190 عامًا من التشريع لرعاية الأطفال.. كيف تصدرت مصر حماية الطفولة عالميا؟    قرار جمهوري بتجديد ندب قضاة للجنة التحفظ على أموال الجماعات الإرهابية    محافظ المنوفية يشهد فعاليات الحفل السنوي لعيد الجامعة    تسليم 2833 بطاقة خدمات متكاملة لذوي الإعاقة بالشرقية    حوار إسلامي مسيحي لأول مرة بقرية «حلوة» بالمنيا حول ثقافة التسامح في الجمهورية الجديدة (صور)    ارتفاع مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا للشهر الخامس على التوالي    محافظ أسيوط: إقبال كبير على منافذ بيع اللحوم البلدية بسعر 290 جنيهًا للكيلو بديروط    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    الأولى بعد المائة من قوافل «زاد العزة».. الهلال الأحمر المصري يواصل دعم غزة بمساعدات غذائية وطبية وشتوية    إنفوجراف| تعرف على مواعيد مباريات المجموعة الخامسة بأمم أفريقيا    مانشستر يونايتد يضع نجم لايبزيج على راداره لتعزيز صفوفه الصيف المقبل    عرضان من الدوري المغربي لمدافع الزمالك السابق    تحرير 155 مخالفة بالأسواق والمخابز خلال يومين والتحفظ على 5 أطنان ملح بالدقهلية    وكيل تعليم أسيوط يناقش استعدادات امتحانات الفصل الدراسي الأول    السكة الحديد: تطبيق التمييز السعري على تذاكر الطوارئ لقطارات الدرجة الثالثة المكيفة.. ومصدر: زيادة 25%    سبق تداوله عام 2023.. كشفت ملابسات تداول فيديو تضمن ارتكاب شخص فعل فاضح أمام مدرسة ببولاق أبو العلا    جريمة قتل في شبرا الخيمة: تأجيل محاكمة الترزي المتهم بطعن سيدة حتى الموت    ضبط قضايا اتجار في النقد الأجنبي بقيمة 7 ملايين جنيه    التفاصيل الكاملة لرحيل الفنان طارق الأمير إثر أزمة صحية استمرت أسابيع    أسماء الأباصيري تنال درجة الماجستير في الإعلام بتقدير ممتاز    شقيقة طارق الأمير تنهار بعد وصول جثمانه لصلاة الجنازة    حسام بدراوي يهاجم إماما في المسجد بسبب معلومات مغلوطة عن الحمل    «الصحة» تعلن تقديم أكثر من 1.4 مليون خدمة طبية بمحافظة البحر الأحمر خلال 11 شهرًا    بالأعشاب والزيوت الطبيعية، علاج التهاب الحلق وتقوية مناعتك    وزير الري: الدولة المصرية لن تتهاون في صون حقوقها المائية    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    أمم أفريقيا 2025| تفوق تاريخي للجزائر على السودان قبل مواجهة اليوم    إيمان العاصي تجمع بين الدراما الاجتماعية والأزمات القانونية في «قسمة العدل»    أمم إفريقيا – براهيم دياز: سعيد بتواجدي في المغرب.. والجمهور يمنحنا الدفعة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 24-12-2025 في محافظة قنا    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    الداخلية تكشف حصاد 24 ساعة من الحملات المرورية وضبط أكثر من 123 ألف مخالفة    محمد بن راشد يعلن فوز الطبيب المصري نبيل صيدح بجائزة نوابغ العرب    بدء اجتماع الحكومة الأسبوعى ويعقبه مؤتمر صحفي    ڤاليو تتعاون مع تاكتفُل لتعزيز تجربة العملاء عبر حلول الذكاء الاصطناعي المتقدمة    لأول مرة في التاريخ.. الصادرات الهندسية المصرية تسجل 5.9 مليار دولار    بعد تعرضه لموقف خطر أثناء تصوير مسلسل الكينج.. محمد إمام: ربنا ستر    ميدو عادل يعود ب«نور في عالم البحور» على خشبة المسرح القومي للأطفال.. الخميس    كيف واجهت المدارس تحديات كثافات الفصول؟.. وزير التعليم يجيب    بولندا: تفكيك شبكة إجرامية أصدرت تأشيرات دخول غير قانونية لأكثر من 7 آلاف مهاجر    الدفاع الجوي الروسي يدمر درون حلقت باتجاه موسكو    الأوقاف: عناية الإسلام بالطفولة موضوع خطبة الجمعة    