأمر، وتلتقى صوفيا بعمر وتذكره بالموقف وسط علامات دهشة على وجهه دون تعليق يوحى بتورطه بينما هى تستمر بالضغط على عمر لكى يتزوج صوفيا، ويحدث اللقاء بين الأسرتين اللتين تبدو الفروق الطبقية بينهما واضحة، لكن لا مفر من مواجهة الأمر الواقع والتوصل إلى حل يرضى جميع الأطراف. سيرتضى عمر بالطبع بالزواج من صوفيا بعد أن كان يصر فى مواقف سابقة على إنكار أى علاقة له بها، وأنه لم يرها سوى مرة واحدة ولم يحدث بينهما شىء، تحت إغراء إسناد وظيفة ملائمة إليه، وهو العاطل عن العمل، ومساعدته فى التغلب على مشاكله المادية يرتضى بالزواج من صوفيا فى حفل عرس كبير، ترتسم على وجه صوفيا ابتسامة عريضة أمام جميع المدعوين. غير أن المفاجأة التى ستأتى بعد ذلك، هى أن عمر ليس هو الشخص الذى حملت منه صوفيا، بل أحمد رجل الأعمال الذى اغتصبها ذات ليلة عندما كان والداها بعيدين. صوفيا تخبر لينا بالحقيقة ولينا تخبر والدى صوفيا، وبعد وقوع صدمة، يستقر الرأى على ضرورة التستر على فعلة أحمد فهو الشريك الرأسمالى المنقذ للعائلة، الذى يمثل طبقة يمكنها ان تدير وجهها بعيدا والتغاضى عن جريمة «الاغتصاب» مقابل الحصول على الضمان والأمان المالى، من خلال المشروع الذى ستستعيد من خلاله قوتها ووضعها الاجتماعى. كتبت المخرجة مريم بن عطية السيناريو بتأثر وعمق لتنال جائزة مهرجان كان، وكانت صورتها الهادئة وسردها الجيد كفيلة بكشف وتعرى تلك النظرة الاجتماعية المتخلفة إلى جسد المرأة، وإلى القوانين والتشريعات التى تجرم الحمل خارج الزواج، وتحكم على كل من الرجل والمرأة فى هذه الحالة بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، وهو ما يقوله ضابط الشرطة لصوفيا بعدما يصل الأمر القسم فى مشاهد متلاحقة، وهنا ايضا خيط اخر لتورط ذاك الجهاز، ليحل الموضوع بعد قبول رجاله للرشوة، حيث تقوم خالة صوفيا برشوة الضابط، فيتغاضى عن تصعيد الأمر من الناحية القانونية، ويكتفى بتهديد عمر حتى يرضخ ويقبل بالتكفير عن ذنب يعرف هو أنه لم يرتكبه. قدمت الممثلة مها علمى دور صوفيا بأداء رائع ومركب المشاعر، وخاصة فى المشاهد الاولى وهى تخفى حملها عن والديها وهى فى الايام الاخيرة قبل ان تضع حملها، وكانت تشعر بآلام مبرحة وهى تغسل الاطباق بالمطبخ وتجهز المائدة، بينما جسد ابيها «فوزى بن سعيد» باقتدار دور الاب المغلوب على امره والباحث عن مخرج للازمة، وكذلك ابنة خالتها التى جسدتها سارة برليس. إشكالية الفيلم الاجتماعية كونه يطرح معالجة لإحدى مواد القانون الجنائى المغربى، والذى يقول بأن كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية هى جريمة فساد يعاقب عليها بالحبس من شهر إلى سنة واحدة، بينما يحاول الفيلم تزكية الدعوة إلى إلغاء هذا القانون الذى يجرم العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج. هناك قدر من نقد ازدواجية المعايير والنفاق الاجتماعى سواء لدى العائلة البرجوازية التى تصمت خوفا من أن تخسر رجل الأعمال وعقده، وكذلك الشاب الذى تزوج ليحسن وضعه الاجتماعى عالما بأنه ليس أبا الطفلة المولودة وأمه تطمح فى الثراء وصوفيا التى كان هناك حد فاصل لها ومحير ما بين كونها ضحية وانها دبرت كل ذلك وحققته وقانون يذكرنا بأن هناك عقوبة من سنة لثلاث سنوات للفتاة التى ترتبط بعلاقة عاطفية خارج الزواج.