تسببت الأزمة المالية فى معاناة شديدة لمعظم دول العالم فى الوقت الحالى، ويبدو أن الصورة ستكون أشد قتامة خلال الفترة المقبلة. سوف يشهد العالم ركودا طويلا وعميقا خلال الفترة المقبلة، كما ستعانى الاقتصاديات الناشئة والنامية من تباطؤ شديد فى معدلات نموها، بسبب انكماش اقتصاديات معظم الدول المتقدمة، هكذا توقعت مؤسسة استاندرد أند بورز، من خلال تقرير حديث لها صدر أمس الأول بعنوان «توقعات الاقتصاد العالمى.. غرق جماعى». واعتبرت المؤسسة أن الانكماش الذى تشهده الدول الصناعية فى الوقت الحالى هو الأعمق منذ الكساد الكبير عام 1930، وخاصة أنه جاء بعد فترة نمو اقتصادى عالمى غير مسبوق، وبالتالى فان هذا التغير المفاجئ والكبير لمعدلات النمو تسبب فى معاناة شديدة لدول العالم أجمع. وبشكل خاص اليابان، التى تتصدر الدول الصناعية من حيث عمق الركود الذى تشهده، وحجم المعاناة والصعوبات التى ستواجهها خلال سعيها للخروج منه، بسبب اعتمادها على الصادرات كمحرك رئيسى لنمو اقتصادها. ويتوقع التقرير أن تأتى أمريكا فى مقدمة الدول التى ستتمكن من الخروج من هذا الركود، فى حين تستغرق المنطقة الأوروبية فترة أطول، لاختلاف الأوضاع الاقتصادية لدولها. وعلى الرغم من معاناة الصين، بسبب تراجع الطلب الخارجى على منتجاتها من جانب الدول الصناعية، وخاصة أمريكا، فإنها ستتمكن من تعويض ذلك من خلال تنشيط الطلب الداخلى وتحفيز الإنفاق الاستهلاكى، بالإضافة إلى زيادة الإنفاق العام على مشروعات البنية التحتية. ووفقا للتقرير، تمتعت مناطق أمريكا اللاتينية، وأفريقيا، والشرق الأوسط بمناعة قوية ضد الركود حتى منتصف العام الماضى، بفضل ارتفاع أسعار السلع عالميا الذى طالما مثل حصانة لدولها. إلا أنه مع اندفاع هذه الأسعار إلى أسفل، وخاصة أسعار النفط، امتد الركود ليشمل هذه المناطق، وليتسبب فى معاناة شديدة لها، لعدم قدرتها على تعويض قلة صادراتها بالطلب المحلى. وبالرغم من أن الطفرة التى شهدتها دول آسيا فى السنوات الأخيرة، إلى جانب تحسن الصورة الاقتصادية العالمية، قللت الاعتماد الكلى على أمريكا، باعتبارها المحرك الرئيسى للنمو العالمى، فإن الأزمة الحالية أثبتت أن أمريكا مازالت تمثل «مفتاح المعادلة الاقتصادية العالمية»، بحسب التقرير. ولم يصبح السؤال الآن متمركزا حول ما إذا كان العالم سوف يستطيع الخروج من الركود فى عام 2009 أم لا، ولكن السؤال الذى يريد أن يعرف إجابته كل فرد الآن هو: مع دخول كل هذه الدول فى مرحلة ركود عميق فى نفس الوقت، إلى أى مدى سوف تصل المعاناة التى سيشهدها العالم خلال الفترة المقبلة؟، وإلى متى سوف تستمر هذه المعاناة؟ وإجابة هذه السؤال من وجهة نظر التقرير- مرهونة بقدرة الطلب المحلى فى كل دولة على تعويض قلة الطلب الخارجى، خاصة الدول الصناعية التى يعتمد اقتصادها بشكل رئيسى على الصادرات، مثل أمريكا، فمثل هذه الدول لم تستطع خطط الإنقاذ التى تبنتها دولها حتى الآن تعويض خسارتها، بل حتى الدول التى تعتمد فى صادراتها على موارد طبيعية، تأثرت بانحسار حجم التجارة العالمية، وتراجع أسعار السلع. واعتبر التقرير انخفاض أسعار البترول سلاحا ذا حدين، فهو من جهة يعود بالفائدة على المستهلك، إلا أنه من الجهة الأخرى يتسبب فى ضائقة كبيرة لمنظمة الدول المصدرة للبترول (الأوبك)، والدول الأخرى المصدرة للنفط. وكانت استاندرد أند بورز قد أصدرت تقريرا فى مارس الماضى، وتوقعت فيه أن معظم اقتصاديات العالم سيكون وضعها مستقرا فى 2008، وسوف تتمكن من الصمود فى وجه الأزمة، إلا أن «الوضع الحالى أثبت أن الركود الذى يشهده الاقتصاد الأمريكى انتقلت عدوته إلى مختلف دول العالم، القريبة منها والبعيدة، بعكس توقعات المؤسسة السابقة»، بحسب ما ذكر التقرير.