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    شوبير: على مسؤوليتي الشخصية وبنسبة 1000% حامد حمدان يريد الانتقال للأهلي    الصغرى بالقاهرة 11 درجة.. الأرصاد تكشف درجات الحرارة المتوقعة لمدة أسبوع    هاني رمزي: أتمنى أن يبقى صلاح في ليفربول.. ويرحل من الباب الكبير    رئيس هيئة الرعاية الصحية: مستشفى السلام ببورسعيد قدكت 3.5 مليون خدمة طبية وعلاجية    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    بزيادة 27% عن 2025| تركيا تقرر رفع الحد الأدنى للأجور الشهرية    رئيس دولة التلاوة    رغم تحالفه مع عيال زايد وحفتر…لماذا يُعادي السيسي قوات الدعم السريع ؟    دبابات الاحتلال الإسرائيلي وآلياته تطلق النار بكثافة صوب منطقة المواصي جنوب غزة    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    حركة القطارات| 90 دقيقة متوسط تأخيرات «بنها وبورسعيد».. الأربعاء 24 ديسمبر    خطوة جديدة لوقف حرب السودان.. وبيان عربي يصفها ب «الأمل»    إيران تنتقد الترويكا الأوروبية والولايات المتحدة لعدم التزامهم بالاتفاق النووي    فنزويلا: مشروع قانون يجرم مصادرة ناقلات النفط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيار ناري.. الانتصار للإنسانية
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 10 - 2018

خرجت من قاعة العرض ذلك المساء المعتدل طقسه، كابحا جماح مشاعري تجاه نهاية فيلم «عيار ناري»، التي لم أتوقع أن تؤثر بي لهذه الدرجة.
في أوج ثورة 25 يناير وخلال ال18 يوما حتى 11 فبراير 2011، دارت معارك طاحنة بين الناس، على هامش المعارك الدموية في الميادين المختلفة بالبلاد، وتراشقوا فيما بينهم بالاتهامات والإدانات والشتائم، حتى ضربت الفتنة الأسرة الواحدة، الابن قد يهاجم أبيه والصديق يخسر صديقه بمنتهى السهولة، فقط لأن كل فريق يظن أنه يمتلك الحقيقة والآخر لا يفقه شيئا، وامتدت تلك المعارك أيضا إلى ما بعد ذلك، مرورا بثورة 30 يونيو وبيان 3 يوليو وحتى الآن، فهل فقدنا إنسانيتنا خلال تلك المسيرة الشاقة؟.
• هنلّم المتكسر بعدين
في بداية الفيلم نرى علاء «أحمد مالك» ممدا بين ذراعي أخيه خالد «محمد ممدوح» ينزف دما ويلفظ آخر أنفاسه، بينما الأم سيدات «عارفة عبد الرسول في أحد أعظم أدوارها» تلملم بقايا طعام وأطباق قائلة: «هنلم اللي اتكسر بعدين».
بعد مرور 8 سنوات تقريبا على ثورة 25 يناير، لا أرى أن هناك محاولات جادة كي «نلّم المتكسر» مؤجلين ذلك ل«بعدين».
يخاصم المرء أهله لأنهم لا يتفقون مع الحقيقة التي يراها، دون الانتباه أو البحث عن مدى دقة هذه الحقيقة. يشير الفيلم إلى ذلك في علاقة الطبيب الشرعي ياسين المانسترلي «أحمد الفيشاوي» بأبيه المتهم بالفساد. قطيعة كاملة وحكم غير قابل للنقض وهروب للخمر حتى ينسى وصمة العار التي تلاحقه، في حين يؤرق الوزير السابق -الذي لم يهتم السيناريو بإثبات فساده أم لا لهامشية الأمر تماما- عدم تصديق ابنه له، ولا يفيق الابن من تلك المعضلة إلا حين يجد نفسه هو الآخر متهما من المجتمع والرأي العام بمحاباته لوزارة الداخلية وكتابة تقرير ضد التيار ينصفها ويدين مَن يقال عنه أنه «شهيد»، وفي هذه الأزمة لا يجد من يصدقه «عمياني» سوى أبيه.
يناقش الفيلم بشكل واضح قضية الحقيقة الواحدة ووجوهها الكثيرة، في خطوط الأحداث المختلفة، هل علاء أبو زيد شهيد أحداث محمد محمود فعلا أم لا؟ هل وزير الصحة السابق «أحمد كمال» والد ياسين المانسترلي فاسد أم لا؟ هل فعلا تمتلك الصحفية الشابة مها عوني «روبي» الصورة الكاملة لكتابة مقال رأي أم لا؟ إلا أنه يتجاوز البحث عن إجابات تلك الأسئلة إلى ما هو أعمق.
(تحذير: السطور التالية ربما تكشف بعض أحداث الفيلم)
• هي.. التي لا يهتم بها أحد
في رأيي، فإن بطلة الفيلم الرئيسية والذي تعمد السيناريو وضعها في الظل تماما، في إشارة واضحة لعدم اهتمام المجتمع ب«الإنسانية» على حساب ما يظنونه الحقيقة، هي سلمى خطيبة الشاب علاء أبو زيد «أسماء أبو اليزيد»، التي حملت سفاحا منه وحركت الأحداث من البداية. علاء ذو السمعة السيئة يريد ستر فضيحته وفضيحتها بالزواج، رغم أن شابا بصفاته التي أشار لها السيناريو عبر شهادات الآخرين لم يكن ليهتم بالأمر والأسهل أن ينكر كل شيء، إلا أن الزواج يتطلب منزلا وهو مُعدم، وهكذا حتى نصل لانفجار القنبلة في وجه الجميع.
المجتمع الفاقد لإنسانيته سيتهمها بالفجور دون النظر لأي اعتبارات أخرى، كأن الجميع ملائكة، وقد شاهدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي آلاف الأحكام المطلقة حيث يكتبها أصحابها من خلف حجاب ثم يقومون للنوم ببال راض عن أداء دورهم في إعلاء كلمة الحق، فهل كان على الطبيب الشاب والصحفية الثورية أن يلقيان بها في حفرة الجحيم انتصارا للحقيقة أم يشاركان في سترها انتصارا للإنسانية؟.
• نهاية مغايرة
النهاية التي أثرت بي كانت مغايرة لما هو متوقع من فيلم يحمل الصبغة البوليسية، طوال الأحداث نحن في انتظار انتصار الطبيب الشرعي وإثبات صحة تقريره ووصوله للجاني الحقيقي أيا كانت النتائج، حتى يجد الطبيب نفسه أمام خيارين: الانتصار لذاته أو التضحية لإنقاذ حياة أخرى.
إنقاذ حياة الإنسان لا يعني بالضرورة فعل مادي، بل هو فعل معنوي في الأساس جاء في الفيلم عن طريق «ستر فضيحة إنسانة»، والإنسان مخلوق ليصيب حينا ويخطئ أحيانا، ولسنا مخولين بنصب المشانق لمن يخطئ، إلا أن الحياة علمتنا أن من السهل اغتيال الخاطئين معنويا ودفعهم إلى التمادي في الخطأ أو السقوط في آبار عميقة ربما لا يخرجوا منها مطلقا، وكم من أبناء وبنات آدم قابلناهم في حياتنا ليسدوا الطريق أمامنا ناسين أن «من منكم بلا خطيئة فليرجمها بحجر».
ياسين المانسترلي قرر في النهاية ألا يكون سببا في فضيحة سلمى التي لا ذنب لها في كل ما يحدث سوى «لحظة خطأ». خالد شقيق علاء يتزوج بها وهو لا يحبها ولا تربطه بها أية مشاعر تضحية منه لسترها، الأم تفقد ابنها في لحظة «ثورة فجائية» فلا تريد أن تفقد الابن الآخر وتدمر الفتاة الضائعة، وتدعو ل«لملمة المتكسر» والحفاظ على ما تبقى.
هل الفتاة هنا هي إشارة لكيان أكبر وأعظم تناسيناه وسط معارك «ثورة أم فوضى» «شهداء أم بلطجية» - «ثورة أم انقلاب» - «مدنية أم دينية» - «الحرية المطلقة أم التشدد التام»؟ هل شاركنا جميعا في فضح هذا الكيان العظيم بدلا من التضحية من أجله أم لا؟ هل انحرفت بوصلتنا خلال كل هذا الارتباك؟ أترك لكم الإجابة.
***
فيلم «عيار ناري»، الثاني على التوالي للسيناريست هيثم دبور، والأول للصديق المخرج الواعد كريم الشناوي، يكرس لقيمة «الإنسانية» طوال أحداثه، بعيدا عن الأجواء المشحونة التي واجهته بعد عرضه الأول خلال الدورة الثانية لمهرجان الجونة السينمائي، وقد كتب الكثيرون قبلي يدافعون عن الظلم البيّن الذي وقع على الفيلم واتهامه بمعاداة ثورة يناير، وهي رؤية غير دقيقة تحمل مزايدة لا تليق بفيلم فني يمكن الاتفاق مع أو الاختلاف حول ما يطرحه «فقط» دون الذهاب إلى أبعد من ذلك.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.